No Image
ثقافة

أحمد الفلاحي يرفد المكتبة بمجلدين لمختارات من القصائد العمانية

03 ديسمبر 2022
تضم قصائد كتبها شعراء عمانيون منذ أقدم الأزمنة وحتى الآن
03 ديسمبر 2022

«عُمان»: صدر حديثًا للأديب أحمد بن عبدالله الفلاحي مجلدان لقصائد عمانية عن دار الفرقد للنشر والتوزيع، وقع الجزء الأول في 591 صفحة، والجزء الثاني في 536 صفحة من القطع الكبير، ويضم الكتاب مختارات من قصائد الشعر العربي كتبها شعراء عمانيون منذ أقدم الأزمنة وحتى الآن ويصفه الكاتب بأن ما فيه هو ما في الشعر العربي من جودة عالية ترتفع في القمم الرفيعة وأخرى شديدة التواضع ليس فيها من الشعر سوى النظم والإيقاع وهناك المتوسط بين القمة والقاع وهذه القاعدة في أركانها الثلاثة هي التي انبنى عليها مأثور الشعر في اللغة العربية عبر عصورها المتوالية وشعر عُمان فرع من تلك الدوحة الكبرى.

وأشار المؤلف إلى أن اختيار هذه القصائد كنماذج قدمها إلى قراء الشعر في الوطن العربي ليطلوا من خلالها على ملامح من شعر عُمان الذي لم يصل أكثره لمعظمهم.

ويشير الأديب «الفلاحي» إلى أنه في حالات بذاتها غلب المضمون على الفن ابتغاء للفكرة وما تقدمه كما في الأراجيز والرحلات وربما التخميس والإخوانيات، والقصد الأساسي من هذه النماذج وضع مشهد الشعر العماني أمام القارئين من متذوقي الشعر عساها تفي بالغرض وتصل للهدف المراد.

ويضيف أحمد الفلاحي: إن كثيرًا من شعراء عُمان لا توجد لهم دواوين خاصة تجمع قصائدهم فضاع معظم شعرهم والقليل الذي بقي منه تناثر هنا وهناك وبلل المطر بعضه وعدت «الرمة» على كثير منه إضافة إلى تحريف الناسخين وضعف حفظ الحافظين وندين للدفاتر التي اعتاد أصحابها تجميع القصائد بما توفر لنا من تلك الأشعار قصيدة في هذا الدفتر ومقطوعة في مثيله وهذه المجاميع التي لا يكاد بيت من بيوت العلم والأدب في عمان يخلو منها حفظت لنا لحسن الحظ العديد من القصائد المتفرقة وإن كان ما فات أكثر وأكثر.

ويبدو أن انتقاء قصائد الشعراء، وجمعها في مكان واحد من العادات الشائعة والمتوارثة في عمان منذ عهود بعيدة وقد أبقى الزمان لنا عددًا وافرًا منها حتى اليوم تتيح للدارسين التعرف من خلالها على الشعر العماني المجهول وكشف ملامحه وسر مضامينه وإبراز ما استتر منه.

وهذا الديوان جاءت قصائده معظمها من تلك الدفاتر «المختارات» وقد اجتهدت في انتقاء ما راق لي ووافق ذوقي منها من عصور مختلفة قليل منها يعود لما قبل الإسلام والعصر الإسلامي الأول والأكثر للعصور التي تلت وخاصة عصرنا الحاضر وهي قصائد احتوت على مضامين متنوعة في الحروب والرثاء والارتحال وفي الحكمة والوصف والغزل ونحو ذلك من أغراض الشعر العربي وقد حاولت تقويم الكلمات والجمل التي أصابها التلف من القدم والتمزق والمحو وأغلاط النساخ بحسب ما أمكنني.

