ثقافة

عبير حامد: الروائي يصبح ديكتاتورًا لو حاكم شخصياته

24 مايو 2024
تربَّت على حكايات نجيب محفوظ وألف ليلة وليلة
24 مايو 2024

- واجهتني صعوبات في السيطرة على شخصياتي.. وهم مطابقون لأشخاص يعيشون بيننا

- عبد الناصر رمز لتوحيد العرب وأم كلثوم تمثل الجانب الحقيقي للفن الذي يوحِّد مشاعرنا

- أردتُ أن تكون بطلتي "ختام" آخر ضحية من ضحايا الجهل في مجتمعاتنا العربية

- "نفيسة" في الرواية فساد جاثم على صدورنا.. وقد وصل من التجبُّر قدرًا يرفض معه تبرير تصرفاته

- لا أستطيع أن أقول إن "ختام" رواية فلسطينية بقدر ما أتمنى أن تكون عربية

- لا أرى أن هناك كتابة نسوية وكتابة ذكورية، إنما هناك إبداع إنساني

تُقدِّم الكاتبة عبير حامد في روايتها المهمة "ختام برائحة المسك" سيرة عائلة من فلسطين، تتعرض لما تعرضت له غالبية الأسر الفلسطينية من فظاعات على يد الاحتلال الإسرائيلي، وتكشف الطريقة الوحشية التي كان يتم بها مصادرة أراضي قرى فلسطينية كاملة.

لكن الرواية لم تقع في فخ المباشرة أو الدعاية السياسية، وإنما اهتمت بالفن، وعبَّرت عن أبطالها أفضل تعبير، وعلى رأسهم "ختام" المرأة الجميلة، و"الملاك" وهو اسم على مسمَّى، وكيف طارد الاثنان حلمهما خارج فلسطين، في الإمارات والأردن، وفي نفس الوقت ظلا مشدوديْن إلى جذورهما الضاربة إلى سابع أرض في فلسطين.

عبير حامد كاتبة وروائية حاصلة على بكالوريوس اللغة العربية، بدأت حياتها العملية في القطاع الثقافي في عالم المكتبات، في وزارة الثقافة الإماراتية، قدمت الكثير من ورش العمل والدورات التدريبية في الكتابة الإبداعية والقراءة التفاعلية، شاركت في إعداد مشاريع معرفية مع العديد من المؤسسات الثقافية العربية والأجنبية، وهي حاضرة في المحافل الثقافية مع كتَّاب وأدباء وناشطين في العمل الثقافي، تعمل حاليًا في وزارة التسامح والتعايش الإماراتية في إدارة مشاريع الإنتاج المعرفي والثقافي هنا حوار معها حول روايتها:

• أبدأ معكِ من اسمي البطلة والبطل "ختام" و"الملاك".. ما دلالتهما؟

- اسم ختام كان، في ذلك الوقت، من الأسماء الشائعة، وكانت القبائل العربية قديمًا تسمي به بناتها، ولعلي أشرت في الرواية إلى ذلك حيث إن الأب سمَّاها ختام لتكون آخر الإناث التي ينجبها فكانت أعزهم لديه وأكثرهن تأثيرًا.

وختام هي الأمنية لبداية عهد جديد لأمة تحترم إنسانيتها، لعلها تكون آخر ضحية من ضحايا الجهل والفساد والتخلف، الذي تعانيه مجتمعاتنا العربية، وبموتها ختام عهد وبداية عهدٍ جديد، أما الملاك فهو تصور لإنسان هذا العصر، الذي تثقل كاهله التحديات المستمرة حتى وهو في خريف العمر، لكنه يستمر بالمحاولة.

• لماذا جعلتِ الشر مطلقاً؟ ولماذا ركزتِه في شخصية "نفيسة" فقط؟

- الشر رغم ضخامته ليس مطلقًا، والدليل أن ختام قاومته حتى النهاية رغم ضعف إمكانياتها وأدواتها، وأما اختيار اسم نفيسة فينطلق من رؤيتي بأن أغلب ما نراه قيمًا ومهمًا في مجتمعاتنا يمكننا أن نكشف فساده وشره وأثره السلبي على حياة البشر وسعادتهم.

