الأونروا تحذر: أطفال غزة في مواجهة آلة الموت
تقضي إيمان حمدونة ذات السبعة والعشرين عامًا جل وقتها داخل مستشفى الرنتيسي للأطفال، أصبح المستشفى هو المأوى لها ولطفلها الوحيد نضال ذي العام ونصف العام الذي يعاني من وضع صحي مزرٍ، بسبب سوء التغذية الذي تسبب في حدوث مشكلات صحية عديدة. تقول إيمان بينما كانت تضع طفلها تحت سرير المستشفى خوفًا من شظايا القصف الإسرائيلي المتواصل للمنطقة: «أنجبت نضال بعد شهرين من بداية الحرب، بالتحديد في مركز إيواء مدرسة خليفة للنازحين شمال قطاع غزة، بدأت أعراض التعب تظهر على طفلي، الذي كان يعاني من نقص في الوزن وضعف المناعة، عدم تلقيه التطعيم الأول تسبب في تدهور أحواله الصحية، بسبب النزوح المتكرر والمجاعة التي حدثت في شمال قطاع غزة، بالتزامن مع إغلاق المعابر وعدم حصولي أنا وطفلي على كفايتنا من الطعام، أصبح ابني يعاني من سوء تغذية واضح ونقص في الفيتامينات والمعادن، وبدأت حالته الصحية تزداد سوءا يوما بعد يوم، لذلك دخل المستشفى أكثر من مرة، حاول الأطباء فعل اللازم لكن قلة الإمكانيات والمستلزمات الطبية كانت تقف حائلا أمامهم، أخبرني الأطباء أن طفلي يحتاج إلى مصل لتعزيز المناعة، لكنهم لم يستطيعوا الحصول على ذلك المصل، عندما قام الأطباء بعمل فحص دم دوري لطفلي وجدوا أن وظائف الكبد نسبتها عالية جدا بالإضافة إلى حدوث تضخم في الطحال وانحدار الصفائح الدموية وعدم استقرار نسبة الهيمجلوبين في الدم، لذلك قرر الأطباء إعطاء ابني وحدتي دم بسبب سوء التغذية الحاد الذي يعاني منه، تخيلوا أن ابني نضال عمل عملية جراحية من غير بنج بالأمس في قدمه، هل ممكن أن تتخيلوا هذا الأمر»، كانت تسرد إيمان مأساتها وهى تبكي.
صمتت للحظة أخرجت بعدها بعض الأوراق الطبية التي توجد ضمنها تحويلة طبية خاصة بابنها ثم استطردت قائلة: «زوجي عاطل عن العمل كغيره من الشباب في غزة، نحن نزحنا من مسقط رأسنا بيت لاهيا وأصبح جميعنا يعاني من قلة المال وارتفاع أسعار المواد الغذائية، أحاول بشتى الطرق والوسائل الحصول على الحليب و«البامبرز» لطفلي، ولكني أستطيع إيجاد ذلك بمعاناة كبيرة، قمت بمناشدة جميع الجهات المختصة والمؤسسات الحكومية والإغاثية من أجل الحصول على الحليب والمكملات الغذائية لطفلي ومساعدتي في السفر للخارج لعلاج طفلي الوحيد لكن دون جدوى، الآن أنا موجودة داخل المستشفى وأناشد كل الدول العربية والإسلامية والإنسانية أن تقف مع ابني نضال للسفر في أقرب وقت ممكن وتوفير العلاج و«البامبرز» له».
لم يكن حال الطفل خالد أفضل، هو طفل يبلغ من العمر تسعة أشهر، اعتقل جيش الاحتلال الإسرائيلي والده من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، تقول والدته أم أسامة شعبان التي كانت تقف بجوار إحدى الصيدليات مقابل مخيم النازحين بمدينة أصداء: «توجهت منذ الصباح للبحث عن حليب لإطعام طفلي الذي يحتاج إلى علاج وغذاء، لكن كل محاولاتي لتأمين طعامه باءت بالفشل، قمت بمغادرة مستشفى ناصر بناء على رغبتي خوفًا من اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي للمستشفى بعد أن قام بإرسال منشورات لإخلاء المناطق المحيطة، الآن ابني يستلقي بجسده النحيل داخل الخيمة التي تشبه الفرن من شدة الحرارة».
تقول أم أسامة بينما كانت علامات الإرهاق والتعب واضحة عليها: «خالد يحتاج إلى علاج وغذاء جيد، الحليب غير متوفر نهائيا، منذ شهر وأنا أطعمه حساء العدس الذي يجعله يعاني من الانتفاخ، وبعض من قطع الخبز، لا أقوى على رضاعته الطبيعية لأنني لم أحصل أيضا على طعام صحي منذ زمن».
