No Image
العرب والعالم

لماذا تتمسك أمريكا بقاعدة التنف وسط الصحراء السورية..؟

12 أغسطس 2021
12 أغسطس 2021

لم تكن منطقة التنف بهذه الشهرة كما هي اليوم عقب اندلاع الحرب على سوريا، فقد كانت مجرد صحراء تنبع أهميتها من وجودها في المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، وفيها معبر حدودي للشاحنات، وباتت التنف اليوم قاعدة عسكرية للقوات الأمريكية وللتحالف الدولي الذي تقوده والذي أنشئ في عام 2014 بحجة مواجهة تنظيم (داعش).

وتقع قاعدة التنف، غرب الحدود العراقية بمسافة 22 كيلومتراً، وتبعد نحو 22 كيلومتراً عن الحدود السورية - الأردنية، وعلى بعد 24 كم من الغرب من معبر التنف "الوليد" عند المثلث الحدودي، في محافظة حمص.

داعش استولت على المعبر والتنف في مايو عام 2015 وبعد عام كامل تم تحرير المعبر من الجهة العراقية من قبل الفصائل العراقية المدعومة من أمريكا وحينها تم انشاء جيش سوريا الجديد في تلك المنطقة وبحماية أمريكية معلنة.

ومع حدة الحرب التي كانت مستعرة في البلاد حينذاك، تم إنشاء مخيم الركبان بالقرب من تلك المنطقة عند الشريط الحدودي، فكان المعسكر ذريعة أخرى لتواجد القوات الأمريكي هناك وإقامة نقطة عسكرية منذ عام 2016 وتوسع الأمر لتكون تلك النقطة العسكرية ملاذا للفارين والمنشقين ولتدريبهم وإعادتهم الى ساحات القتال من جديد، وسميت حينذاك معارضة سورية عسكرية مدعومة من التحالف وبينهم قسم كبير ممن كان يطلق عليهم فصائل الجيش الحر، وبات يسمى اليوم "جيش مغاوير الثورة"، وتعتبر الولايات المتحدة هذا الفصيل، إضافة إلى فصيلي "أسود الشرقية" و"قوات أحمد العبدو"، بمثابة ذراع برية لها لمحاربة "داعش" في البادية السورية، مثلما تعتمد على "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) للغاية نفسها في منطقة شرقي نهر الفرات.

وتقيم القوات الأمريكية، حزام عسكري حول التنف يصل إلى 55 كم، ويتواجد في القاعدة أكثر من ثلاثة الاف عسكري امريكي ومن تلك القاعدة الامريكية كانت تنطلق الهجمات المباغتة بحماية أمريكية على نقاط الجيش السوري المتفرقة في المنطقة الوسطى والجنوب وحتى منطقة البوكمال.

ففي أبريل 2017، أشارت مصادر مطلعة أن مخفر "القوات الخاصة" الأمريكية في التنف قد شارك في القتال ضد الجيش الحكومي. وفي 18 مايو 2017 أصابت مقاتلات التحالف بقيادة الولايات المتحدة قافلة من قوات الحكومية السورية كانت تتقدم نحو قاعدة التنف، حيث تم تشغيل وتدريب المنشقين من قبل الجيش الأمريكي. ولم تتوقف القوات الحكومية حينها عن محاولات تقدمها واختراق وعزل القاعدة الأمريكية في التنف؛ بأسلحة روسية متطورة تدعمها طائرات هليكوبتر روسية، حسب مصادر روسية، ولكن كل تلك المحاولات كانت تقابل بمحاولات أمريكية مستميتة لحماية القاعدة والحفاظ على تواجدهم هناك.

أعادة هيكلة

قال الخبير الاستراتيجي والعسكري السوري د. حسن حسن في تصريح لعُمان، تعليقا على الدور الأمريكي في سوريا من خلال هذه القاعدة العسكرية "تعد قاعدة التنف هامة جدًا فهي تمثّل نقطة ارتكاز للقوات الامريكية على مثلث الحدود للتحكم بشبكة الطرق الصحراوية خاصة المتجهة من المنطقة الجنوبية باتجاه الشمالية الشرقية أي منطقة المعابر مع العراق، كما أن الوجود في التنف ساهم بشكل كبير بإعادة هيكلة بقايا تنظيم "داعش" وتنظيمها القتالي".

