ثقافة

لماذا لا يترجم أدبنا إلى اللغات الأجنبية ؟

25 يناير 2023
الوصول إلى القارئ الغربي
25 يناير 2023

محمود الرحبي: نقل الأدب العربي إلى لغة غربيّة يحتاج إلى معايشة للبيئة العربية -

نورالدين الغَطّاس: لا يجب على الأدب العربي الانتظار حتى ينقله المترجم الأجنبي إلى لغته -

عبدالمقصود عبد الكريم: لسنا من يحدد ما يستحق نقله إلى الخارج وما لا يستحق -

أمير تاج السر: بعض الأعمال المنقولة حققت انبهارا في الخارج وغيرت من نظرة الناس للأدب العربي -

حسين السكاف: من الخطأ الاعتماد على دور النشر العربية لترجمة الأعمال الأدبية إلى لغة أجنبية -

سمير جريس: الناشر الأجنبي بحاجة إلى «دليل» إلى أبرز الإصدارات، لينتقي منها -

أدهم مطر: فقدان الجرأة والخوف من انعدام التسويق في عالم الغرب جعلا النص العربي حبيس الرفوف -

ماهو سبب قلة ترجمة الأعمال الأدبية من العربية إلى اللغات الأخرى...؟ وجلّ الترجمات التي تتم هي من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، وباتت رفوف المكتبات وأرصفة شوارع المدن العربية تطفح بالكتب المترجمة لروائيين عالميين وكتب أخرى متاحة، بعضها بحقوق نشر وبعضها دون حقوق «قرصنة». وما يترجم من أعمال عربية هي نسبة ضئيلة جدا، وقد لا يتعدى بعضها طبعة أو طبعتين وإن كان أكثر فهو نادر. وغالبيتها لكتب فازت بجوائز، أو لوجود علاقات للكاتب وطيدة مع مترجمين أو هيئات أو دور نشر، أو محبين لكي يترجموا له كتابه. الأمر ليس انتقاصا من تلك الكتب المترجمة، بل حسرة على عدم انتشار أدبنا للقارئ في الغرب الذي يجهل ما عندنا. أين المشكلة بالضبط، في المترجم الأجنبي، أم غياب المترجم العربي الذي لا يترجم من العربية للأجنبية، مع أنه لدينا مترجمون عرب كثر يعيشون في بلدان الاغتراب منذ سنوات ويعرفون تفاصيل الحياة والبيئة وتفكير الغرب، كي لا تكون حجة أن المترجم يجب أن يكون ابن البيئة التي يترجم لها...؟! أم المشكلة في دور النشر التي تعتبرها تجارة غير رابحة ..؟ أم في غياب التسويق الناجح بعد الترجمة..؟ أم أن القارئ الغربي لا يتقبل بسهولة الأدب العربي مثلا..؟أم أنه ليس لدينا كعرب شيء يستحق أن يصل للخارج..ويضاهي ما يكتبه الأجانب...؟ هي تساؤلات صريحة طرحتها على بعض الأدباء والمترجمين وهذه إفاداتهم.

المترجم الأجنبي يختار ما يناسب مجتمعه.