وأعتقد أن كل روائي منصف ويحترم قلمه على بيِّنة أن ما يحيط بالعالم من مآسٍ وتحديات، خاصة في منطقتنا العربية، يقف خلفه شر أسطوري يتمدد بيننا في صور الفساد والتخلف والجهل والمحسوبية والسلطوية وغيرها للأسف الشديد، فقد كان خط مجتمعاتنا العربية في هذا المجال كبير جدًا، لذا ستجد ظلًا لهذا الشر في كل عمل روائي، سواء فيما يواجه البطل أو البطلة من مشكلات أو تحديات، أو ما يواجه الكاتب ذاته، من إشكاليات حياتية تؤثر فيه وفي محيطه.

• لماذا لم تمنحي "نفيسة" مجالًا لتبرر تصرفاتها؟ وماذا كانت ستقول لو أنطقتِها؟

- نفيسة هي ذلك الفساد الجاثم على صدورنا جميعًا، والذي وصل من التجبر والاستبداد قدرًا يرفض معه مجرد تبرير تصرفاته، ولو أنطقتها لما قالت غير ذلك، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه في داخل كل منا نفيسة صغيرة تبحث دائمًا عن الانطلاق بدافع الطمع والرغبة في السيطرة، وعلى قدر مواجهة كل منا لهذه (النفيسة) يستطيع أن يكون خيِّرًا، وعلى قدر اندماجه معها يصبح نفيسة جديدة تستطيع تدمير العالم.

• هل يمكن اعتبار "ختام برائحة المسك" في جانب منها عملًا عن فلسطين وما جرى لها على امتداد عقود، من نهب أراضٍ وتهجير قسري ومحو للتاريخ؟

- إذا كانت "ختام" رمزا للحالة العربية، ففلسطين رمز واقعي للتشظي العربي الذي نعيشه حاليًا، ومن ثم فإن حركتي داخل الأقطار العربية ما هي إلا تعدد لحالات إنسانية مشابهة في جغرافيا مختلفة، ولا أستطيع أن أقول: إن "ختام" رواية فلسطينية، بقدر ما أتمنى أن تكون رواية عربية، فختام موجودة في القاهرة وبيروت وتونس والرياض، ومسقط.

وستجد ظلًا لشخصيات ختام في كل تلك العواصم العربية، ولكن بأسلوب مختلف، فالوطن العربي في مجمله بثقافته الواحدة ولغته الواحدة وجغرافيته المحددة يحمل نفس القضايا ونفس الإشكاليات. وكأنه لحن واحد على مسرح واحد ولكن بتوزيعات مختلفة، وفي هذه التوزيعات تبرز أسماؤنا وأفكارنا ومعانينا.

•لماذا لجأتِ إلى التنقُّل في الزمن ذهابًا وإيابًا ولم تجعلي التسلسل تصاعديًا؟

- الرواية هي حالة نفسية أو بالأحرى تحرر من حالة نفسية وعاطفية، سواء لدى كاتبها أو متلقيها، ولذا فحركة الزمان والمكان داخل الرواية هي عبارة عن محاولة لتجسيد هذه الحالة النفسية للبشر بما تحمله من تناقضات وجنون في بعض الأحيان.

• كانت إشاراتك المباشرة عن الزمن مقتضبة لكنكِ فضَّلتِ الإحالات غير المباشرة، كالإشارة إلى تنحِّي الرئيس المصري جمال عبد الناصر، أو حفلة لأم كلثوم وغيرهما.. لماذا؟

- إذا كان تشكيل وجدان الشخصية الرئيسية للرواية انطلق مع اغتصاب فلسطين، فإن وجدانها تفجر لحظة الهزيمة في نكسة يونيو التي لم تعانِ منها الشخصية المصرية فقط، بل عانت منها الشخصية العربية، وما ظهور عبد الناصر إلا رمزاً للبحث الجاد عن شخصية قيادية يمكنها رغم الهزيمة توحيد العرب، أما أم كلثوم فإنها تمثل الجانب الحقيقي للفن الذي وحد مشاعرنا وارتقى بالذائقة الموسيقية لدى الشعب العربي كله.