تحاول أمريكيا توسيع قواعدها غير الشرعية في مناطق شرق الفرات، في وقت تعمل المجموعات الكردية "قسد" على التصعيد في أكثر من جبهة، بهدف الاستمرار بالسيطرة على الموارد النفطية والطبيعية.

ويضيف د. حسن، أن الدولة السورية حاربت الإرهاب على مدى 10سنوات، هزمت الألاف من الإرهابيين لن تكون عاجزة عن تحييد أي إرهابي قادم من القواعد الأمريكية لتسوية وضعه.

اليوم الاستراتيجية الأمريكية التي ترغب أن تتبعها لن تتحقق، فهي تريد تدوير الزوايا واللعب بالقرارات الصادرة عنها ولكن بالمقابل الجيش السوري والحلفاء قادرين على الصمود أمام الواقع الذي تسعى أمريكا لفرضه.

وبات من المؤكد للجميع أن أمريكا تستخدم مخيم الركبان كغطاء أما الرأي العام العالمي لتبرير تواجدها غير الشرعي في المنطقة والبقاء على قرب من الجنوب السوري بشكل عام، وبتواصل مع الفصائل المسلحة التي تدين بالولاء لها، وتحركها كلما أرادت تأجيج الصراع في المنطقة، ولهذا فهي تعض بالنواجذ من اجل البقاء في المنطقة وعدم تفكيك مخيم الركبان، فمنطقة التنف تساعدها في أكثر من محور ويخدم أهدافها المعلنة وغير المعلنة.

رفض سوري مطلق

الحكومة السورية عبرت واحتجت مرارا على التواجد الأمريكي غير الشرعي عبر القنوات الرسمية الدولية ويرى الباحث السياسي د. سمير عبد الحق في تصريحه لعُمان أن أمريكا تعمل من خلال وجودها في منطقة التنف لتنفيذ سياسات تهدف إلى دعم حلفاءها أولا سواء "قسد" أو باقي الفصائل المتشددة والأخرى العسكرية التي تقوم بتمويلها وتدريبها هناك، والكل بات يعرف أن مخيم الركبان ذريعة فقط، وأنه يشكل بؤرة لحماية الإرهابيين، وتفريغهم من مناطق "قسد" إلى هنا، حيث يتم تدوير تواجدهم والاستفادة منهم وحتى ابعاد خطرهم عن الفصائل الكردية الانفصالية، ولهذا فهي تمنع النازحين المقيمين في الركبان والذين لجئوا إليه مع بدء الحرب، تمنعهم من مغادرة المخيم والعودة لأماكنهم في الداخل السوري لأن الظروف المعيشية للنازحين هناك سيئة جدا.

ويتابع د. عبد الحق تحاول أمريكا الاستفادة من مساحة الصحراء السورية المترامية الأطراف والطرق الوعرة، كما انها تريد أن تكون العين التي تراقب التواجد الإيراني في سوريا والحد من عملياته العسكرية الداعمة للجيش السوري كما يعلنون.

في يونيو الفائت اتهمت دمشق واشنطن بقيامها بتدريب إرهابيين في سوريا، وقالت إن كل من تورطوا مع الاحتلال ستطالهم الملاحقة.

وأكدت النيابة العامة العسكرية أن "احتلال" الولايات المتحدة الأمريكية لأجزاء واسعة من الأراضي السورية وإنشاءها لقواعد عسكرية ومطارات يشكل عدواناً عسكرياً بنظر القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

وكشفت النيابة العسكرية السورية عن وجود براهين وأدلة قاطعة على جرائم ارتكبها إرهابيون يتبعون جماعات مسلحة تتلقى دعماً أمريكياً، ما سيتيح توجيه اتهامات مثبتة ضد الولايات المتحدة الأمريكية حول دورها في تحضير وتنفيذ عمليات إرهابية على أراضي دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة. وتوعدت النيابة العسكرية السورية بملاحقة ومحاسبة السوريين المتعاونين مع «الاحتلال» الأمريكي، وقال المتحدث باسم النيابة إن التحقيق ما زال جارياً لديها «لمعرفة مدى تورط الأجهزة الخاصة في الولايات المتحدة بشكل مباشر في إدارة مثل تلك الهجمات على الأرض»، وأوضح أن تلك الهجمات والاغتيالات طالت ضباطاً وجنوداً سوريين وروسيين.

