نتانياهو يبالغ في تقدير سلطات المحكمة الدستورية بقصد تدميرها

18 مارس 2023
18 مارس 2023

ترجمة - قاسم مكي -

يقود كل من ليفين عضو حزب الليكود، وسيمشا روثمان عضو حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف هجوم حكومة نتانياهو التشريعي لتجريد المحكمة من سلطاتها، وبرنامج الحكومة الإسرائيلية الذي فجر احتجاجات كبرى لشهور وأثار انتقادات واسعة على نطاق العالم سيقلص بشدة الإشراف القضائي على القوانين، كما يسمح أيضا للكنيست بتجاهل قرارات المحكمة التي تبطل التشريعات القانونية.

ليفين وروثمان استهدفا أيضا الكيفية التي يتم بها تعيين قضاة المحكمة العليا، في الوقت الحالي اللجنة التي تختار قضاتها والمكونة من 9 أعضاء تضمّ ثلاثة قضاة وممثِّلَين لنقابة المحامين في إسرائيل وأربعة سياسيين، وتعديلات ليفين وروثمان ستمنح الأغلبية المطلقة في اللجنة لممثلي الائتلاف الحاكم من مجلس الوزراء والكنيست والذين يمكن توقع التنسيق فيما بينهم في اختيار القضاة مما يعني اختفاء قيد آخر على السلطة التنفيذية.

هذه الإجراءات وغيرها قد تترك الحقوق المدنية بدون حماية، وتقلل القيود على سلطات رئيس الوزراء، كما يمكن أن تسمح للبرلمان بتشريع حصانة جنائية لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الخاضع لمحاكمة بتهمة الرشوة وخيانة الأمانة.

الهجوم على المحكمة العليا ووصفها بالناشطة المُشتطَّة والليبرالية المتشددة هما «بضاعة» ليفن - روثمان المعهودة، لكن ليس اليمين فقط هو الذي يعتبر المحكمة ناشطة (توظف سلطاتها لتفسير مجموعة القوانين الدستورية الأساسية في إسرائيل بطرائق جديدة وغير متوقعة - المترجم)، حسب تجربتي هذا الفهم شائع على نطاق واسع في الأحاديث التي تدور بين الإسرائيليين حول المحكمة، ويشار إليه كحقيقة بواسطة من يتابعون الشؤون الإسرائيلية في الخارج.

اقتراحات الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ بإجراء تسوية متفاوض حولها بين الحكومة والمعارضة على سبيل المثال تحتوي على مقترح غامض بشأن تجاوز أو تجاهل البرلمان لقرارات المحكمة، وبالتالي قبول فرضية الحاجة إلى التقييد الصارم لسلطاتها.

لكن صورة المحكمة الشديدة هذه مبالغ فيها، على أكثر تقدير يمكن وصف المحكمة بأنها ناشطة على مضض، وعدم وجود دستور في إسرائيل يترك دائما المجال مفتوحا لهجوم البرلمان على سلطاتها.

الآن هذا الهجوم يحدث فعلا، وعلى المعارضة بدلا من التفاوض مع الحكومة السعي إلى تقوية المحكمة والحفاظ على الحقوق التي يجب عليها حمايتها.

صحيح لعبت المحكمة تاريخيا دور الكابح للسلطة التنفيذية، ففي قرار شكل علامة فارقة ذكرت في وقت سابق أن قانون الصحافة الذي يعود إلى أيام الحكم البريطاني يجب تفسيره على غرار ما يحدث في نظام ديمقراطي، وأن الحكومة بالتالي لا يمكنها إغلاق صحيفة انتقدتها.

وفي قرار صدر عام 1989 قصَرت المحكمة تقييد الصحافة على الحالات التي من «شبه المؤكد» أن تلحق ضررا بالأمن الوطني، كلا القرارين لم يوجدا حرية كاملة للصحافة، لكنهما كانا خطوتين في الاتجاه الصحيح.

