كهف الجن.. وأفلام الرعب العالمية
من يتوقع يوما أن يصبح العالم مهووسا بأفلام الرعب التي تتصدر اليوم شباك السينما العالمية وتتجاوز إيراداتها بالمليارات في العام الواحد، صدقا لم أتخيل يوما أن أدفع ثمن تذكرة للدخول إلى قاعة السينما ومشاهدة ما يرعبني نتيجة ما تم تجسيده في المشاهد التي تتوالى عليك بشكل مفاجئ بواسطة أكثر المتخصصين براعة في عالم السينما.
لا يمكن أن يتجاوز أحدهم طفولته كحالي سابقا دون أن يسمع في محيط عائلته وحارته وقريته قصصا مرعبة من الحكايات والأساطير المتوارثة والتي أصبحت تشكل الهاجس المخيف من ذاكرتنا حينها، كنا نركز كثيرا لأي صوت في منتصف الليل الخالي من الضوضاء لتشكل الريح في بعض الأحيان المشهد المربك الذي تراكم في خيالاتنا بسبب هذه الأساطير.
استطاع صناع السينما حديثا عن طريق الأفلام المصورة أن يجسدوا كل هذه الخيالات المرتبكة بالهلع ويفصحوا عن ذاكرة احتفظت بالكثير من الحكايات المرعبة التي تشكلت منذ الطفولة وحتى وقت متأخر من العمر عند البعض.
ومن الجيد هنا أن نعرف أقلها أشهر 8 أفلام رعب صنفت في القرن21 من خلال اطلاعي على تقرير ورد في قناة الجزيرة يحمل ذات العنوان أعلاه، فقد أشار التقرير إلى أن هذه الأفلام تم اعتبارها الأهم بسبب إيراداتها والجوائز التي حصلت عليها نتيجة تقيم النقاد والإقبال الجماهيري الكبير عليها من أجل الدخول إلى فيلم يخاطب واقع هواجسها الدفينة.
منها على سبيل المثال لا الحصر:
- فيلم الشعوذة والذي حقق إيرادات تبلغ أكثر من مليار دولار للمخرج جيمس وان.
- فيلم الساحرة للمخرج روبرت إيجر.
- فيلم مكان هادئ للمخرج جون كراسينسكي.
والقائمة تطول بالعديد منها حتى يومنا هذا، ولكن هنا فقط ذكرت الأمثلة أعلاه لأوضح مدى العمل الكبير الذي يحدث في صناعة أفلام الرعب في هذا العالم، وبشكل مستمر دون توقف، بل أن المنافسة في ازدياد لنيل أفضل السيناريوهات من أجل إخراج ما يخيف مشاهديه.
في عُمان لدينا الكثير من المواقع المتميزة بأساطيرها المرعبة وجغرافيتها ومكوناتها الطبيعية والعمرانية التي بالإمكان أن تتحول إلى استثمار ثقافي مهم للغاية في عالم السياحة السينمائية، لا سيما أن حكومة سلطنة عُمان تبنت مشروعا ضخما للغاية لجمع الأساطير والحكايات العمانية المرتبطة بالآثار، وبشكل منظم واحترافي يشرف عليه العديد من المتخصصين في هذا المجال.
وهنا أحببت أن أشير إلى كهف مجلس الجن الذي يقع في ولاية قريات إحدى مدن محافظة مسقط.
ولكم أن تتخيلوا معي لماذا تم تسمية هذا الكهف العظيم بضخامته بكهف مجلس الجن؟!
لا شك أن هناك قصة مرعبة تدور في مخيلة الأهالي ليصلوا إلى هذا الاستنتاج، وهذا الاسم بالطبع لا يجب أن يصبح أمرا عابرا في عالم السينما، فالحكايات الشعبية وأساطيرها جزء أصيل من صناعة أي محتوى سينمائي وبالأخص في عالم الرعب، فما بالكم بحكاية كهف تقول عنه الأسطورة بأن الجن يجتمعون فيه!
هل تعلم بأن هذا الكهف المرعب والمخفي عن سطح الأرض تقول عنه الجهات الرسمية في سلطنة عمان من خلال مجموعة عمران التي تعمل حاليا على تطوير الكهف وتسهيل زيارته بأن " مساحته الإجمالية تصل إلى 58 ألف متر مربع، وسعته الاستيعابية تصل إلى 4 ملايين متر مكعب، ويعد تاسع أكبر تجويف كهفي في العالم والوحيد من نوعه في الشرق الأوسط، ويمكن لزواره بفضل انخفاض درجة الحرارة داخله حتى في فصل الصيف استكشاف زواياه من خلال التجوال في ممراته التي تمتد إلى 12 كيلومترا"!
كما أن البوابة الإعلامية لوزارة الإعلام العمانية أشارت في مقال بعنوان كهف مجلس الجن إلى أن " بعض الخبراء قدّر سعة الكهف إلى 12 طائرة بوينج 747، أو ما يصل إلى 1600 حافلة سياحية، كما يمكن أن يحوي بداخله أكثر من خمسة فنادق بحجم فندق قصر البستان، وقد تم اكتشافه لأول مرة رسميا عام 1983م بواسطة الخبير الجيلوجي " دون ديفيسون" حينما كان في مهمة رسمية تابعة للهيئة العامة لموارد المياه للبحث عن مكامن المياه الجوفية في السلطنة "!