وقال الفلاحي: منذ أن كنت صغيرا كنت أرى أمام عيني عددا من الدفاتر الشعرية القديمة التي أجهدها الدهر وتأثرت أوراق بعضها من جراء القدم فتمزقت وانطمست أسطرها وأفسدت «الرمة» أجزاء واسعة منها كما أصاب بلل الأمطار أجزاء أخرى وحينما كبرت وجدت التمزق والضياع قد زاد وقضى على كثير من أوراق تلك الدفاتر وخاصة الأقدم منها وكانت الأجيال تتعاقب على تلك الدفاتر فيضيف كل جيل إضافة جديدة مما يراه مناسبًا له لذلك اختلفت الخطوط وألوان الأحبار ولم تكن هناك قاعدة محددة للاختيار من حيث نوع الشعر ومضمونه أو من حيث قدمه وحداثته بل الحالة أقرب إلى العشوائية سيما في الدفاتر الأقدم فهناك قصائد لعنترة وزهير والخنساء من العصور الموغلة في القدم تجاورها قصائد عمانية جديدة تنتمي إلى زمن الناقل وقصائد لابن دريد والمتنبي والبحتري والمعري ومن تلاهم ممن جاء بعدهم وقصائد من شعراء عمان القدماء كالستالي والنبهاني والكيذاوي ومعها قصائد من العراق والشام ومصر وهكذا اختلطت القصائد مع بعضها وفي الدفاتر الأحدث ظهرت قصائد ابن شيخان وأبو مسلم والشيخ سعيد بن خلفان الخليلي والشيخ السالمي، تلك الدفاتر المتنوعة القديمة والأحدث التي ضمت خليط الشعر العربي في صنوفه الكثيرة وفي عصوره المتعاقبة ومن أقطاره العديدة التي جاءت عُمان في الصدارة منها من حيث الكثرة والعدد، هذه الدفاتر هي التي فتحت عيني في طفولتي وبداية شبابي على الشعر العربي وغرست حبه في ذاتي وهي التي حفّزتني على حفظ كثير من أبياته وقصائده دون فهم لمعانيها وحتى دون النطق الصحيح لكلماتها ولا شك أن كثرة تقليبي لتلك الدفاتر والتعامل المتكرر معها قد أسهم بصورة غير قليلة في تمزق المزيد من أوراقها وفي تشويهها بالحبر البدائي الذي كنا نستخدمه وبالخربشة في هوامشها وبين سطورها مما أدى لفقدان الكثير منها فقدانا نهائيًا للأسف.

ويؤكد الأديب أحمد الفلاحي على أن دوره اقتصر في جمع قصائد الشعراء وصفها بجانب بعضها والشعر هنا كله لأهل عُمان القديم منه والأقدم والمعاصر الذي هو شعر اليوم والمقصد الأول منه هو الإسهام في التعريف بالشعر العُماني وتقديمه للقارئ العربي في كل أقطار العروبة وديارها لإحساسي بأن شعرنا في عُمان ما زال أكثره مجهولًا لمحبي الشعر من أشقائنا بل وحتى لأهلنا وأبنائنا من أهل عُمان ولا شك أنها محاولة جد متواضعة في هذا السياق علها تكون حافزًا لأبنائنا من الشباب الباحثين والأكاديميين لتسليط الضوء على ما خلّفه أسلافهم من شعر جميل ما زال متواريًا ويستحق أن يعرض ويقدم لأبناء الوطن أولًا وللشقيق العربي ثانيًا ليظهر ما فيه من إضافات بالغة الأهمية لنهر الإبداع العربي الشامل.

تجدر الإشارة إلى أن القصائد في الديوان قسمت حسب موضوعاتها إلى تسعة أبواب وباب عاشر تم تخصيصه لما فاض عن الأبواب التسعة وسمي بـ«المتفرقات» هو أكبر أبواب المجموعة، كما خصص باب من أبواب الكتاب العشرة باسمه والذي أشار فيه إلى قصائد الباب معظمها بها إبداع شعري عالٍ لشعراء كبار يصعب تجاوزه وتجاهله وإن كان المضمون موجهًا لشخصي وبه إطراء يفوق ما أستحقه وهو مما يدخل في مجال الإخوانيات ولكن مستواه الشعري هو الذي دفعني في المقام الأول لوضعه في باب خاص بهذه الصفة إضافة إلى تشرفي به وافتخاري بأنه موجه إليّ من رموز لهم مقامهم الرفيع، ومعه وضعت محاولات متواضعة مني تخيلت أنها يمكن إسكانها على حواف الشعر وإن لم ترتقِ لمستواه.

وفي الختام أكد أن القصائد المختارة خرجت من ديوان الشعر العُماني الواسع على مختلف حقبه وعصوره الممتدة المتوالية والمعيار الأول والأخير في اختيارها هو ذائقة من اختارها ولا شيء غير ذلك.