ماذا أعددنا لجيل ألفا؟

03 مايو 2021
03 مايو 2021

درج الباحثون والمختصون في علم السكان والاجتماع على تصنيف الأجيال الإنسانية طبقًا لحقب زمنية متفاوتة تفصل بين جيل وآخر، وغالبًا ما يقترن كل جيل من هذه الأجيال بخصائص وسمات عامة تطبعها وتترك آثارها فيه التحولات الجذرية التي يشهدها المجتمع الإنساني.

فالجيل الذي ولد بعد الحرب العالمية الثانية خلال الفترة (1946-1964) أطلق عليه اسم جيل طفرة المواليد (Baby Boomers)، وهو الجيل الذي ولد ونما في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي خلّفت ضحايا بشرية ودمارًا هائلًا، جيل ترعرع في مرحلة التعافي من آثار الحرب وبدء الازدهار الاقتصادي، وتتراوح أعمار أبناء هذا الجيل بين (57 و75) عاما، والذين ما زال دورهم واضحا في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية.

أما الأجيال اللاحقة، فقد سميت بالحروف اللاتينية، مثل جيل أكس (Generation X) الذي ولد بين (1965 و1979) وهو جيل المواليد التي رافقت التغيرات الاجتماعية والثقافية التي شهدها العالم في الستينيات والسبعينيات، والتي أفرزت تيارات ثقافية وحركات شبابية مختلفة، جيل يتسم بالعنفوان والبحث عن التغيير. الجيل الذي تلاه سمي بجيل واي (Generation Y) أو جيل الألفية (1980-1994)، وهو جيل ولد مع بواكير الطفرة التكنولوجية الرقمية وظهور شبكة الإنترنت.

وإذا ما نظرنا إلى طلاب عالمنا اليوم، الذين يدرسون في المدارس والجامعات، فإنهم أبناء جيل زد (Generation Z) الذين ولدوا بين عامي (1995 و2009)، وهو الجيل الأكبر الذي يشكل حوالي 30% من عدد سكان العالم، جيل ولد مع ثورة الإنترنت وظهور الهواتف الذكية وتطبيقاتها والانتشار والاستخدام الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي.

ومع بداية القرن الحادي والعشرين، ولد جيل جديد هو جيل ألفا (Alpha) الذي ما زال في طور التبلور لمواليد (2010 لغاية 2025)، وفقًا لمارك ماكريندل Mark McCrindle الديموغرافي الأسترالي الذي تنسب إليه تسمية ألفا (Alpha): يولد كل أسبوع أكثر من مليونين ونصف مليون طفل وسيشكل أبناء هذا الجيل بحلول عام 2025 ما يقرب من ملياري شخص.

يتفق العديد من الباحثين على أن جيل ألفا، سيكون الجيل الأطول عمرًا والأكثر تعلمًا والأكثر تجهيزًا من الناحية التكنولوجية وربما الجيل الأكثر ثراء، جيل يولد جنبًا إلى جنب التكنولوجيا وتختلف تجارب أفراده وتفضيلاتهم الحياتية عن الأجيال السابقة.

إنه الجيل الذي سيكون حاضرا على مدى عشرات الأعوام المقبلة، طفلًا وطالبًا وعاملًا ورجل أعمال وسياسة ومن تحت عباءته سيخرج العالم والمثقف والفنان:

* جيل ولد وفي يده الهواتف الذكية ويستخدم الآباء الألواح الرقمية لتسليته، وباتت وسائل التواصل الاجتماعي والشاشات الرقمية جزءًا مصاحبًا لتجربته الحياتية اليومية.

تفيد أحدث الدراسات بأن 2% فقط من الذين تجاوزت أعمارهم الثانية لم يستخدموا جهازًا إلكترونيا بعد. وسيواجه أبناء هذا الجيل المنغمسين بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، أمراضا نفسية وسلوكية جديدة، يضاف إلى ذلك أن تعلقهم بالأدوات التكنولوجية يدفعهم إلى الاهتمام بهذه الأدوات ورعايتها أكثر من الاهتمام بأفراد أسرهم، وأنهم يفضلون اقتناء المنتجات التكنولوجية كهدايا أكثر من اللعب أو الحيوانات الأليفة.

* قبل عقد من الزمن، لم يكن بإمكان معظمنا تصور تأثير Siri وAlexa وGoogle Assistant في منازلنا وحياتنا.

بالنسبة لـجيل ألفا، الأمر عكس ذلك: وجود المساعدين الصوتيين والذكاء الاصطناعي جزء طبيعي من وجودهم، إنه جيل يفضل الوسائط المرئية على النص، وهذا سيغير من نمط التعليم وطرائقه.