يقول الكاتب العماني محمود الرحبي : «الترجمة من لغة أخرى إلى العربية تحتاج إلى تعمق في ثقافة الآخر ناهيك عن الفهم الكبير للغته. فنحن نتحدث هنا عن الأدب وهو الحالة اللغوية الأعلى وخاصة في ما يتعلق بلغة الكتابة كما يسميها رولان بارت في مقابل لغة القراءة التي يمكن التساهل فيها في أحيان كثيرة حين ترى أخطاء مثل تلك التي في لوحات الإعلانات أو اللوحات التجارية المعلقة على المحلات أو غيرها من تبسيطات يمكن المرور عليها، أما لغة الأدب فلا يمكن أن تحتمل شيئا من ذلك. ناهيك عن المناخ الذي يفترض أن يصاحب هذه اللغة في أدبها. مثلا الأدب الهندي حين تنقله عن الإنجليزية لن يكون هو حين تنقله عن الهندية، إلا إذا كان الحديث عن كتاب هنود عاشوا في الغرب وكتبوا عن بيئتهم بلغة فرنسية أو إنجليزية كما هو الحال مثلا مع الطاهر بن جلون وعبدالرزاق قرنه وكتاب من الهند وأفغانستان مثلا. ولكن بالنسبة للأدب العربي فإن نقله يحتاج إلى معايشة لهذه البيئة وهذا الأدب، كما حصل مع المستشرقين الذين عاشوا طويلا في بلدان عربية ثم نقلوا تراثنا إلى العالم وهذا الأمر أصبح قليلا الآن ولكنه موجود، فلا بد أن تجد في كل بلد مترجما يتقن العربية والكثير منهم عاش في الوطن العربي ومكث فيه وكرر الزيارات إلى بلدانه. ولكن يظل سؤال مهم في حالة الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى وهو أي أدب سيترجمون؟ هل سيترجمون مثلا أدبا ينتقدهم ويهجوهم كقوى مهيمنة؟ أم سيركزون على الجانب العجائبي يكشف ما هو مثير وغامض في الشرق؟ ستكون هناك انتقائية بسبب رغبة الناشر للبحث عما يثير القراء الغربيين وهم عادة يبحثون عن أعمال تعكس غرائبية الشرق وسحره، وكذلك تخلفه عن حضارتهم، أي ما يمنحهم الشعور بالتفوق والرضى عن أنفسهم. لا يمكن مثلا - أو هذا نادر جدا- أن يقبلوا على ترجمة أدب يروج للمعاناة الفلسطينية وذلك لأنها لا تخلو من إدانة للغرب نفسه الذي شارك في تقوية شوكة المحتل. ولن تجد كذلك إقبالا على ترجمة أعمال تدين الاستعمار ومخلفاته المستمرة وما تركه من مذابح في بدايات القرن العشرين في أكثر من بلد عربي. يحصل هذا فقط إذا كتب الكاتب بلغتهم مثل ما فعل الجزائري رشيد بوجدره مثلا وكتاب جزائريون آخرون سطّروا تفاصيل كثيرة عن الاستعمار الفرنسي بلغة المستعمر نفسه. ثم هناك أيضا معضلة دعم هذه الترجمة. لا بد أن يكون ثمة مؤسسات تدعم هذه الترجمات وتدفع حقوق المترجم وهذا لا يحدث إلا في حدود ضيقة تتعلق غالبا بقوة العمل في لغته الأصلية ورواجه كما حدث مع رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح ومع معظم روايات نجيب محفوظ خاصة بعد حصوله على جائزة نوبل. وهناك أمر آخر من المهم إضافته وهو قلة المترجمين العرب من العربية إلى اللغات الأخرى، وذلك كما أسلفت أن الترجمة إلى لغة أخرى تحتاج إلى تمكن من هذه اللغة وتفوق فيها علاوة على معايشة الظروف البيئية لهذه اللغة لذلك فإن ثمة صعوبة تعترض من يترجم من العربية إلى لغة أخرى قياسا بالترجمة من لغات أخرى إلى العربية.

أين المترجم العربي الذي يقيم في بلد أوروبي؟

يقول الكاتب والمترجم الألماني-المغربي نورالدين الغَطّاس: للأسف، ترجمة أدبنا العربي إلى لغات أجنبية ضئيلة جداً، وإذا تمت فيكون ذلك عبر لغة وسيطة كالإنجليزية أو الفرنسية، كوني أعمل وأعيش في ألمانيا، يمكنني التأكيد على هذه الظاهرة، القلة القليلة هي التي تترجم مباشرة من العربية إلى الألمانية. الاهتمام بالثقافة العربية ونتاجُها الأدبي يبقى محدوداً من طرف الآخر. يحكي المترجم الألماني الشهير، الدكتور «هَارْتْمُوتْ فِنْدْرِيشْ»، الذي ترجم لكثير من الكاتبات والكتّاب العرب، حتى الأدباء الألمان لا يهتمون كثيرًا بالثقافة العربية، قد طلبَ مرة كبار الروائيين الألمان المعاصرين «مَارْتِنْ فَالْزِرْ» كتابة مقدمة لأحد الروايات العربية التي ترجمها، فكان الجواب بالنفي، كونه لا يعرف شيئا عن الأدب العربي.

