No Image
رأي عُمان

من أجل استقـرار المجتمـع وحمايتـه

21 سبتمبر 2021
21 سبتمبر 2021

أنتج الجدل التنظيري الذي دار منذ فترة مبكرة في مختلف دول العالم حول مفهوم الحرية وحدودها الكثير من القوانين والأطر التي ساهمت في حماية المجتمعات أفرادا ومؤسسات من التجاوزات القولية والفعلية التي تحدث تحت ذريعة «الحرية»، وشكّل ذلك الجدل وعيا بحدود الحرية ووعيا موازيا بمهام القوانين في تنظيم حياة الناس وحمايتهم.

ولذلك أنتجت المجتمعات قوانين تحمي الحياة الخاصة للناس وقوانين تحمي حقوق المؤسسات وقوانين أخرى تحمي الحياة العامة وتحمي مقدسات الناس وتحافظ على قيمهم ومبادئهم وقوانين أخرى تحمي الدول وتحمي أمنها واستقرارها.

وهذه القوانين كلها لم تحدّ من الحرية بل نظمتها وقننت فهم الناس لها حماية للآخرين من تجاوزاتها والتمسح بها وبحدودها اللامرئية وهذا ما يمكن رؤيته في الدول المتقدمة التي لم تحد فيها القوانين المنظمة للحياة من مساحة الحرية الحقيقية بل فتحت لها آفاقا منضبطة ومسارات آمنة. ولم يكن في فهم تلك المجتمعات أن الحرية هي في الاعتداء على الآخرين بأي شكل من الأشكال.

ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي عاد ذلك الجدل حول الحرية من جديد، وهذه المرة كان الطرح أكثر صخبا في ظل سطوة الأدوات التي ظهرت مع وسائل التواصل الاجتماعي والثورة الرقمية التي لا حدود لتطورها المتسارع.. وعاد طرح مصطلح الحرية وحدودها خاصة في المجتمعات التي لم يكن ذلك الجدل قد حُسم فيها أو شكل وعيا جمعيا بمفهوم الحرية أو بقيت فكرة الحرية مجرد مصطلح يدور حوله نقاش ولكن لم يجد طريقه على أرض الواقع ليراكم خلال تطبيقه فهما دقيقا له ولمخاطر انفلاته.

ورغم استمرار ذلك الجدل الذي لم ينته إلا أن التجارب التي تبنى على نتائجها القوانين والتشريعات تثبت أن الكثير من استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي، وفي كثير من دول العالم، خرجت عن الفهم التراكمي المتشكل «للحرية» وتجاوزت حتى مساحات الإساءة للحياة العامة والخاصة للأفراد إلى المساس بأمن الدول واستقرارها.. وكانت هذه اللحظة فاصلة، في عدة دول عريقة، في التعامل مع حدود مصطلح «الحرية» لأن أمن المجتمعات والدول خط أحمر لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال ولا يمكن أن يترك للمصادفات التي يمكن أن تذهب به بعيدا ولذلك يستعيد الناس دائما مقولة «عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، فلا تسلني عن حقوق الإنسان» المنسوبة لرئيس وزراء في إحدى الدول العريقة في الديمقراطية.

وفق هذا السياق يمكن أن نفهم التحذير الذي أطلقه الادعاء العام أمس والذي أوضح للناس أن الكتابات المسيئة والشائعات المثيرة ونشر الأخبار المتضمنة إسناد أفعال جرمية ونسبتها إلى أفراد أو مؤسسات أفعال يجرمها القانون. وأوضح الادعاء العام عقوبتها المنصوص عليها في القوانين السارية في البلاد.

والواقع أن هناك استخداما سلبيا جدا لوسائل التواصل الاجتماعي وصل به الأمر إلى تهديد أمن المجتمع عبر نشر الإشاعات كما حدث في مواضيع متعلقة بجائحة كورونا أو كما يحدث في مسلسل التحريض ضد الأفراد والمؤسسات وإثارة الرأي العام الأمر الذي يقلق أمن المجتمع واستقراره.

إن الكثير من الإشاعات التي تثار في وسائل التواصل الاجتماعي تضعف من ثقة الناس بمؤسساتهم وتضعف من سمعة تلك المؤسسات. وأثبتت الدراسات التي أجريت في هذا الجانب أن الكثير من تلك الإشاعات لا تكون نتيجة جهد فردي وإنما تكون موجهة ومدروسة ويتبع بعضها بعضا في فعل تراكمي وينساق الناس خلفها ترويجا في المرحلة الأولى ثم تصديقا في المرحلة الثانية ولأنها تختار سياقات تتماس مع التحديات التي يعيشها الناس في مسيرة حياتهم.

إن الدولة، أي دولة كانت، مكونة من مجموعة من المؤسسات المترابطة والمجتمع أحد تلك المؤسسات بل هو المؤسسة الأهم لأن غيره من المؤسسات يعمل لخدمته ومن أجله، ومحاولة نزع الثقة بين المجتمع وغيره من المؤسسات هو محاولة لتفكيك ذلك النسيج بين تلك المؤسسات وهذه أمر خطير لا يمكن تجاهله أو غض النظر عنه مهما كانت المبررات. ولا بد أن يعمل الجميع من أجل ثبات استقرار المجتمع واستقرار أمنه وعدم إثار الرأي العام نتيجة بث الشائعات وتبادل الاتهامات.