كلّ ما يمكن لشخص واحد أن يكونه

11 أغسطس 2021
11 أغسطس 2021

طوال الطريق من صلالة إلى سفوح جبل سمحان، كنت أسترق النظر إليها، محاولة تذكر أين رأيت هذا الوجه من قبل؟ ولماذا يبدو مألوفًا جدًا؟

كنت حينها أعمل في مجال حفظ البيئة، وكانت هي خبيرة تعمل لدى منظمة إيرث ووتش، فاستغرقنا الحديث والنقاش، حول الاستراتيجية الوطنية لحماية النمر العربي، ثم فجأة وجدت نفسي أقول لها: لقد عرفت لماذا يبدو وجهك مألوفًا، أنت تشبهين فيرجينيا وولف، الروائية الإنجليزية، تعرفينها، أليس كذلك؟

ابتسمت وقالت: "بالتأكيد أعرف فريجينيا وولف، كيف لا! وقد كان أبي أحد الصبيين اللذين أكتشفا جثتها؟". قلت: "لا بد أنك تمزحين"، قالت: "في الحقيقة لا، حدث ذلك بعد أسابيع من غرقها في نهر أوز، وبالتحديد في الثامن عشر من أبريل، كان أبي ورفيقه قد قطعا جسر ساوث إيز، في شرق مقاطعة سسيكس، وباتجاه أيشيهام، عندما لفت انتباههما معطف طاف عند أعمدة الجسر، ثم اكتشفا أنها جثة سحبها الماء".

في صباح الثامن والعشرين من مارس عام ١٩٤١، ملأت فيرجينيا وولف جيب معطفها بالحجارة، وخاضت في نهر أوز، وهناك سلمت نفسها للماء، تاركة وراءها رسالة لزوجها ليونارد وولف، اقتبس منها "لقد وهبتني أعظم سعادةٍ ممكنة. لقد كنتَ بكل الطرق، كلّ ما يمكن لشخص واحد أن يكونه. لا أظن أنه من المعقول لاثنين أن يصبحا أكثر سعادة منّا....".

طفولة فيرجينيا وولف المليئة بالفقد، حولتها إلى كائن هش، فعانت طويلًا من الاكتئاب ثنائي القطب، الذي أدخلها المصحة أكثر من مرة، لكنها كانت تشفى، وتخرج للحياة ثانية، فتكتب وتقرأ وتسافر وتعيش بشغف.

بعد قصف بيتها اللندني أثناء الحرب العالمية الثانية، تأثر توازنها النفسي بشكل كبير، فلم تجد أسلحتها المألوفة من القراءة والكتابة في التصدي لنوبة الاكتئاب العظيمة تلك، إذ فقدت حتى قدرتها على ذلك، كما أوضحت في رسالة انتحارها، وبدأت تشعر بأنها صارت عبأ على زوجها الحبيب، يمنعه اهتمامه بها من العمل، لهذا ربما استسلمت ليأسها هذه المرة، فانتصر عليها مرضها في الجولة الأخيرة.

عندما تناقلت الصحف الخبر، وكتبت عن علاقة انتحارها بظروف الحرب، أي قصف بيتها أثناء الغارات الألمانية على لندن، اعتبرت الصحافة الإنجليزية انتحارها، خيارًا جبانًا، وهاجمتها بشراسة، مما أدى إلى موجة من الكراهية، ظهرت في تلقي زوجها لمئات من الرسائل الغاضبة، والمدينة لخيار فيرجينيا وولف أي الانتحار هربًا من مواجهة الحرب، وكأنها بموتها تخلت عن الشعب البريطاني كله.

ما كان لزوجها ليونارد وولف إلا الدفاع عنها كعادته، وليعتني بذكراها كما اعتنى بها طوال حياتها، فهو كما ذكرت في رسالتها "كلّ ما يمكن لشخص واحد أن يكونه"، أي أنه كان كل أحد بالنسبة لها.

في حياتها القصيرة المليئة بالأحزان، كتبت وولف العديد من الروايات، أقربها إلى قلبي المنارة، ومسز دالاوي، ونشرت العديد من المقالات المهمة التي نظرت فيها، لأوضاع المرأة في بدايات القرن العشرين، وتركت أثرها العميق على الأدب الإنجليزي، كما تركته على روحي وأنا أمضي في قراءة أثرها عامًا بعد عام.