56565
56565
ثقافة

أوراق ناقشت إشكاليات وتجليات النقد الثقافي في ندوة بيت الزبير

28 نوفمبر 2021
باعتباره مصطلحا حديثا ظهر ما بعد الحداثة
28 نوفمبر 2021

ناقشت ندوة أقامها بيت الزبير مؤخرا «النقد الثقافي: تجليات وإشكالات» باعتبار النقد الثقافي مصطلحا حديثا في النقد، ظهر بعد حقبة ما بعد البنيوية والحداثة، والمناهج التي تعتمد على الجماليات في تحليلها للنص الأدبي، ويعود ظهوره إلى حقبة الستينيات من القرن المنصرم بما يعرف باسم «الدراسات الثقافية» التي ظهرت في عام ١٩٦٠، مع تأسيس مركز برمنجهام للدراسات الثقافية المعاصرة وبالتالي مهد الطريق لنشأة ما يعرف بالنقد الثقافي.

وفرق الدكتور عبد الله الغذامي بين النقد الثقافي والنقد الأدبي والدراسات الثقافية، والفرق بين النقد الثقافي وحقلي النقد الأدبي والدراسات الأدبية هو مع أحدهما فارق منهجي ومع الآخر فارق وظيفي، الفرق بين النقد الثقافي والدراسات الثقافية منهجي والنقد الثقافي يعتمد منهجيات دقيقة ومحكمة ويلتزم بها بينما الدراسات الثقافية مفتوحة على الدراسات الحرة وتنهل من كل المنابع المعرفية لكن لا نستطيع أن نقرر منهجيات محددة للدراسات الثقافية بينما النقد الثقافي ألزم نفسه بمنهجيات. أما الاختلاف بين النقد الأدبي والثقافي هو اختلاف وظيفي. وظيفية النقد الأدبي هو البحث عن الجمالي أما وظيفة الثقافي البحث عن المضاد للجمال -القبحيات- أي أن النقد الثقافي يقف على الأنساق أما الأدبي يقف على النصوص.

وتوقفت ورقة إدريس الخضراوي التي حملت عنوان «دراسات ما بعد الكولونيالية.. الأفق النظري، ومفهوم الأدب» عند عملين تشيع فيهما لغة النقد الثقافي ما بعد الكولونيالي، ويقومان على مجهود نقدي ونظري سخر هذا الحقل للتركيز على عدد من الظواهر التي تَعترضُ الثقافات قديمها وحديثها، شرقيها وغربيهاّ، وهذان العملان هما: الفرانكوفونية، ما بعد الكولونيالية والعولمة للباحث الفرنسي إيف كلافارون، وحداثات عربية من الحداثة إلى العولمة للباحث المغربي خالد زكري.

وحسب الخضراوي فإن ما يَجمعُ بين هذين العملين، ليس فقط كونهما يندرجان ضمن المشروع النقدي لما بعد الكولونيالية، وبالتالي يهتمان بـ«التهجين الثقافي» و«الما بين»- مشيرا إلى أنهما مفهومان يعدّهما هومي بابا محدّدين للخطاب ما بعد الكولونيالي- وإنما أيضا لما يتخللها من العناصر الدالة على ذلك الضّرب من الاستثمار المتبصّر، الذّكي لأدوات ومفاهيم النقد ما بعد الكولونيالي لقراءة التجاذب بين النص والعالم، الثقافة والقوة، والكشفِ عن الأهمية التي تكتسيها عمليات التهجين الثقافي في اجتراح «فضاء ثالث»، وحسب الخضراوي هو مصطلح وضعه الناقد الهندي هومي بابا ليشير به إلى ما يَفرضهُ العيشُ في العالم ما بعد الكولونيالي المطبوع بالتوترات والصراعات من رفض للأحكام المسبقة، وشعور مستمرّ بالحاجة إلى الحوار، والتفاوض، والمقاومة، وتخطي السرد الاختزالي للمركز والأطراف.