والأحداث الراهنة في العالم العربي تسيطر على الوعي الغربي تجاه كل ما هو عربي، وبالتالي تبقى أعمال المثقفين العرب في صمت، وإذا أُتيحت لها الفرصة بالوصول عبر الترجمة تبقى الصورة الغالبة لدى المُتلقي الأوربي لا تبتعد عمَّا تروجه الصحافة من أخبار للواقع العربي المؤلم، صراعات وحروب أهلية. كل جماليات النص والإبداع تختفي وراء الأجواء السياسية والأوضاع الراهنة في العالم العربي وغياب الاهتمام المستمر بالثقافة العربية يجعل صوتها مبحوحا لا يصل إلى ما هي أهل له.

وأضاف: النص العربي بكل أجناسه الأدبية، يحمل جماليات إبداع راقية، وبالتالي قد تساهم الترجمة في نقل صورة جميلة من حيث المستوى الفني. لكنني ألاحظ أن الناشر الغربي يبحث عن كليشيهات، واسْتِرْيُوتَايْب (صور نمطية) عربية للترجمة والنشر، زيادة على الاعتقاد السائد أن الثقافة العربية تنتهي عند حكايات «ألف ليلة وليلة». هنا أرسم مقارنة بين الترجمات من دول الشمال الأوروبي، اسكندنافيا والدول العربية، في الوقت الذي يعمل فيه الكشَّاف وسيطا ويقترح كتبا للترجمة من لغات الشمال الأوروبي إلى الألمانية مثلا، لا يوجد هذا الوسيط والمشجع لترجمة الأعمال الأدبية العربية. وكثير من الاقتراحات المباشرة لا تجد آذانا صاغية لدى دور النشر الألمانية. عن هذه التجربة يحكي كذلك المترجم الألماني الكبير «هَارْتْمُوتْ فِنْدْرِيشْ» لمجلة قنطرة الألمانية: على صفحتي بالإنترنت نشرتُ عناوين أعمال عربية تستحق الترجمة، حيث لم أجد ناشرا لها. بالعكس يتم ترجمة كتب رديئة، لكنَّها تحمل في جوفها كسر المحرمات والفضيحة. مثل هذه الترجمات لها أسباب مادية من طبيعة الحال، لا تساعدنا على تحسين علاقاتنا مع العالم العربي.

في ألمانيا، أغلبية المترجمين الألمان القليلين انطلقت من الشام، بالضبط في سوريا، مثل «لاريسا بِندر» (متزوجة من سوري)، «جينتر أورث» (متزوج من سورية)، «شتيفان ڤايدنر»، «هارتموت فاندريش»، «ساندرا هتزل»، وبالطبع تتم الترجمة غالباً من هناك لأن اهتماماتهم وعلاقاتهم قويّة مع الشام العربي. أما العرب من المترجمين المقيمين في ألمانيا، فأغلبهم من الشرق الأوسط وخصوصاً مصر، يقتصرون فقط على الترجمة من الألمانية إلى العربية، ولا يتجرؤون على الترجمة من العربية إلى الألمانية بدعوى الاختصاص، لكني هنا أتساءل: أين المترجم العربي الذي يقيم في بلد أوروبي، مثل ألمانيا، لمدة طويلة من الزمن، ويظل يترجم فقط من اللغة اﻷلمانية إلى اللغة العربية، ولا يترجم إلى اللغة المحلية، أي الألمانية، وكأنه يعيش في برج إيفل!؟ وتابع: حسب تقييمي المتواضع، لا يجب على الأدب العربي الانتظار حتى ينقله المترجم الأجنبي إلى لغته، بل تشجيع تعلم لغات العالم في عالمنا العربي، الاعتناء بالترجمة جنس أدبي مستقل في الجامعات والمعاهد العربية والمؤسسات الرسمية، وبالتالي تكوين مترجمات ومترجمون عرب، ينقلون الأدب العربي من العربية إلى اللغات الأجنبية مباشرة، يفهمون مهنتهم ويمكنهم العيش الشريف مما يصنعون. الكثير من المترجمين العرب يتراكضون وراء ترجمة الروايات الأجنبية إلى اللغة العربية، لكنني أجد نفسي وبمجهود فردي محض، في الاتجاه المعاكس، أترجم الجميل والعميق، ما طاب لي من الشعر الألماني والعربي من وإلى اللغتين الألمانية والعربية، همي الوحيد هو نقل هواجس، أحلام، أفكار الآخر إلى قرّاء العربية والألمانية. فقط عندما نعرف أن الآخر إنسان مثلنا. إيماني قوي أن الترجمة تُرمِّم صورة العربي بصفة عامة، والمثقف العربي بصفة خاصة في وعي الآخر.

