الناس لا يفهمون طبيعة النظام الذي يعيشون فيه

21 مايو 2022
21 مايو 2022

الترجمة عن الروسية: يوسف نبيل -

ماذا سيسموننا مستقبلا؟

تثير العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا والعقوبات والتصريحات المزعجة من جانب أوروبا قلقًا يتنامى باستمرار في أنفس وعقول الروس.

في الوقت ذاته يؤيد غالبية الروس موقف الكرملين والحكومة. وفقًا لاستطلاع الرأي الأخير الذي أجراه مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام ВЦИОМ يوافق 64% من السكان على سياسة روسيا الخارجية. تشير هذه النتيجة إلى زيادة النسبة بمقدار 14% عن يناير 2021. لا تزال تقييمات الناس للرئيس بوتين مرتفعة كما كان حالها دائمًا. تشهد المؤشرات الاجتماعية في الأسابيع الأخيرة على عدم وجود حالة احتجاج عامة وعلى عدم احتمالية نشوب حركات احتجاجية في البلاد. ليس هناك تهديد بظهور حركات شبيهة بحركة "السترات الصفراء". أظهر استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة "الرأي العام"(ФОМ) إن "أفعال السلطات الروسية لا تثير استياء أو غضب الناس". هناك أيضًا منظمات اجتماعية أخرى تقدم آراء وتقييمات مماثلة.

أسئلة مزعجة:

تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بأسئلة مزعجة، وتتسم جميعها بطابع عميق، بل ويمكننا أن نقول: (وجودي) يتعلق بشخصية دولتنا (روسيا). على سبيل المثال: كيف تُتخذ أهم القرارات السياسية والاقتصادية في بلدنا؟ إلى أي مدى يشارك الخبراء في مناقشة هذه القرارات؟

يلقي الكثيرون باللوم الآن على البنك المركزي ووزارة المالية على فشلهم في التنبؤ بإمكانية تجميد ما يقرب من نصف احتياطياتنا من الذهب والعملات الأجنبية (300 مليار دولار) في الولايات المتحدة. لكن هل هم وحدهم من يستحقون اللوم أم إن نظام اتخاذ القرار هو المسؤول؛ النظام الذي جعل مؤسسات السلطة المهمة مثل وزارة المالية والبنك المركزي ليسا على دراية كافية وغير قادرين على التأثير الوضع الحالي؟

في أي عصر نعيش اليوم؟

للتخفيف من قلق السكان فيما يتعلق بالآفاق الاقتصادية بدأت السلطات تتحدث تقريبًا عن بداية إصلاحات انطلاقًا من روح "بيان ديريباسكا"(1) الذي لقى استجابة كبيرة. تُقترح الآن بعض التدابير تهدف إلى "تحرير" السوق. يدور الحديث عن تقليص دور الدولة في الاقتصاد. يعني ذلك إنه بدلا من الشعار الشهير والشعبي لدى السكان: "نحو قدر أكبر من الاشتراكية" يُعلن الآن شعار: "نحو قدر أكبر من الرأسمالية والسوق الحر". هذا نموذج للتحولات السياسية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هو النظام الذي سنعيش فيه في الخمس أو العشرة سنوات القادمة إذا استمر هذا التوجه الليبرالي؟ كيف سيؤثر ذلك على نظام السلطة؟

إذا نظرنا إلى التاريخ الروسي في الخمسين أو الستين سنة الأخيرة يستحيل ألا نلاحظ إن نظام السلطة عندنا يتغير مع كل تغيير يحدث في القيادة العليا. في كل مرة يُعلن "عهد جديد". بعد ستالين أتى عصر "خروشوف" وبعده عصر "بريجنيف" وبعده "جورباتشوف"... إلخ. طوال القرن العشرين تقريبًا كان السكان يتم تلقينهم مفاهيم سياسية تاريخية مصطنعة. تارة يعيش الإنسان السوفيتي في ظل "شيوعية عسكرية"، وتارة يعيش في ظل "السياسة الاقتصادية الجديدة"(2) ثم انتقل إلى "التوسع في بناء الشيوعية" وبعد ذلك بدأ عصر "الاشتراكية ذات البعد الإنساني". طوال كل ذلك ظل نظام السلطة ذاته غامضًا تمامًا. أعاد كل قائد جديد إعداد "قفطان السلطة" ليلائم مقاسه. تارة يقولون مزيدًا من الاشتراكية وتارة يقولون مزيدًا من الرأسمالية وتارة يقولون الحرية أفضل من العبودية وتارة يقولون العكس. حتى الآن لا يمكننا أن نفهم من نحن تحديدًا؟ هل نحن مواطنون دولة حرة إم إننا ناخبون مطيعون أم أرانب اختبار تتبدل باستمرار بتغير نوايا السلطة؟ ما هو توجه السلطة؟ أين هي العقول المدبرة لهذا التوجه؛ أهي في الكريملين أم في لوبيانكا أم في جيوب الأوليجاركيين؟ لماذا اختفى السياسيون الواضحون من روسيا؟ باستثناء اسمين أو ثلاثة لا يمكننا أن نجد أحدًا. في العصر السوفيتي اشتهر المجلس الأعلى للاتحاد السوفيتي بعماله التقدميين وعاملات الحليب المبجلات وخبراء حقول القمح. اليوم عندما يعرضون اجتماعات مجلس الدوما أو مجلس الاتحاد الروسي يستحيل علينا ألا نميز الطابع البيروقراطي القوي في وجوه الكثيرين من المحدقين في شاشات الكمبيوتر الموجودة أمامهم.