هذا وقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن وفاة الطفلة سلام أبو وادي ذات الـ7 أشهر وهي من سكان شمال قطاع غزة الثلاثاء الماضي، جراء معاناتها من تداعيات سوء التغذية. وفي وقت سابق، وجه والد الرضيعة أبو وادي مناشدة عاجلة لإنقاذ حياتها والسماح لها بالسفر لمصر لتلقي العلاج جراء مضاعفات بسبب سوء التغذية وعدم توفر العلاج داخل القطاع. ووفقًا لتقارير وزارة الصحة الفلسطينية، فقد استشهد 66 طفلًا فلسطينيًا جوعًا منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023.
في سياق متصل قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارجريت هاريس، في بيان الأسبوع الماضي: إن الأطفال يتضورون جوعا وأن هناك 4 من أصل 5 أطفال أمضوا يوما كاملا من دون تناول الطعام مرة واحدة على الأقل خلال 3 أيام.
وبحسب منظمات الإغاثة، فإن ارتفاع معدلات سوء التغذية بين أطفال غزة دون الخامسة سببه عدم وصول المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى غزة إلى من يحتاجون إليها.
بعد فحص أجراه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) لأكثر من 93400 طفل دون الخامسة في غزة للتأكد من سوء التغذية، خلصت النتائج إلى أن 7280 منهم يعانون سوء تغذية حاد.
وينتشر سوء التغذية في شمال قطاع غزة بشكل خاص، حيث لم يتلقَّ من بقوا هناك من السكان سوى قليل من المساعدات بعد إغلاق المعابر في الـ2 من مارس الماضي.
ويؤكد طبيب الأطفال في مستشفى الأقصى، حازم مصطفى، أن إغلاق إسرائيل للمعابر أدى إلى تفاقم الوضع.
ويعدّ معبر رفح المنفذ الرئيسي لدخول المساعدات إلى قطاع غزة من مصر، قبل أن تقوم إسرائيل في 7 مايو 2024م بعملية برية وتسيطر على المعبر الحدودي.
ومنذ ذلك الوقت، لم تسمح إسرائيل بدخول أي مساعدات إلى قطاع غزة، كما لم يتمكن أي من الجرحى والمرضى من الخروج للعلاج.
ويقول الطبيب مصطفى، وخلفه على شاشة الحاسوب صورة أشعة لقفص صدري لأحد المرضى: إن الأخير يعاني ضعفا شديدا في جسمه وسوء نمو بسبب منع الاحتلال دخول الأغذية، وخصوصا الحليب للأطفال.
ويطالب الطبيب بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي من أجل إدخال كميات وافرة من الحليب حتى تتمكن الأمهات من إعطاء أطفالهن الغذاء المناسب ليكونوا بصحة جيدة.
بدورها قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»: إن أطفال غزة في مواجهة آلة الموت وإن إمدادات حليب الأطفال لديها تكاد تنتهي في قطاع غزة، ما يعرض حياة أكثر من 8500 رضيع للخطر.
وأشارت الوكالة في منشور على منصة «X»، إلى أن 6 صناديق من حليب الأطفال هي فقط ما تبقى، في حين يعتمد عليها نحو 8500 رضيع في القطاع للحصول على الغذاء. وشددت «الأنوروا» على أن نقص الإمدادات يعرض حياة الرضع وأكثر من 200 ألف شخص يعتمدون على خدماتها للخطر في قطاع غزة. وأضافت الوكالة أن حوالي 19 ألف طفل في القطاع دخلوا المستشفى بسبب سوء التغذية الحاد خلال الأشهر الأربعة الماضية، مؤكدة أن العدد تضاعف عما كان عليه مطلع العام الحالي.
أما مكتب الإعلام الحكومي، فصرح مؤكدًا على تعمّد الاحتلال الإسرائيلي استخدام التجويع سلاحا لإبادة المدنيين وخاصة الأطفال، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف. وأدان هذه الجريمة المستمرة بحق الطفولة في قطاع غزة، مُستنكرًا الصمت الدولي المعيب تجاه معاناة الأطفال الذين يُتركون فريسة للجوع والمرض والموت البطيء. وحمّل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذه الكارثة، بالإضافة إلى الدول الداعمة والمنخرطة في جريمة الإبادة الجماعية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، مسؤولية المشاركة الفعلية في هذه الانتهاكات الجسيمة. ودعا المكتب الحكومي المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول العربية والإسلامية إلى التَّدخل العاجل والضغط على الاحتلال لفتح المعابر فورا، والسماح بدخول الإمدادات الغذائية والطبية، وإنقاذ ما تبقى من الأطفال والمرضى قبل فوات الأوان.