لسنا من يحدد ما يستحق نقله إلى الخارج

أما المترجم المصري عبد المقصود عبد الكريم فقال: لي رأي ربما يكون بالغ الخصوصية في هذا الأمر. بداية المستهلك هو الذي يحدد ما يحتاج إليه. وبالتالي أرى ترجمة الأعمال العربية إلى اللغات الأخرى مهمة المترجم الأجنبي والمؤسسات الأجنبية، والحقيقة أن هناك أعمالًا عربية ينقلها المترجم الأجنبي وتنقلها المؤسسات الأجنبية، لكن طبقا لاحتياجات الثقافة الأجنبية ولاحتياجات هذه المؤسسات، وهي بالتالي تختار ما يناسبها أو ما يفيدها. وبالتالي لا تنحصر المشكلة في المترجم أو في دور النشر العربية، هناك بعض المؤسسات العربية ترجمت بعض الأعمال لا أظن أن أحدا في الغرب التفت إليها، لأن المؤسسة العربية في هذه الحالة هي التي اختارت، واختارت غالبًا طبقا لأهواء معينة وليس طبقا لاحتياجات المستهلك. نحن المترجمون العرب نختار ما يناسب ثقافتنا وما نعتقد أنه يفيدها، وعلى المترجم الأجنبي أن يختار من ثقافتنا الأعمال التي تناسب مجتمعه أو تفيده. وفي اعتقادي لسنا من يحدد ما يستحق نقله إلى الخارج وما لا يستحق. وأظن أن الأمر يتعلق بوضعنا في الثقافة العالمية، ربما حين يتحسن وضعنا يلتفت الآخر إليه أكثر ويهتم بنا وبثقافتنا!

الأدباء بحاجة لوكلاء للترويج

يقول الروائي السوداني أمير تاج السر: لقد تحدثت كثيرا عن مأزق الأدب العربي إذا ما أردنا وضعه مع الآداب الأخرى في العالم، وهو أدب عظيم وخلاق لكن مواجه دائما بما يعيق انتشاره خارجيا، أنا أعتقد بوجود قارئ غربي مدرب على عدم قراءة الأدب العربي، وإن أراد التغيير من الآداب الغربية، يوجد الأدب اللاتيني والآسيوي، وحتى القادم من جزر الأنتيل وموريشيوس، هناك خلل ما بالتأكيد يصعب علاجه، والمحاولات التي يقوم بها مترجمون محبون للأدب العربي قليلة، لكن تظل محاولات فردية، أيضا توجد جامعات معينة في أوروبا وأمريكا تهتم بنقل الأدب العربي إلى اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الإيطالية، وتظل أيضا محاولات بسيطة وغير مقنعة أمام هذا الأدب الذي ينتج سنويا في بلادنا.

وفي الأعوام الأخيرة استطاع كثير من الأدباء العرب الحصول على وكلاء أدبيين، وهي وظيفة مهمة للترويج للأعمال والحصول على عقود ترجمة، وهي تكاد لا تكون موجودة لدينا، هؤلاء الأدباء حصلوا على عقود ترجمة رزينة وجيدة ونقلت أعمالهم للخارج وحصل بعضهم على جوائز أو اقتربوا من الجوائز. المطلوب أن تعكس المؤسسات العربية المهمة عملها، وبدلا من نقل الآداب الأجنبية للعربية، تنقل الأعمال الجيدة من الأدب العربي للغات أخرى، وهذا سهل في وجود المال والترجمات الجيدة، أيضا لا بد من وجود وكلاء محليين لهم ارتباط بالعالم، للمساهمة.

بالنسبة للأعمال التي نقلت بالفعل بعضها لم ينجح فقط لكن حقق انبهارا في الخارج، وبدأ يغير من نظرة الناس للأدب العربي.

