هل علينا الخوف من أوميكرون؟!
لم يتسنى للعالم التقاط انفاسه بعد المعركة المستعرة في مواجهة متحورات فيروس كورونا التي عاثت في الارض فسادا، وتسببت في اكبر ازمة عالمية شهدها القرن الواحد والعشرين، حتى ظهر أوميكرون، المتحور الاكثر قابلية للانتشار حتى الان، واعادت الازمة الى المربع الاول، حيث الاغلاقات والاجراءات الصحية الاستثنائية والجرعات المنشطة، فما هو هذا المتحور، وهل علينا ان نخاف، وهل ستقي اللقاحات الحالية من الاصابة به وتعمل على ايقافه، هذا ما سنتناوله في هذا التقرير.
"خطرا عالميا كبيرا"
منظمة الصحة العالمية وفي اخر تصريح لها حول المتحور أوميكرون الذي رُصد في أكثر من 60 دولة، قالت انه يشكل "خطرا عالميا كبيرا" مع بعض الأدلة على أنه مقاوم للقاحات لكن البيانات السريرية عن شدته ما زالت محدودة.
وقالت المنظمة في إفادة فنية صدرت الأحد إن حالة كبيرة من عدم التيقن تحيط بأوميكرون، الذي رصد لأول مرة الشهر الماضي في جنوب أفريقيا وهونج كونج، والذي قد يؤدي تحوره إلى سرعة أكبر في انتشار العدوى وعدد أكبر في الإصابات بكوفيد-19.
وأضافت "مجمل الخطر المرتبط بالمتحور الجديد أوميكرون يظل مرتفعا للغاية لعدة أسباب" في تكرار لتقيمها الأول.
وتابعت "ثانيا، فإن الأدلة الأولية تشير إلى تفاديه للاستجابات المناعية وإلى معدلات انتشار عالية وهو ما قد يتسبب في ارتفاع آخر في حالات الإصابة مع عواقب وخيمة"، مشيرة إلى قدرة الفيروس المحتملة على مقاومة المناعة التي توفرها الأجسام المضادة.
وأشارت المنظمة إلى أدلة أولية على ارتفاع أعداد من تكررت إصابتهم بالفيروس في جنوب أفريقيا.
وتابعت أنه في حين تُظهر بيانات أولية من جنوب أفريقيا أن حالات الإصابة بأوميكرون أقل شدة من حالات الإصابة بسلالة دلتا، فإن المهيمن على الإصابات في العالم حاليا وجميع الحالات المسجلة في منطقة أوروبا كانت خفيفة أو بدون أعراض، وما زال من غير الواضح إلى أي مدى يمكن أن يكون أوميكرون أقل ضراوة.
وقالت المنظمة "هناك حاجة لمزيد من البيانات لفهم شدته... وحتى إذا كانت شدته أقل من دلتا فيظل من المتوقع ارتفاع معدلات الدخول للمستشفيات نتيجة زيادة الحالات. ويشكل زيادة معدل دخول المستشفيات عبئا على الأنظمة الصحية ويزيد من الوفيات"، وتابعت أن من المتوقع الحصول على المزيد من المعلومات في الأسابيع المقبلة.
لا حاجة لتغيير اللقاحات
قال مدير الطوارئ في منظمة الصحة العالمية مايك رايان الجمعة الماضي إنه لا يوجد دليل يدعم فكرة تغيير لقاحات كوفيد-19 حتى تكون ملائمة لمقاومة السلالة أوميكرون.
وأضاف رايان -خلال فعالية نقلتها مواقع التواصل الاجتماعي- أنه رغم ذلك -وإذا لزم الأمر- فإن العمل جار بالفعل في حالة الحاجة إلى لقاحات خاصة بأوميكرون.
وقال رايان "في الوقت الحالي لدينا لقاحات فعالة جدا. نحن بحاجة إلى التركيز على توزيعها بشكل أكثر إنصافا. نحن بحاجة إلى التركيز على حصول الفئات الأكثر عرضة للخطر على التطعيم".
وقال رئيس شركة بيونتك الألمانية أوغور شاهين الجمعة الماضي إن شركته قد تكون قادرة على تعديل لقاحها المضاد لفيروس كورونا على نحو سريع نسبيا لمكافحة المتحور الجديد أوميكرون.
وأضاف أيضا أن اللقاحات ستظل توفر حماية من الأعراض الشديدة للمرض رغم التحورات.
وتابع "هذه السلالة قد تكون قادرة على إصابة المُطعمين. نتوقع أن المصابين الذين تلقوا التطعيم سيتمتعون بالحماية من الأعراض الشديدة للمرض".
وأشار إلى أن تحورات الفيروس تعني أن من المرجح أن تصبح التطعيمات سنوية كما هي الحال مع الإنفلونزا الموسمية.
هل تحمي جرعة ثالثة من أوميكرون؟
قال كبير المستشارين الطبيين للبيت الأبيض وعلماء الأوبئة وعلماء المناعة أنتوني فاوتشي إنه في الوقت الحالي تعد المعززات (جرعة اللقاح الثالثة) أفضل دفاع ضد سلالة أوميكرون الجديدة وسلالة دلتا شديد القابلية للانتقال، وفقا لتقرير في إن بي سي لبيركلي لوفليس جونيور.
