No Image
ثقافة

رواد الأدب العماني: ثابت بن كعب العتكي

26 مارس 2023
26 مارس 2023

أبو العلاء، ثابت بن كعب العتكي من الأزد. شاعر مجيد، وفارس من فرسان العرب المعدودين في خراسان، أبلى بلاءً حميدا في قتال الترك والسند في خراسان وما وراء النهر. لُقب بقطنة لأن سهما أصابه في إحدى عينيه في بعض الوقائع مع الترك فذهب بها، فكان يضع عليها قطنة. هاجر من عمان إلى خراسان، وكان في أول أمره مع عبد الله بن خازم السلمي (ت 73هـ)، والي خراسان من قِبل عبد الله بن الزبير، وقد قاتل معه قبيلة ربيعة حين وقع الشر بينها وبين ابن خازم، ثم كان مع أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد لمّا ولاه عبد الملك بن مروان خراسان سنة 74هـ، ثم عزل عبد الملك أمية سنة 78هـ ويقال كان لثابت قطنة يد في عزله. ولما ضمّ عبد الملك خراسان وسجستان إلى عمل الحجاج بن يوسف، ولّى الحجاج المهلب بن أبي صفرة خراسان، فكان ثابت من فرسان المهلب، ورافقه في غزواته فيما وراء النهر، وكان معه قبل ذلك في قتال الخوارج.

وبعد وفاة المهلب سنة 82هـ ولى الحجاج يزيد بن المهلب خراسان، فلازمه ثابت قُطْنة واختص به ووصف غزواته، وله فيه كثير من المدائح. وبعد عزل الحجاج يزيد بن المهلب عن خراسان سنة 85هـ، ولّى أخاه المفضل بن المهلب خراسان، ثم عزله وولّى مكانه قتيبة بن مسلم الباهلي سنة 86هـ، فاتصل به ثابت، ورافقه في غزواته وفتوحه فيما وراء النهر، ومدحه بطائفة من القصائد ثم تخلى عنه يوم ثار على سليمان بن عبد الملك. ولمّا ولّى سليمان بن عبد الملك يزيد بن المهلب خراسان سنة 97هـ لازمه ثابت وقاتل معه الأعاجم ووصف وقائعه. وحين عزم يزيد بن المهلب على الثورة على يزيد بن عبد الملك كان ثابت ممّن حرّضه على الثورة بأبيات قالها، ومنها قوله:

أيزيد كن في الحرب إذ هيّجتها... كأبيك لا رَعشا ولا رعديدا

ثم وقف إلى جانبه في ثورته سنة 101هـ وقاتل معه جيوش بني أمية، وكان معه يوم العقر سنة 102هـ وهو اليوم الذي قُتل فيه يزيد بن المهلب فقال ثابت أبياتا يرثيه بها.

وفي زمن ولاية عمر بن هبيرة على العراق عزل سعيد خُذينة عن خراسان وولى مكانه سعيدا الحرَشي سنة 103هـ، فاتصل به ثابت وقاتل معه الصَّغد وقال شعرا في وصف وقائعه ثم كان ثابت مع أسد بن عبد الله القسري حين ولي خراسان وقاتل معه الترك، وجعله خليفته حين خرج لقتال الترك، فأراد أن يخطب في الناس، لكنه حصر وأُرتج عليه فقال: «سيجعل الله بعد عُسرٍ يُسرا، وبعد عيٍّ بيانا، وأنتم إلى أمير فعّال أحوج منكم إلى أمير قوّال». وأنشد:

فإلا أكن فيكم خطيبا فإنني

بسيفي إذا جدّ الوغى لخطيب

فبلغت كلماته خالد بن صفوان، الخطيب المشهور، فقال معلقا: «والله ما علا ذلك المنبر أخطب منه في كلماته هذه، ولو أن كلاما استخفني فأخرجني من بلادي إلى قائله استحسانا له لأخرجتني هذه الكلمات إلى قائلها». وظل ثابت يجاهد الترك والصّغد إلى أن قُتل في إحدى الوقائع مع الترك. وكان ثابت ذا ولاء لقبيلته، فقد استنصر قومه الأزد في إحدى الوقائع مع الترك فلم ينصروه، فلم يشأ أن يهجوهم.