وأرفقت النيابة العسكرية السورية بيانها بصور لأشخاص قالت إنهم «إرهابيون» يدرّبهم أمريكي على طريقة استخدام «صواريخ تاو الأمريكية الصنع، ومدافع هاون عيار 82» وصور لدورية مشتركة ينفذها «الإرهابيون» جنباً إلى جنب مع الجنود الأمريكيين في منطقة التنف وصور لما وصفته بتدريبات «ليلية مشتركة بين إرهابيين وقوات أمريكية على استخدام مناظير ليلية ووسائل الاستطلاع الحديثة».

وعرضت النيابة العسكرية السورية مع بيانها اعترافات متلفزة لبعض مَن وصفتهم بـ«متزعمين ميدانيين وإرهابيين» يُقرون فيها بتلقي «الإرهابيين» تدريبات من القوات الأمريكية، لا سيما العميد مهند طلاع قائد الفصيل السوري المعارض «جيش مغاوير الثور».

وأضافت النيابة العسكرية السورية في بيانها أن الولايات المتحدة تقوم بـ«انتقاء أعداد كبيرة من الإرهابيين بعضهم من إرهابيي (داعش) الموقوفين في سجون جماعات موالية لها ونقلهم إلى القاعدة العسكرية الأمريكية في التنف ومواقع أميركية مشابهة»، حيث يتلقون هناك تدريبات عسكرية مكثفة تمتد عادةً إلى ثلاثة أسابيع بإشراف مدربين أمريكيين وتحت غطاء تدريب ما يسمى «جيش مغاوير الثورة» بغية تمكينهم من تنفيذ اعتداءات تخريبية وإرهابية واستخدام معدات ووسائل استطلاع حديثة.

قواعد أمريكية

تنتشر القواعد العسكرية الأمريكية في مناطق شمال وشرق سوريا، ففي ريف حلب الشمالي هناك قاعدة عين العرب قرب الحدود التركية. وفي محافظة دير الزور قاعدة في محيط حقل العمر النفطي بريف المحافظة، وكذلك القاعدة التي تقع قرب حقل التنك النفطي في ريف دير الزور ثم قاعدة الرويشد، وهي قاعدة إمداد برية في منطقة مثلث البادية، إضافة لقاعدة الباغوز بريف دير الزور، بالإضافة إلى تسع قواعد عسكرية أميركية في الشمال الشرقي أهمها قاعدة الرميلان في الحسكة تليها قاعدة المالكية بريف الحسكة الشمالي الشرقي، وقاعدة تل بيدر القريبة من طريق «إم فور» الاستراتيجي، وتتكامل هذه القاعدة مع قاعدتي «لايف ستون» و«قسرك» شرقي بلدة تل تمر على طريق «إم فور»، ويستخدمها التحالف الدولي.

أهداف غير معلنة

التواجد الأمريكي في الصحراء السورية له دلالات أخرى ذكرتها مصادر إعلامية غربية وهي أن الامريكان يحاولون وضع أيديهم على ما تحويه هذه الصحراء من ثروات طبيعة وأن تحرم الدولة السورية من الاستفادة منها، كما انها تقف بمكان تستطيع من خلاله المناورة في اكثر من محور بالنسبة للمحافظات السورية وللدول المجاورة، وما تحويه الصحراء السورية من ثروات طبيعية حسب المصادر يجعل الولايات المتحدة الامريكية تتمسك بهذه القطعة من الأرض التي تحاول ان تجعلها قاعدة عسكرية بقدرات دفاعية وهجومية عالية.