ماذا نسمي أنفسنا؟:

يحدث كثيرًا أن يتجلى عدم اكتمال الصورة السياسية في روسيا في أصغر التفاصيل. لا نعرف بوضوح ماذا نسمي أنفسنا. في عصر روسيا الإمبراطورية توفّر بعض الوضوح حيث يمكن للمرء أن يفهم من هو السيد ومن هو الفلاح، وأن يعرف من يخاطبه بقوله: "سيادتكم" ومن يخاطبه بـ "السيد الكريم" ومن يتعامل معه باحترام قائلا: "السيد المبجل" ومن يقول له: "عزيزي" ومن يخاطبه في إحدى الحانات بازدراء قائلا: "مرحبًا يا رجل! أريد كأس فودكا!".

ظهرت في هذا الوقت ألفاظ محددة لمخاطبة الناس من قبيل: "سيد" – "سيدة"، وكان بوسع المرء أن يخاطب الشابات الصغيرات بـ "آنسات". بعد الإصلاح الذي أجراه ألكسندر الثاني ظهر نداء أشمل؛ ألا وهو "السيد"«господин». نودي بالـ "سيد" الوزراء والمفوضون والأساتذة الجامعيين وصفوف الموظفين. أحب لينين استخدام كلمة: "صاحب" «батенька». اجتاحت السلطة السوفيتية كل الطبقات، وصار الناس يُنادون من كل الطبقات بكلمة "الرفيق". لكن هذه التسمية لم تنطبق على الجميع؛ ففي ظل نظرية "التصعيد المستمر للصراع الطبقي" ظهر في البلاد عدد ضخم من كل أنواع "المحرومين"-"المنبوذين". وُصِف ملايين المواطنين بإنهم "مارقون" و"خونة اجتماعيون" و"عناصر أجنبية" و"مثقفون فاسدون" و"مدانون". في أجواء المخيمات ظهر أكثر أنواع النداءات عبثية: "المواطن الرئيس". من أجل تجنب السقوط في فخ واحد من هذه التسميات أخفى الناس حتى عصر بيروسترويكا جورباتشوف أصلهم. كتب أحفاد النبلاء السابقين والتجار والضباط القيصريين أو رجال الدين في خانة الأصل الاجتماعي في الاستبيانات المختلفة: "عمال" أو "فلاحون".

في عصر يلتسين كانت هناك محاولة لإعادة استخدام كلمة "السيد" «господин» بل وكلمة «сударь».(3) لكن لم تستطع هذه المحاولة أن تتجذر في المجتمع، وحتى الآن لا نعرف حقًا ماذا نسمي أصدقاءنا وزملائنا وكيف نناديهم. يحدث كثيرًا عند التعامل مع امرأة أن تُنادى بهذا النداء السخيف: мамаша (4) أو "امرأة" مثلما يُقال مثلا: "ممنوع الوقوف هنا يا امرأة!"، ويُخاطب الرجال بـ : "مرحبًا يا رجل!" ويُخاطب العسكريون والشرطيون بــ: "قائد".

ها نحن في بداية عصر جديد؛ فماذا سيسموننا الآن؟

هوامش:

1- أوليج فلاديميروفيتش ديريباسكا: رجل أعمال وملياردير روسي.

2- سياسة اقتصادية تبنّاها الحزب الشيوعي السوفياتي عام 1921 م، وهي تمثّل تراجعاً مؤقتاً عن خط الاشتراكية النظرية المكبّلة بقيود المركزية المفرطة.

3- تعني "السيد" أيضًا لكن كل تسمية منهم تعود إلى عصر بعينه وتعطي إيحاء مختلفًا.

4- تدليل لكلمة أم وكانت تستخدم قديمًا لمخاطبة امرأة بنوع من التدليل.

• فياتشيسلاف كوستيكوف دبلوماسي وصحفي وكاتب روسي شغل منصب السكرتير الصحفي للرئيس الروسي بوريس يلتسين.

** المقال مترجم عن موقع Aif.ru