هل تستوعبون معي أيها القراء كل هذا الوصف اتجاه ضخامة الكهف الذي من المهم جدا أن نستثمره سياحيا بالشكل المثالي وبكل ما أوتينا من جهد وفكرة.
ما أود الإشارة إليه هو محاولتنا لجذب صناع السينما إلى عُمان، ولتكن البداية إلى هذا الكهف الأعجوبة حقا والذي يأخذ من اسمه عنوانا لفيلم سينمائي مرعب.
لتكن مثلا حكاية مجموعة مستكشفين للقوى غير الطبيعية يقررون السفر إلى هذا الكهف واكتشافه، وهناك بالداخل يحدث لهم ما يحدث من مفاجآت مخيفة وغير متوقعة.
لا شك هنا سيخطر في بالك سؤال مهم عن كيفية الوصول إلى أشهر شركات الإنتاج في عالم صناعة السينما، ولكن عزيزي لدي مقترح بسيط للغاية، فالسفارات العمانية في مختلف دول العالم لا تمثل فقط الجانب السياسي لبلدنا بل كذلك تهتم بجوانب كثيرة والدليل بأن كل سفارة لديها ملحق إعلامي، وملحق ثقافي نستطيع من خلالهما استقطاب أهم كتاب السيناريو والمنتجين والمخرجين على مستوى العالم في مجالهم.
تستطيع سفارة سلطنة عمان مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم بدعوة هؤلاء المختصين في أكبر شركات الإنتاج والتوزيع السينمائي في هوليود كمثال، والحديث معهم عن إمكانية استثمار المواقع المميزة لدينا من أجل تحويلها إلى أماكن تصوير لأفلام معينة تناسب جغرافية عُمان وعمرانها.
لماذا لا نركز كثيرا على تفعيل السياحة السينمائية التي يرتبط فيها الجمهور الزائر بالمكان نتيجة عمل سينمائي تم تصويره هناك؟!
ولماذا لا تكون البداية في كهف مجلس الجن واستثماره سينمائيا في مجال الرعب بما أنه يعتبر من الكهوف النادرة المستكشفة في الكرة الأرضية.
السياحة والاستثمار يحتاجان لعمل كبير للغاية ولأفكار تخدم هذه الجوانب للمصلحة الوطنية، وإني لأجد سفارات سلطنة عمان تستطيع بكل جدارة المساهمة في ذلك ودعوة وجذب المنتجين لعمان بالتعاون مع وزارة الإعلام، ووزارة التراث والسياحة، وغيرها من الجهات المعنية لترسيخ مكانة عمان في عالم صناعة السينما واستثمار تلك الأماكن وحكاياتها التاريخية والأسطورية.
اعتقد لو تم صناعة هذا الفيلم على مستوى هوليوود في كهف مجلس الجن لتحققت السياحة السينمائية للمكان كثيرا، ولأصبح كذلك مركز جذب لأفواج من مختلف دول العالم، وبالأخص هواة الطبيعة، وسياحة الكهوف، والمغامرات، فالكثير من دول العالم اليوم تنبهت لأهمية مواقع التصوير التي ستشكل فيما بعد عنصر جذب سياحي يقصده محبو الفيلم الذي تدور أحداثه هناك، ففي تقرير إخباري كان بعنوان سيد الخواتم: أمازون تختار نيوزيلندا لتصوير مسلسل تلفزيوني جديد عن أساطير الأرض الوسطى، فقد أشار الخبر إلى أن تصوير الثلاثية السابقة لفيلم سيد الخواتم كان له دور مهم في انتعاش السياحة لزيارة الأماكن التي تم فيها تصوير الفيلم مما ساهم في تعزيز الاستثمار السياحي وبالتالي خلق مزيد من فرص التوظيف، مثلما ورد في تقرير مختص عبر قناة عربي "بي بي سي".
الجدير بالذكر أن أسطورة مدينة الذهب المدفونة في صحاري ظفار والمعروفة باسم أوبار أو إرم التي كانت ولا زالت إلى اليوم موطن جذب مخيلة الكثير من المغامرين الأوروبيين ومعهم مخرج الأفلام الوثائقية "نيوكلاس كلاب" الذي نظم رحلة بحث عن هذه المدينة بكل شغف وكتب كتابا تفصيليا عن رحلته بعنوان " الطريق إلى أوبار" كانت من المحاولات الجادة في البحث عن بعض الأساطير في عمان من قبل متخصص معروف عالميا بصناعة الأفلام.
لا شك بأن فرص الاستثمار منوعة للغاية، والأجمل من ذلك كله بأن عُمان تتميز بالكثير من التفاصيل والتي تجعلها أرضا خصبة تستقطب الاستثمارات من كل مكان، وفي أي مجال لا سيما مجال صناعة الأفلام السينمائية والوثائقية لتعزيز السياحة السينمائية في البلاد.