وتناولت الورقة الثانية «نقد الثقافي في عمان..القصّة القصيرة أنموذجًا» لخالد البلوشي القصّة القصيرة العمانيّة مجالًا منظورًا إليه من عين النقد الثقافي. مستعرضا نماذج من قصص يطغى فيها موقف كاتبها السياسي على أركان القصّة الفنّيّة، وذلك من خلال «المغلغل» وقصص من مجموعتي انتحار عبيد العماني وإعدام الفراشة. وقبيل ذلك قسم البلوشي النتاج القصصي العماني إلى قسمين: قسم يختزل الإنسان حاشرًا مشاعره وعواطفه في أنماط محدَّدة معروفة سلفًا، مشيرا إلى أن هذا الاختزال له بواعث وأشكالٌ عدّة كالترويج الأيديولوجي وكعقد النيّة المسبقة على معالجة إشكال اجتماعيّ أو على تهييج خيال القارئ أو على التعبير له عن عين مدرار؛ وحسب البلوشي فهناك من القاصّين من يرى الأدب موقفًا ضدّ السّلطة السّياسيّة أو ضدّ السّلطة الاجتماعيّة المتمثّلة بالخطاب الذكوري المهيمن؛ ومنهم من يراه متعة، فيأخذ على عاتقه إضحاك قارئه أو مؤانسته بأحداث فنتازيّة، ومنهم من يراه بيانًا للمشاعر، فيعرض لنا في أسلوب إنشائيّ أحداثًا تهدف إلى إثارة الشّفقة والحزن؛ والجامع لهذه القصص هو أنّ الكاتب- صوتًا- له حضور طاغٍ، فهو يحرّك شخصيّاته خطوطًا من علٍ، فيصنّف ويختزل حسبما تقتضي غايته.

والقسم الثّاني حسب البلوشي فهو يقدّم خبرة الإنسان العمانيّ لا من خلال موقف واضح المعالم وإنّما من خلال النفاذ في نفوس الشّخصيّات والنبش في وعيها ولاوعيها حيث تتضادّ المتشابهات وتتشابه الأضداد وتتعثّر التعريفات والتوصيفات؛ فـ«الحبّ» ليس- من هذا المنطلق- خطًّا مطّردًا من شعور إيجابيّ قويّ التأثير في الذات وحسب أو سطوة تفرض على الآخر بما حسن من الأسماء، مشيرا إلى أنه خبرة متشابكة فيها تململ وتذبذب وخفاء وغموض؛ والجنون والمقدّس والمحرّم والجائز والمقبول ليس تصوّرًا وحسب وإنّما هو خبرة فيها من الجمعي ما فيها من الفردي، فيها من الجسدي ما فيها من النفسي؛ والجامع لهذه القصص هو أنّ الكاتب- صوتًا- له حضور ضامر، فهو يكاد يذوب في شخصيّاته، فتبرز لنا بانوراما الخبرة الإنسانيّة متمازجة الألوان متقاطعة الأبعاد.

وقرأت الورقة الثالثة «الذاكرة النسوية موضوعا للنقد الثقافي» لمحمود الرحبي مضيئا كتاب «نساء في غرفة فرجينا وولف» لسعاد العنزي، ومنطلقا في مقاربته للكتاب من مجموعة من العوامل الموضوعية، أهمها كون النقد الثقافي ينفتح على عدد من العلوم وينزاح إلى خارج الاشتغال النصي الأدبي، ناحية موضوعات فكرية واجتماعية متعددة. وحسب الرحبي فالاشتغال انطلاقا منه -أي حقل النقد الثقافي- يغري الباحثين في مختلف حقول المعرفة، إذ «يتكئ النقد الثقافي في مشغله على مبدأ وجود النسق المضمر- الذي نظّر له عبد الله الغدامي- المتنوع بين تأريخي واجتماعي وعرفي وبيئي وسياسي وديني وما إلى ذلك».

وأشار إلى أنه كان مسنودا في كل ذلك بواعزين موضوعيين يدخلان في صلب ثيمات النقد الثقافي، الأول كون مشاغل المرأة والنسوية أحد الاقتراحات التي يتبناها النقد الثقافي، في سياق تسليط الضوء على فئة اجتماعية فاعلة طالما تم تهميشها وتغييبها من مسرح الإبداع في ظل سيطرة ذكورية، والثاني كون الكتاب يتناول حياة فاعلتين نسويتين تشكلان نواتين وبذرتين أثمرتا كثيرا في عالم القراءات النسوية، الأولى غربية (فرجينيا وولف) والثانية عربية (مي زيادة) نموذجان أساسيان في التمثيل للخروج عن ربقة الهيمنة الذكورية لإنتاج أسئلة معرفية وأدبية والإسهام في تأسيس بنى ثقافية شقت- انطلاقا منهما- طرقا إبداعية جديدة في مسيرة الفكر والأدب، غربيا وعربيا.