• ألم تواجهكِ صعوبات في الكتابة بسبب تعدد الشخصيات وكذلك الأماكن؟

- بالتأكيد واجهتني صعوبات جمَّة، فالشخصيات مراوغة للغاية وترفض دائمًا السير في الخط الذي رسمته لها، وما السرد إلا تجسيد للحظة الصراع بين الإرادة الذاتية لهذه الشخصيات والهدف العام الذي من أجله كتبت الرواية.

• الراوي العليم اقترب كثيرًا من شخصيتي "ختام" و"الملاك" لكنه منح القليل من الاهتمام لبعض الشخصيات الأخرى كإخوتها وإخوته.. لماذا؟

- الشخصيتان الرئيسيتان في الرواية هما ختام وملاك، وهما اثنان وسط مجموعة كبيرة من الشخصيات، ولو أنني تعاملت مع تلك الشخصيات بنفس مستوى ملاك وختام لأصبحت الرواية أضعاف حجمها الحالي، والمتابع لأحداث الرواية بأزمنتها المتعددة، وأحداثها المتشابكة، سيكتشف بسهولة المحددات لكل الشخصيات، التي تتناولها الرواية سواء على البعد الاجتماعي أو النفسي أو العقلي لهذه الشخصيات.

كل الشخصيات واضحة، بل ممكن أن تكون مطابقة لبعض ممن يعيشون بيننا، كما أن الرواية الناجحة من وجهة نظري المتواضعة هي التي تثير خيال المتلقي أيًا كانت ثقافته أو عمره أو جنسه أو طبيعة طبقته المجتمعية ليصنع عالما موازياً لعالم الرواية ويشكل بخياله هو، روايته الخاصة، وأحرص قدر المستطاع من خلال ما يمتلكه السرد من أدوات على أن تكون الملامح العامة لكل الشخصيات واضحة بل ممكن أن تكون مطابقة لبعض من يعيشون بيننا.

• هل ضمَّنتِ بعض الوقائع الحقيقية في العمل؟

- سؤالك يعني أنك رأيت الحقيقة في شخصيات الرواية، والتي ممكن أن تجدها في كل حارة مصرية، وفلسطينية وهذا يعني تقديراً أشكرك عليه، وكما تعلم فلا بد أن يكون لكل عمل ظل من الحقيقة والواقع الذي نعيشه.

• لماذا حرصتِ على أن يكون السرد محايداً فيما يتعلق بالخرافات الشعبية، فلا يكذبها ولا يصدقها؟

- كما تعلم الرواية حالة إنسانية ولا تمثل محاكمة لأي شخصية أيًا كانت، ولكن تترك ذلك للمتلقي يرفضها أو يقبل بها وإلا لأصبح الروائي دكتاتورًا إذا حاكم شخصياته حتى لو كان ذلك عادلًا.

• كيف جاءتك فكرة الرواية؟

- فكرة الرواية تلح عليَّ منذ سنوات، بل كانت تؤرقني في بعض الأحيان ولن يتوقع القارئ أن أقول إن البوح بهذه الرواية كان علاجًا لي شخصيًا.

• ما الأصداء التي وصلتك عنها؟

- أصداء مشجعة جدًا، بل إنها فاجأتني بعض الأحيان، فهناك من تعاطف جدًا مع ختام بطلة الرواية، وهناك من تأثر من الأحداث بشكل عام كما أن هناك شخصيات ثقافية أخذت تسأل عن أعمالي الأخرى، وهذا يعد حافزًا قويًا لي للاستمرار في الكتابة.

• ننتقل من الرواية إليك.. متى بدأت الكتابة؟ ومن شجعك؟

- كان لدينا في منزلنا مكتبة ضخمة جدًا، تضم عددًا كبيرًا من الكتب في مختلف المجالات، أذكر منها المجموعة الشعرية لإيليا أبو ماضي "الخمائل والجداول"، ومجلدات ألف ليلة وليلة. كنت بادئ الأمر أنجذب لألوان الكتب والرسومات فيها، ومع الوقت بدأت أقرأ، ووجدت متعة رهيبة بالقراءة، دفعت بي إلى التهام كل الكتب تقريبًا، أذكر أنني كنت أستمتع جدًا بوجودي مع الكتاب، بل أقضي وقتًا طويلًا بالقراءة.