بعد حرب عام 1967 أكدت المحكمة الدستورية على سلطتها في نظر القضايا التي يرفعها المقيمون في الأراضي المحتلة، وفي قرار شهير عام 1979 ذكرت المحكمة أن الأرض الخاصة التي يتم الاستيلاء عليها من الفلسطينيين لأغراض أمنية لا يمكن تخصيصها لمستوطنة إسرائيلية. وأوجد القرار انطباعا أن المحكمة تحمي الفلسطينيين وتعرقل الاستيطان، لكن ذلك كان أقل أهمية مما يبدو، فقد وجدت الحكومة لاحقا طريقة قانونية للحصول على الأراضي لأغراض الاستيطان، ولم تتخذ المحكمة قرارا حول السؤال الجوهري عن قانونية الاستيطان في الأراضي المحتلة حتى في عهد رئيس القضاء السابق آهارون باراك الذي يعد المثل الأعلى للحركة القضائية الناشطة في إسرائيل.

باراك هو من صاغ قرار الأغلبية في عام 1995 والذي أكَّد على سلطة المحكمة العليا في إبطال القوانين التي تتناقض مع قانونين أساسيين أجيزا مؤخرا حول الحقوق المدنية (كإضافة للدستور الذي لا يكتمل أبدا)، كان ذلك حقا توسيعا كبيرا لدور المحكمة.

لكن ذلك التغيير لم يكن مزلزلا مثل الضجة التي ثارت حوله، ففيما يقارب من 28 عاما حسب «معهد ديمقراطية إسرائيل» المستقل ألغت المحكمة 22 قانونا أو نصوصا قانونية، وشطبت فقرة على أساس أنها تمييزية في قانون حظر مدفوعات الرعاية الاجتماعية لمن يملك سيارة.

وفي عام 2021 أصدرت قرارا بوجوب توسيع القانون الذي يسمح بالتبني للمرأة غير المتزوجة ليشمل الرجال غير المتزوجين والشركاء المثليين.

وأبطلت أربع مرات قوانين متتالية كانت تهدف إلى منع طالبي اللجوء الأفارقة من عبور الحدود المصرية إلى إسرائيل، وكانت ثلاثة منها تستوجب حجز «المتسللين» في معسكرات بالصحراء لشهور، فاليمينيون من أمثال ليفين لا يفهمون كيف يمكن أن تحمي المحكمة غير المواطنين.

مع ذلك وعموما يتسم سجل المحكمة بضبط النفس إلى حد الإفراط أحيانا، وكما كتب الخبير القانوني موشيه نغبي في عام 2016 يبدو أن المحكمة صارت أكثر حذرا مع مرور الوقت ومع تزايد التهديدات من ساسة اليمين، وذكر أن القضاة أصبحوا يمارسون الرقابة القضائية الذاتية (على أنفسهم) حتى لا يحدَّ الكنيست من حريتهم إذا كان ذلك كذلك فقد فشلت هذه الاستراتيجية تماما.

الأزمة الحالية تكشف أن إسرائيل بحاجة حقا إلى الإصلاحات، لكن في الاتجاه المعاكس لما يسعى إليه ليفين وروثمان ونتانياهو، نحن بحاجة إلى دستور يضمن المراجعة القضائية، ونحن بحاجة إلى وثيقة حقوق تفصيلية، ولن نحصل على مثل هذه الإصلاحات مع وجود نتانياهو في الحكم.

من جهة أخرى التفاوض على أساس أن خطة نتنياهو هي نقطة البداية يعني المساومة حول ما يمكن تدميره من الديمقراطية الضعيفة سلفا، الخيار الوحيد للمعارضة مواصلة حملة الاحتجاجات إلى أن يتخلى نتنياهو ومستشاروه عن برنامجهم، تلك هي تسوية الحد الأدنى المقبولة.

جيرشوم جورنبر مؤرخ ومؤلف عدة كتب أحدثها بعنوان «حرب الظلال: مفككو الشفرات والجواسيس والصراع السري لطرد النازيين من الشرق الأوسط».

الترجمة لـ «عمان» عن واشنطن بوست