ولثابت بديهة وحسن تخلص ومن ذلك حين ولي سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن أمية خراسان، بعد عزل عبد الرحمن بن نعيم، جلس يعرض الناس، وعنده حميد الرؤاسي، وعبادة المحاربي، فلما دعا بثابت قطنة تقدم، وكان تام السلاح، جواد الفرس، فارسا من الفرسان، فسأل عنه، فقيل: هذا ثابت قطنة، وهو أحد فرسان الثغور.

فأمضاه وأجاز على اسمه، فلما انصرف قال له حميد، وعبادة: هذا أصلحك الله الذي يقول:

إنا لضرابون في حمس الوغى ... رأس الخليفة إن أراد صدودا

فقال سعيد: علي به.

فردوه وهو يريد قتله، فقال له: أنت القائل: إنا لضرابون (البيت)

فقال: نعم، أنا القائل:

إنا لضرابون في حمس الوغى

رأس المتوج إن أراد صدودا

عن طاعة الرحمن أو خلفائه

إن رام إفسادا وكر عنودا

فقال له سعيد: أولى لك، لولا أنك خرجت منه، لضربت عنقك.

وحين وقع بين ثابت قُطْنة وبين الشاعر حاجب بن ذبيان المازني المعروف بحاجب الفيل مهاجاة سببها أن يزيد بن المهلب أعطى حاجبا عطية ضخمة لشعر مدحه به فحسده ثابت، وكان من شعراء يزيد الملازمين له، ولجّ الهجاء بينهما. ومن طريف ما يذكر في هذا الهجاء، بيت قاله ثابت في هجاء نفسه حيث قال:

لا يعرف الناس منه غير قطنته

وما سواها من الأنساب مجهولُ

قال دعبل: بلغني أن ثابت قطنة قال هذا البيت في نفسه، وخطر بباله يوما، وقال: هذا بيت سوف أهجى به. وأنشده جماعة من أصحابه وأهل الرواية، وقال: اشهدوا أني قائله.

فقالوا: ويحك ما أردت أن تهجو نفسك به؟! ولو بالغ عدوك ما زاد على هذا.

فقال: لا بد من أن يقع على خاطر غيري، فأكون قد سبقته إليه.

فلما هجاه به حاجب الفيل استشهدهم على أنه هو قائله. فشهدوا على ذلك، فقال يرد على حاجب:

هيهات ذلك بيت قد سبقت به

فاطلب له ثانيا يا حاجب الفيلِ

ومما يذكر لثابت قطنة، أنه لم يبالغ في مديحه كما بالغ شعراء عصره، كان يعجبه الفرسان الشجعان الأسخياء، وليس كالمهلب وأبنائه من كان يحمل ذلك، فمدحهم بصدق، ولم نر في شعره ذلك المدح الكاذب، كما خلا شعره من المبالغات المفرطة. وثمة أمر يتصل بعقيدة ثابت بن قطنة، فقد كان يجالس قوما من الشراة وقوما من المرجئة، وكانوا يجتمعون فيتجادلون في خراسان، فمال ثابت إلى مذهب المرجئة، وقال قصيدة شرح فيها مذهبهم، وهي أشهر ما قيل في بيان مذهبهم، ومنها:

يا هندُ فاستمعي لي إن سيرتنا

أن نعبد الله لم نُشرك به أحدا

نرجي الأمور إذا كانت مشبهة

ونصدق القول فيمن جار أو عندا

المسلمون على الإسلام كُلهم

والمشركون أشتَّوا دينهم قِددا

ولا أرى أن ذنبا بالغٌ أحدا

ما الناس شِركا إذا ما وحّدوا الصمدا

والمرجئة فرقة ظهرت في بداية العصر الأموي ولعبت دورا خطيرا على مسرح الأحداث السياسية إثر الاختلافات حول مقتل عثمان وانقسام الأمة إلى فريقين، واتخذت جانب الاحتياط في تأييد كلا الفريقين، وسُمُّوا بالمرجئة لأنهم تولَّوا المختلفين جميعا ورجَوْا لهم المغفرة ولا يقضون بحكم على الذين اختلفوا وتنازعوا في الخلافة. لأنهم لم يقضوا على مرتكب الكبيرة وأخروا الحكم عليه إلى يوم القيامة.