وقال فاوتشي الجمعة الماضي -في إحاطة فريق استجابة كوفيد-19 بالبيت الأبيض- إن الدراسات تظهر أن جرعة إضافية من لقاحات كوفيد الحالية ستزيد مستويات الأجسام المضادة ضد جميع السلالات، مضيفا "هناك كل الأسباب للاعتقاد بأنه إذا تم تطعيمك وتعزيزه، فستحصل على الأقل على درجة معينة من الحماية المتبادلة (حماية من سلالة أخرى من الفيروس)، ومن المحتمل جدا ضد المرض الشديد، وحتى ضد متغير أوميكرون.
ويحتاج العلماء إلى مزيد من الوقت للتأكد؛ إذ قالت مديرة المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها الطبيبة والعالمة روشيل والنسكي الأحد إن "ما لا نعرفه بعدُ هو مدى العدوى الذي ستكون عليه، ومدى نجاح لقاحاتنا، وإذا كانت ستتسبب في مرض أشد".
وقالت إننا "نأمل فعليا أن تنجح لقاحاتنا، إذ إنه إذا لم تنجح في منع المرض تماما، فإنها تمنع الإصابة كليا، حيث يمكن أن تعمل على الوقاية من التعرض لمرض شديد وتحول دون حاجة الناس لدخول المستشفيات".
وفي برنامج "هذا الأسبوع" على شبكة "إيه بي سي" التلفزيونية الأمريكية، شددت والنسكي على أنه كلما زادت تحورات سلالة زادت الحاجة لمزيد من الحصانة للوقاية من الإصابة، مضيفة "نحن نمضي فعليا في تطعيم المزيد من الأفراد والمزيد منهم بالجرعات التنشيطية".
وقالت إننا "نعرف أن الفيروس لديه كثير من التحورات وكثير من هذه التحورات مرتبطة بسلالات أكثر قدرة على العدوى".
ويرى الخبراء أن الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة في فهم إذا كانت سلالة أوميكرون تمثل خطورة شديدة، وهل تستجيب للقاحات الحالية.
وكشفت دراسة لبيانات وبائية في جنوب أفريقيا عن أن خطر عودة الإصابة بسلالة فيروس كورونا الجديدة أوميكرون تبلغ 3 أضعاف مقارنة مع مثيلتها من السلالات الأخرى المتحورة من كورونا، حسب ما أفادت به وكالة بلومبيرغ الخميس، نقلا عن بيان عبر البريد الإلكتروني لمركز جنوب أفريقيا للأمراض الوبائية والتحليل والمركز الوطني للأمراض المعدية.
ونقلت بلومبيرغ عن مؤلفي الدراسة: جولييت بوليام وهاري مولتري قولهما إن النتائج أثبتت وجود أدلة وبائية على قدرة أوميكرون على التهرب من المناعة المكتسبة من العدوى السابقة.
وقال رئيس شركة مودرنا (Moderna) ستيفن هوغ -في تصريح لتلفزيون "إيه بي سي" الأمريكي- "أظن أن هناك احتمالا مرتفعا أن نشهد انخفاضا في فعالية اللقاحات".
وأضاف أن "ما لا أعرفه هو مستوى" التراجع، وتساءل: "هل سيكون مثل ما شهدنا مع دلتا التي ظلت اللقاحات فعالة ضدها، أم سنشهد انخفاضا في الفعالية بنحو 50%، مما سيعني أنه يتعين علينا تعديل اللقاحات؟"
وبدأت مودرنا -مثل شركات أدوية أخرى بينها فايزر (Pfizer)- العمل بالفعل على تكييف لقاحها إذا لزم الأمر.
3 فرضيات تفسر ظهور أوميكرون
افترض بعض العلماء أن أوميكرون نشأ في جنوب أفريقيا لأنه رُصد أول مرة هناك، ولكن تبيّن أن هناك حالات أقدم رُصدت لاحقًا في الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
تتطور الطفرات تلقائيا عندما يتكاثر الفيروس وينتشر، لكن العلماء يحاولون الآن فهم عدد الطفرات التي نشأت في أوميكرون في مثل هذه المدة الزمنية التي تبدو قصيرة.
ولدى أوميكرون أكثر من 30 طفرة (تغييرا) في بروتين السنبلة "سبايك" (Spike)، ويسمح هذا البروتين للفيروس بإصابة الخلايا البشرية والاستيلاء عليها، وهو أيضا هدف معظم اللقاحات.
ويعتقد أن تغييرات البروتين في السلالات السابقة، مثل دلتا وألفا، جعلت الفيروس أكثر عدوى أو أكثر عرضة للتهرب من جهاز المناعة واللقاحات.