عموما القارئ المحلي مهم، وإن وجد القارئ الأجنبي لا بأس به، لكن ليست ضرورة كبرى.

الترجمة بحاجة إلى مؤسسة بكيان متماسك

فيما قال الناقد والروائي العراقي حسين السكّاف: منذ عهد هارون الرشيد وابنه المأمون، والترجمة تلعب دورها البارز في النهضة الفكرية، والمترجمون يلعبون دورا مهما وبارزا في رفد حياتنا بما يفتح أبواب عالمنا على المعرفة العالمية المتشعبة حتى بات العالم قرية صغيرة، ولكن لنهر الترجمة ضفتان، والضفة الأهم هنا هي الضفة الأفقر، والمقصود ضفة نقل المنتوج العربي إلى العالم، ترى هل حظي بما يليق تماما كما وصل إلى عالمنا المنتوج الأجنبي؟

للإجابة على هذا السؤال الشائك، علينا التوجه إلى دور النشر والمترجم في الوقت نفسه، حينها سنجد أن المشكلة تكمن في جوهر اهتمام الطرفين، فدور النشر العربية لا تمتلك أي قنوات اتصال أو تعاون مع السوق الأجنبية، وبالتالي فهي غير مهتمة بترجمة الأعمال الأدبية العربية إلى اللغات الأخرى، أما ما يخص المترجم، فنجده غير مؤهل لترجمة الأعمال إلى لغة أخرى غير لغته الأم، فأغلب المترجمين ممن عرفتهم الساحة العربية يقومون بالترجمة من اللغة الأجنبية إلى لغتهم الأم أي العربية، وبالتالي لا يمكن التعويل عليهم في ترجمة الأعمال إلى لغات أخرى «يجيدونها» غير اللغة الأم. إذاً، مَنْ الأجدر بترجمة الأعمال من العربية إلى اللغات الأخرى؟ الحقيقة، يمكننا الإجابة إذا درسنا الواقع وما تم ترجمته من الأعمال إلى اللغات الأخرى، حينها سنجد أن أغلب ممن قام بالترجمة هم من غير العرب وقد ترجموا الأعمال إلى لغتهم الأم، تماماً كما يفعل المترجم العربي حين يترجم إلى العربية، وبعكس هذا نجد أن بعض المترجمين «الأكاديميين» من العرب الذين حاولوا ترجمة أعمال إلى لغة أجنبية درسوها أو تخصصوا بها، قد وقعوا في ورطة كبيرة وظهرت ترجماتهم ركيكة ومضحكة في بعض الأحيان. لهذا نجد أن من الخطأ الاعتماد على دور النشر العربية لترجمة الأعمال الأدبية إلى لغة أجنبية، وكذلك لا يمكننا الاعتماد على المترجم، إن لم تكن اللغة المراد الترجمة إليها هي لغته الأم.

وعلينا أن لا ننسى المجهودات الفردية التي يبذلها الكاتب من أجل ترجمة أعماله، فهناك من سعى وبذل المال والجهد من أجل وصول أعماله إلى لغات أخرى، وقد نجح العديد من الكتاب في ذلك المسعى، ولكن بمجهودهم الشخصي.

الترجمة بحاجة إلى مؤسسة بكيان متماسك ومنضبط تحت قوانين واضحة من شأنها النهوض بواقع الترجمة ونقل المنتوج الأدبي إلى العالم، وخير مثال المؤسسات التي تقف خلف الجوائز العربية، فأكثر الترجمات التي أنجزت خلال العشرين سنة الأخيرة، كانت لأعمال فائزة بجوائز، حيث من شروط الجائزة أن يترجم العمل الفائز إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية في الغالب وقد حظيت روايتي «وجوه لتمثال زائف» الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية عام 2017 بالترجمة إلى الإنجليزية.