* ولد هذا الجيل مع ظهور الانستجرام والآيباد، وعلى غرار الجيل الذي سبقه، مدمن على أستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت له لغة خاصة تستمد مفرداتها من الشائع في تطبيقات الواتس أب وسناب شات وتوتير وغيرها.

الكثير منا بات لا يفهم بعض المصطلحات والعبارات التي يستخدمها الأبناء أو الأحفاد لدرجة ازدهرت معها الكتب والمواقع الإلكترونية التي تساعد أولياء الأمور على معرفة معاني هذه العبارات.

* جيل لا يعتمد كليًا على المعلمين والآباء للحصول على المعلومات أو تفسير الظواهر المحيطة به، والسبب يعود إلى وفرة مصادر المعرفة وسهولة الحصول عليها، فخلال العشرين عامًا الماضية أصبح الجميع يلجأ إلى جوجل للحصول على المعلومة، ويتصفح الويكيبديا بدلا من الموسوعة البريطانية.

لم يعد المعلم هو المصدر الرئيس للمعلومات والذي كان يطلق عليه سيد المسرح (Master of the stage)، في ظل التدفق الهائل للمعلومات وسهولة الحصول عليها أصبح دور المعلم يقترب من دور المدرب أو المنظم، بل إن بعض المعلمين وبسبب قلة مهاراتهم الرقمية يلجأون إلى الطلاب للمعاونة، وكذا الأمر بالنسبة للآباء الذين يستعينون بخبرة أبنائهم في التعامل مع التكنولوجيا الرقمية وتطبيقاتها.

وعلى الرغم من الثقة التي يبديها أبناء الجيل الجديد حول مقدرتهم في التعامل مع المحتوى الذي تقدمه شبكة الإنترنت، إذ يعتقد 73% من الأطفال بأنه من المهم التشكيك في ما يقدم لهم عبر الإنترنت وأن 31% يعرفون كيفية اكتشاف الأخبار المزيفة وهو أحد المخاوف التي عالجها جوجل من خلال جعل «Don›t Fall for Fake» الموضوع الرئيسي في منهج Be Internet Awesome 10، والذي يهدف إلى تعليم الأطفال المهارات التي يحتاجون إليها ليكونوا آمنين عبر الإنترنت، وكذلك جهود بعض المؤسسات التي أطلقت برامج تعين مستخدمي الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من التحقق من صحة الأخبار والمعلومات، إلا أن الأمر ينطوي على مخاطر جمة تتطلب مهارات وتوعية وتدريبًا تجنبًا لوقوع مستخدمي التكنولوجيا الرقمية في الخطأ، على سبيل المثال هناك جانبان مهمان يتعلقان بطريقة عمل مزودي خدمة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، يوقعان المستخدمين في شراك التضليل أو حجب الحقائق أحيانا بقصد وأخرى بدون قصد لدوافع سياسية أو تجارية، فغرف الصدى (Echo Chamber) من خلال البرمجة الخوارزمية التي تعتمدها الفيس بوك فإنها تقدم محتوى يتلاءم مع رغبات وتفضيلات المستخدم التي تم الحصول عليها من سجل بياناته، وبذلك فأن يحاط بمحتوى يشعر من خلاله بأنه الصحيح ويحجب ما يتعارض معه أي أنه يعيش في دوامة صدى أفكار وتصورات وتفضيلات محددة، وكذا الأمر بالنسبة لفقاعة البحث (Filter Bubble) فأن النتائج التي تقدمها محركات البحث تأتي وفقًا للاهتمامات من يقوم بالبحث وللتجربة إذا قام اثنان بالبحث عن كلمة (عمان) في جوجل ومن جهازين ومنطقتين مختلفين ستكون نتائج البحث مختلفه.

* إنه جيل التغيير، جيل متغير بسمات تختلف عن سمات الأجيال السابقة وسيقود التغيير:

- الشركات التجارية قد غيّرت قواعد اللعبة لتكون ملائمة مع متطلبات وخصائص هذا الجيل، على سبيل المثل، لم تعد الهوية الجندرية «الجنس» قائمة. استطلاعات الرأي وجدت أن الأطفال لا يميزون البعض على أساس الجنس، بل يتعاملون على أساس واحد ترفض الفتيات أن يقتصر نطاق التعامل على بنات جنسهن ولا يرن فروقا بينهن وبين الصبيان، وبدأت العلامات التجارية في الاستجابة لآراء جيل ألفا بشأن الهوية، حيث ابتكرت ملابس وألعابًا محايدة بين الجنسين لجذب الزبائن المتغيرين.