كان من بين الكتب أيضًا أكثر من عشرين رواية من روايات الكاتب المصري نجيب محفوظ، نعم منذ صغري أحب القراءة واللغة العربية، ولعل ذلك ما دفعني للتخصص بها، وحين انتقلت إلى الحياة العملية كانت طبيعة عملي بين الكتب والمكتبات، فكان ذلك دافعًا قويًا لي للقراءة، من ثم شاركت في إعداد صفحة من صفحات مجلة شهرية كانت تصدر عن وزارة الثقافة بدولة الإمارات بعنوان "حصاد المعرفة"، وكانت تتطلب مني الكتابة، من هنا بدأت رحلة كتابة المحتوى، وكان أول ما كتبته بشكل شخصي مجموعة من الخواطر لفتت انتباه كل من قرأها، وأظن أن ما دفعني لكتابة رواية "ختام برائحة المسك" تحديدًا، هو كلمات أمي الممزوجة بالدموع خلف شاشة الجهاز اللوحي، حيث كنت أقرأ لها شيئًا مما كتبته عنها تحديدا في اتصال مرئي بيننا أثناء أزمة كورونا، كنت أصف طيبتها وحنوها علينا لأفاجأ بالدموع غمرت وجهها، فتوقفت عن الكلام وأنا أنظر إليها، وحين سألتها عن سبب بكائها فاجأني ردها بأن كم المشاعر الذي تدفق من كلماتي أثر بها، وأخذت تمدح كلماتي، منذ ذلك الوقت بدأت فعلاً برسم ملامح بطلة الرواية ختام، والملاك. كنت أقرأ لمن حولي من أفراد أسرتي وزملائي في العمل ما كتبت فوجدت منهم التشجيع والدعم الكبير، واستمروا معي حتى صدور الرواية، وهنا لا بد من أن أشكر أبي المعلم الأول لي والداعم، وأيضًا زميلي المستشار الإعلامي أحمد شلبي، فهما من شجعاني على الاستمرار حتى صدور العمل.. وأظن أني ما زلت في بدايات الطريق مع السرد العربي.

• ما ملاحظاتك على الساحة الأدبية العربية؟ هل صحيح أنها تنحاز للجماهيرية أكثر من القيمة؟

- كأحد المشتغلين بالثقافة أعتقد أن هناك الكثير من الإيجابيات في المشهد الثقافي العربي إلى جانب مجموعة من السلبيات والتحديات التي كانت وستظل موجودة في المشهد على ما أعتقد، بالنسبة للإيجابيات فأعتقد أن هناك جيلًا جديدًا لديه كتابة مختلفة وجمهور مختلف، وهو أيضًا يحترم ثقافته وتاريخه، وهذه الموجة أعتقد أنها ستستمر في المرحلة المقبلة، برغم تحديات النشر وإشكاليات النقد والمساحة الإعلامية المتاحة له، وهذا الثلاثي هو أصعب التحديات التي نواجهها، حين نقتحم أي مجال إبداعي، إضافة إلى البُعد الاقتصادي الذي أراه مهماً جداً، سواء للمبدع أو لصناعة الثقافة بشكل عام.

• كيف ترين الكتابة النسوية؟

- من وجهة نظري لا أرى أن هناك كتابة نسوية وكتابة ذكورية، إنما هناك إبداع إنساني وموضوعات يتطرق لها المبدع بأسلوب يقبله الناقد والجمهور أو يرفضانه.

• ماذا يقلقُكِ وأنت تكتبين؟

- كل شيء.. برأيي الكتابة هي لحظة قلق مبدعة، أقلق من الحرف، من الكلمة، من الحدث، من أن لا أصل إلى هدفي، الكتابة حالة قلق مستمر، إلا أنه قلق إيجابي.

• وما مشروعك القادم؟

انتظروا روايتي الجديدة مع الدار المصرية اللبنانية، وهنا أود أن أشكر الناشر الأستاذ محمد رشاد، أكبر الداعمين والمشجعين لي للاستمرار في الكتابة.