لماذا لم تُبْكِني «هامنت»؟
هامنت هي آخر إصدارات الروائية الأيرلندية ماغي أوفارل في عام ٢٠٢٠، التي نالت عليها جائزة المرأة للرواية وجائزة دائرة نقاد الكتاب الوطنية، وصدرت قبل أشهر عن دار أثر بترجمة بديعة للمترجمة العمانية زوينة آل تويّه.
الرواية تسرد حكاية عائلة ثكلى، عائلة آجنيس، أو زوجة شكسبير آن هثيوي، أما شكسبير فغائب، لا يذكر بالاسم ولا لمرة واحدة، وأظن أن الكاتبة تعمدت ذلك لتتخفف من وطء ثقل اسم شكسبير على عملها.
في القراءة الأولى لهذا العمل تأخذك اللغة الشعرية والوصف، وصف الطبيعة بالتحديد مما يأتي متوافقا مع فكرة أساسية وواضحة في الرواية وهي أن المرأة تستمد من الطبيعة قوتها وحكمتها.
استطاعت الكاتبة رسم صورة دقيقة لآجنس، مركزة على سماتها التي تظهرها أقرب للعرافة، لكن هذه العرافة التي تعرف ما لا يعرفه المرء عن نفسه لا تعرف الكثير حقا عن أسرتها، هي مشغولة دوما بشيء ما، شيء آخر، وهناك دائما مايشتتها في اللحظات الحاسمة.
في البداية كتبت عن الرواية كلاما مفرطا في المدح، لكن سؤالا عابرا من صديقة أدى لإيقاظ مناطق أخرى في ذهني، هل أبكتك الرواية؟ هل أبكتني الرواية؟
لا لم تبكني الرواية، بل في الحقيقة أن موت هامنت وعذابات آجنس لم تؤثرا في إلا قليلا، ورغم أن القدرة على الإبكاء ليس عاملا يدلل على جودة أي كتابة، إلا أنه بدا ولسبب ما مهما في هذه الرواية، فهل كانت الروائية تستجدي دموع قرائها؟ هل هذا ما عولت عليه؟ استثارت العاطفة وإيقاظ مشاعر الفقد.
هل أعجبتني الرواية حقا؟ ربما أعجبتني، لكنها لم تؤثر في إلا قليلا، بل أستطيع أن أقول إن أكثر ما أعجبني في هذا الكتاب هو الترجمة الرفيعة، الترجمة الرصينة واللغة العذبة المتماسكة العميقة والخفيفة، الكلمات المختارة بدقة عالية، أما الرواية فلم تثر في نفسي أي أسئلة وجودية عميقة ولم تترك أثرا، فغالب الشخصيات ما عدا آجنس ربما لم يعتنى بتشكيلها. عمل لا جديد في ثيماته، سهل التوقع، ميزته الأهم هي اللغة والوصف الذي أخذ سحره من الطبيعة.
النهاية لم تصدمني، لم تعلقني، ولم تستثرني، ولم تدعني للتأمل، بل وجدت شيئا من الابتذال إن صح القول في تلك الكلمة الأخيرة «تذكرني»، خاتمة أشعرتني بلحظة الوقوف المختصرة عند عتبة باب أحدهم بعد زيارة طالت وحديث ذهبت متعته، حديث استمر صاحبه في الكلام دون أن يقول جديدا، ثم ودعك عند الباب بلطف شديد، وأنت ودعته شاعرا بفراغ لا تدرك سببه، فتستدير وفي رأسك دوخة خفيفة، وكأن ما في داخلك من اللاشيء يمتصك، تغادره غير راغب في العودة لولا تلك الترجمة البديعة، ترجمة زوينة آل توّيه.