لم يتضح بعد إذا كان أوميكرون أكثر قابلية للانتقال، أو يسبب مرضا أكثر خطورة من المتغيرات السابقة، أو إذا كان سيجعل اللقاحات أقل فعالية، لكن دراسة جديدة نشرها علماء من جنوب أفريقيا يوم الخميس، ولم تُنشر بعد في مجلة علمية، تشير إلى أن أوميكرون أكثر عرضة بـ3 مرات لإعادة إصابة الناس. اما فرضيات نشأة سلالة أوميكرون فهي كالاتي،
الفرضية الأولى: نشأ في مجموعة منعزلة من الناس
أحد الاحتمالات لكيفية ظهور متغير شديد التحوّر، مثل أوميكرون، هو أن الفيروس بدأ ينتشر ويتحول في مجموعة منعزلة من الناس، حيث كانت لديه فرصة للتغيير بشكل كبير مقارنة بالمتغيرات خارج تلك الفقاعة، وفقا لتقرير للكاتبة سارة وايلد في موقع ساينتفيك أميركان.
ويقول غونزالو بيلو، عالم الفيروسات في معهد أوزوالدو كروز في ريو دي جانيرو، وكان جزءا من الفريق الذي تتبّع صعود متغير غاما في البرازيل في نوفمبر 2020، إنه مع غاما "أدركنا أن الطفرات لا تظهر في خطوة واحدة في فرد واحد"، بدلا من ذلك، حدثت بعض الطفرات في أفراد معينين ولكن ليس في آخرين.
ويوضح بيلو أن ظهور غاما "كان عملية حدثت في مجموعة من الأفراد، وليس في شخص واحد"، ويضيف بيلو أن من الممكن أن يكون الفيروس قد دخل بعد ذلك، مع طفراته العديدة، إلى عدد أكبر من السكان، إذ كان قادرا على السفر إلى مجموعات وبلدان مختلفة.
الفرضية الثانية: تحوّر في شخص واحد
قالت آنا ليز ويليامسون رئيسة قسم التطعيم في جامعة كيب تاون، وإد ريبيكي مدير وحدة أبحاث البيوفارمينغ بالجامعة، إن الفيروس قد يكون تحوّر بشكل كبير في فرد واحد قبل العثور على مضيف جديد.
ويمكن أن يحدث هذا في شخص يعاني ضعف المناعة، مثل شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية.
ويشرح وليامسون وريبيكي أن الأشخاص الأصحاء لديهم العديد من الخلايا المناعية، تسمى الخلايا التائية "سي دي 4 بلاس"، التي تحفز نوعا آخر يسمى الخلايا التائية القاتلة، وفي الأشخاص الأصحاء الذين يصابون بـ"كوفيد-19" تدمر هذه الخلايا التائية القاتلة الخلايا المصابة بالفيروس.
ولكن في الأشخاص الذين يعانون نقص المناعة، ولديهم أعداد قليلة من خلايا "سي دي4+تي" (CD4+T) "ينشئ الفيروس عدوى مستمرة" بسبب نقص استجابات الخلايا التائية القاتلة.
ومع ذلك، فإن أجهزتهم المناعية تنتج بعض الخلايا المناعية التي تسمى الخلايا البائية التي تؤدي إلى استجابة الأجسام المضادة، وهذا "يؤدي إلى سباق تسلح بين الفيروس والأجسام المضادة"، وفقا لوليامسون وريبيكي. ولا ينتج عن استجابة الخلايا البائية الضعيفة أجسام مضادة كافية للتخلص من الفيروس تماما، ومن ثم فإن التسلسل الجيني لبروتين ارتفاع الفيروس يتعرض لضغوط من أجل التحور للهروب من الأجسام المضادة.
هناك بعض الأدلة لدعم هذه الفكرة، ففي دراسة لم تطبع بعد صدرت في يونيو وصف باحثون من جنوب أفريقيا امرأة مصابة بفيروس نقص المناعة البشرية كانت مصابة بفيروس كورونا لأكثر من 6 أشهر، وفي ذلك الوقت تطور الفيروس فيها وطوّر عددا من الطفرات، بعضها على بروتين سبايك.
الفرضية الثالثة: تحوّر في حيوان
هناك فرضية محتملة لتفسير كيفية اكتساب الفيروس بسرعة كثيرا من الطفرات تقول إنه عاد إلى المستودع الحيواني قبل أن ينتقل مرة أخرى إلى البشر.
ويقول بيلو إن الدلائل المقنعة تشير إلى أن فيروس كورونا الأصلي ربما نشأ في الخفافيش، وكانت هناك حالات عديدة من الثدييات البرية والمستأنسة الأخرى التي أصيبت بالفيروس. في العام الماضي، كانت هناك تقارير عن تفشي فيروس كورونا في مزارع المنك في أمريكا الشمالية وأوروبا، وفي هولندا كانت هناك حالة مؤكدة من المنك أصابت عامل مزرعة.
يقول بيلو إن أوميكرون ربما قفز من الحيوانات إلى البشر بهذه الطريقة، "في نوع آخر، سيواجه الفيروس نوعا مختلفا من الضغط المناعي، ومن ثم يمكن أن يراكم بعض الطفرات بسرعة كبيرة"، الفكرة لا تزال تخمينا في هذه المرحلة.