المشكلة في دور النشر

وقال المترجم والكاتب السوري أدهم مطر: الترجمة قبل كل شيء هي فعل إبداعي يعتمد على تفاعل ثقافي بين الفكر وبين اللغة، الأمر الذي يؤدي إلى فهم الثقافات وبالتالي إلى ما يمكن أن ندعوه انصهار الثقافات في بوتقة الحضارة الإنسانية. ومن أجل تحقيق هذا الانصهار، لا بد من وجود الأدوات والبيئة والقدرة وأقصد في هذا الأدوات المعرفية والخلفية الثقافية للمترجم كي لا يبدو مجرد ناقل من اللغة الأساس إلى اللغة الهدف، لأنه بذلك قد يفسد -أن لم نقل يدمر- ما يقصد النص الأساس في الوصول إليه، فتتحول النصوص المترجمة إلى نصوص جامدة وبلغة خشبية ودون روح، نصوص تشبه الوصفات الطبية المترجمة والمرافقة لعلب الأدوية على سبيل المثال.

لذلك. طالما نقول لطلابنا وللمترجمين، إياكم اقتحام عالم الترجمة لمجرد الترجمة. المترجم صاحب رسالة وليس ناقلا للغة. كما أن المترجم مؤتمن على ما يترجم. لذا لا بد من أن يكون المترجم ممتلكا لأدوات الترجمة وذا خلفية أدبية واسعة وصاحب قلم يتقن نسج ثوب النص كي يحاكي عقلية المؤلف وذهنية القارئ.

واعتقد ان هذا يعدّ جوابا على السؤال لا تتم ترجمة النصوص العربية للإنجليزية لافتقار الأدوات أولا ، ولفقدان الجرأة ثانيا وللخوف من انعدام التسويق في عالم الغرب ثالثا، وهي كعوامل مجتمعة، تجعل من النص العربي حبيس الرفوف والمكتبات، علما أن النص العربي أيا كان، يتمتع بزخم الأفكار وجمال حبكة اللغة العربية وسهولة إيصال الفكرة، ناهيك عن شاعريته أو الروحانية الطافحة وكم المشاعر الشفيفة في الحروف العربية. وكمترجم لأكثر من مائتي كتاب وبحث منشور في عشرات دور النشر، وجدت أن المشكلة الحقيقية تقع على عاتق دور النشر بالدرجة الأولى وذلك لسببن: أولا: لأن دور النشر تتعامل وبانتهازية استغلالية مع المترجم على أساس انه بائع سلعة، وهنا تبدأ المساومة، وبما أن المترجم هو الطرف الضعيف في الغالب، فإنه سيرضخ في نهاية المطاف لصاحب دار النشر الذي اسميه شخصيا بتاجر الورق، لماذا؟ لأنه يتعامل مع النصوص كما يتعامل تاجر البطاطس.

ثانيا: لهاث دور النشر على الجانب البيعي للنصوص ودون المغامرة في شراء الحقوق لأن ذلك سيكون أكثر ضمانا لهم وربحا، وهو ما نراه الآن في إعادة طبع الكتب التي لم تعد بحاجة إلى شراء الحقوق لترجمتها. انظر حولك وسترى الكتب التي كنت قد قرأتها وأنت شاب تغزو المكتبات من جديد كما أنها ليست مكلفة على الإطلاق. لقد أدى هذا إلى تراجع ملحوظ في ترجمة الكتب الحديثة بمختلف مواضيعها، وهناك استثناءات سواء بعقلية وأسلوب الناشر أو المترجم على حد سواء.

هذه وصفتي لتشجيع الترجمة

وفي وصفة المترجم سمير جريس المقيم في ألمانيا قال: من خلال متابعتي لمعرض الكتاب في فرانكفورت كان الحضور العربي هامشيا، كانت أجنحة الدور الأجنبية المختلفة تغص بالناشرين والمتعاقدين على ترجمة أعمال أدبية إلى لغات أجنبية. ولم تكن الحال هكذا في الأجنحة العربية ويقتصر الأمر على عرض بعض المنشورات الفاخرة الطباعة.