تمتلك كل من أبيركرومبي وفيتش وجون لويس وتارغيت 12 نطاقات محايدا، حيث تخلص الأخير من ممرات الألعاب ذات اللونين الوردي والأزرق، لم يعد اللون الوردي لصيقًا بالإناث والأزرق للصبيان وألغت جمعية الصناعة جائزتي «لعبة الفتاة لهذا العام» و«لعبة الصبي للعام» - متجهة نحو مساحة أكثر شمولًا وترحيبًا.

- يؤثر أبناء جيل ألفا بآبائهم ويتأثرون بهم، العديد من الآباء يتابعون أولادهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي (49% على مستوى العالم و60% على مستوى أمريكا) وأن 84% من الآباء أصبحت لديهم حسابات تواصل أجتماعي.

الدراسات تفيد بأن أولياء أمور هذا الجيل ستتغير مسارات عملهم وظروف معيشتهم واحتمال عملهم في أكثر من وظيفة والتنقل في السكن ستؤثر على الجيل، وهو بدوره سيؤثر في سلوك وخيارات أوليائهم.

على الرغم من الصعوبة للتنبؤ بدقة بما سيكون عليه جيل ألفا مثل البالغين، فإن تأثيرهم على سلوك المستهلك يتم الشعور به حاليًا من خلال والديهم، الذين يستجيبون بالطبع لتفضيلات واحتياجات أطفالهم في قرارات الشراء، مثل أمهاتهم وآبائهم من قبلهم، يبدو أنهم يرغبون على الأرجح في منتجات مخصصة تستخدم التكنولوجيا، وتتكيف مع احتياجاتهم المتغيرة، ومتاحة عند الطلب.

- مع وصول هذا الجيل إلى سن الرشد، ستحتاج هياكل العمل والمكاتب وأساليب الإدارة إلى تكييف الأوضاع لتنسجم مع سمات هذا الجيل، علاوة على ذلك فإن عددًا كبيرًا من الوظائف التقليدية ستختفي مع الرقمنة والأتمتة، ومن المحتل جدًا أن يكون لعدد كبير من أفراد هذا الجيل مسارات مهنية ووظيفية غير تقليدية، إذ يشير تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2016 إلى أن 65% من الأطفال سيعملون في وظائف لم توجد بعد.

- أضافت جائحة كورونا «كوفيد-19» بعدًا جديدًا لأبناء جيل ألفا، الدراسة عن بعد والإفراط باستخدام وسائل التواصل والانعزال عن الأفراد والأقران، ستكون لها نتائجه جدية في السلوك والتجربة الحياتية.

العديد من المؤسسات الاقتصادية والتجارية والتعليمية، قد استعدت للتعامل مع هذا الجيل القادم وبدأت بإرساء قواعد للعمل والتعامل معه.

نظرًا لأن العديد من أبناء هذا الجيل هم أصغر من أن يقرأوا ويكتبوا، فإن واجهات الشاشة والأدوات التي يتم تنشيطها بالصوت ضرورية للتواصل معهم

وبعيدا عن الشاشات، يبدو أن هذه الجيل بالفعل في وضع أفضل من أقرانه من الجيل السابق لإعطاء الأولوية للعب البدني واستخدام التكنولوجيا باعتدال. ففي محاولة لتعزيز نشاط الحياة الواقعية (والمبيعات)، على سبيل المثال أطلقت شركة نايكي Nike Adventure Club - خدمة أحذية للاشتراك للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و10 سنوات والتي تقدم معدات Nike إلى أبوابهم، جنبًا إلى جنب مع أدلة المغامرة والألعاب الخارجية والأنشطة للعائلات للتجربة معًا.

وفي الوقت نفسه، يشجع برنامج شركة أمازون Amazon STEM Club19 الاستكشاف بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وأربع سنوات باستخدام الألعاب التي يختارها الخبراء يدويًا لتقديم مفاهيم مثل العد والبناء والسبب والنتيجة.

لكن ماذا عن «كوفيد-19»؟

1.25 مليار طفل يعيشون في منازلهم نتيجة لإغلاق المدارس بسبب فيروس كورونا، كما ذكرنا سابقًا، فإن Alphas مفيد جدًا عندما يتعلق الأمر بالتدريب العملي على التكنولوجيا، وحيث كان يُنظر إلى وقت الشاشة على أنه مشكلة، يقول الخبراء: إن التفاعل باستخدام الأدوات الرقمية يمكن أن يعزز التفكير الإبداعي للأطفال، مع الحدائق والمطاعم ودور العبادة والرعاية النهارية والمتاجر والمراكز الترفيهية والملاعب وغالبًا ما تكون مغلقة في كل مكان آخر للجمهور، يقضي الجنرال ألفاس وقتًا في الداخل أكثر من أي وقت مضى.