وهنا أتساءل: ماذا لدينا لتقديمه إلى العالم، وهل يتجاهل العالم الأدب العربي، وماذا يمكننا أن نفعل حتى نغير هذا الوضع؟

وأين أدبنا على الخريطة العالمية، ولماذا لا يترجم من الأدب العربي إلا النزر اليسير؟

في رأيي علينا ألا نجتر الشكوى من إهمال العالم لنا. نعم، هناك نزعة أوروبية مركزية وهناك صورة نمطية سائدة عن الأدب العربي والاهتمام بالأدب العربي غالبا ما تكون له أسباب سياسية. كل هذا صحيح، لكن السؤال في رأيي: ماذا نفعل نحن لتغيير ذلك، أليس علينا أن نهتم بتقديم الدعم لترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

قبل عامين شهد معرض فرانكفورت للكتاب مبادرة اسمها أصوات عربية ، قدمت كتالوجا للناشرين في العالم، ضم 32 كتابا من أبرز الكتب المصرية الصادرة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. وفيه معلومات عن كل عمل مرشح، وأصداء نقدية له وطرق التواصل المباشر مع حامل حقوق العمل، سواء أكان الناشر أو المؤلف. كانت هذه المبادرة جيدة حقا وهي خطوة طال انتظارها كي نستطيع السير على الطريق الصحيح للوجود في ساحة النشر العالمية، فالناشر الأجنبي لا يتابع حركة النشر في كل دول العالم وهو بالطبع بحاجة إلى دليل إلى أبرز الإصدارات، لينتقي منها ــ إذا أراد ـــ ما يتماشى مع سياسته في النشر.

هذه كانت خطوة أولى، لكنها لا تكفي مطلقا. وعلينا أن نتساءل: هل حققت شيئا، ولماذا لم تحقق شيئا؟ وكيف يمكن إيجاد مبادرات فعّالة طويلة الأمد لخدمة ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

ومن واجبي كمترجم عايش الظروف ويعيش في بلد أوروبي أن أقدم بعض الإفادات في هذا المجال مثل: أهمية إعداد مثل تلك القوائم بشكل دوري، وأن تغطي جميع الآداب العربية، وإقامة برامج للمترجمين الأجانب وتوفير إقامات لهم في البلدان العربية حتى تزداد معرفتهم بأدب المنطقة العربية وثقافتها، وهو الشيء الشائع في معظم البلدان الأوروبية والأمريكية. وكذلك منح جوائز للترجمات المتميزة وللمترجمين الذين أسهموا عبر عقود في التعريف بالأدب العربي في الثقافات الأخرى. وتقديم دعم مباشر للناشرين الأجانب الذين يهتمون بالأدب العربي. لقد كانت دار لينوس السويسرية الصغيرة التي تأسست عام 1970 لسنوات طويلة، هي الدار شبه الوحيدة التي تترجم الأدب العربي إلى الألمانية، من دون أي دعم من أي جهة. هل من المستغرب أن يتراجع اهتمام لينوس بالأدب العربي الآن؟ ألا تستحق مثل هذه الدور أن تسهم جهات عربية داعمة في تحمل تكاليف الترجمة أو بعض التكاليف على الأقل؟ إلى جانب ذلك أسهمت جائزة البوكر في تسليط الضوء على إصدارات عربية بارزة وشجعت على ترجمتها. ومن هنا نرى وبغض النظر عن أي سلبيات تقترن ببعض الجوائز العربية، أن الجوائز تنشّط حركة الترجمة وتسلط الضوء على أعمال متميزة. بالإضافة إلى إقامة ندوة مستقلة في أهم معارض الكتاب في العالم، أو في أحد المعارض العربية، يدعى إليها كبار الناشرين في العالم من مختلف اللغات وكذلك كبار مترجمي الأدب العربي ليقدموا جميعا إجابتهم عن السؤال: ما سبب قلة الترجمات عن اللغة العربية، وماذا نفعل لتغيير ذلك؟

خلاصة القول

كنت انتظر جوابا من المترجم الألماني شتيفان فايدنر ولكن حتى ساعة إعداد هذا التحقيق لم تردني إجاباته.

كما عرفت أن الضوابط المفروضة على ترجمة الأعمال العربية مجحفة، هناك لوبي يتعاطف معه الغرب على أن لا يترجم ولا يُنشر إلا ما يتوافق مع ما يريدون، والعملية تحتاج لتضافر جهود لكي يوجد الكتاب العربي بين أيادي القرّاء الغربيين، وما يترجم هو قليل ولا يكاد يذكر.

القارئ الغربي ليس وحده من يجب أن نصل إليه، فهناك عرب كثر في الغرب ولدوا هناك ولا يجيدون العربية، بل لغة البلد الذي يعيشون فيها، ومن الواجب الوصول إليهم ليبقوا متمسكين بثقافتنا العربية.