No Image
ثقافة

إبراهيم السوطي: ظاهرة تكريس الشاعر فيروسا لم يسلم منه معظم المجتمعات العربية

21 نوفمبر 2022
أصبح من السهل أن يكون المرء شاعرًا في ظل وجود جهات إلكترونية!
21 نوفمبر 2022

العُمانية: يأتي الشاعر العُماني إبراهيم بن سعيد السوطي ليوثّق تجربته الشعرية الممتدة لسنوات في سياق شعري في إصدارين شعريَين، هما "حنين" في 2011 و"السيد الغياب" في 2018، وقد عرفته الساحة الشعرية في سلطنة عُمان بهدوء الحضور مع الاشتغال الحقيقي لمفهوم الكلمة الشعرية وتفردها، والمتتبع له يجد ذلك التوازن في طرحه ومشاكساته التي تؤثث روح القصيدة في آن واحد.

شارك في العديد من الفعاليات المحلية والعربية وفاز بجوائز متقدمة في عدد من المسابقات الشعرية في سلطنة عُمان، حيث الشعر وماهيته يتحدث السوطي عن علاقته بـ"السيد الغياب"، ذلك الإصدار الذي شكل الجزء الأوفر من تجربته الشعرية فيقول: ربما هو الهاجس الذي يسكن إبراهيم الشاعر وليس أنا من جعل الشعر يظل غير مرئي إلا قليلًا مما يُعزّي روحه، أما أنا فقد تساءلت كثيرًا عن سبب تكديس التفكر حول فكرة بهت القصيدة العربية سواءً على طول الممرات والشوارع أو داخل القاعات المخصصة وربما لأنني لا أحب فقط الجلوس ضمن الباحثين عن الحلول أو أن الأمر يضجرني قليلا لأكتفي بكتابة الشعر إلا أنني ألاحظ كيف تثور القاعات للقصيدة الشعبية وألحظ أنه لا يعجبني حيث إن القصيدة الفصحى كانت أولى بهذه الطقوس ولكن لكل شيء أسبابه ومسبباته حيث ثقافة الإنسان العربي التي تبتعد عن لغته الأم بعد جهل وأيضًا ثقافة الشاعر التي تبتعد عن لغته الأم ولكن بعد علم.

ويضيف أن انتشار قصيدة النثر في جسد الثقافة كانتشار النار في الهشيم وأرى أنها ليست إلا تشبّها بالشعر، فلا أجد الشعر في القصيدة إلا بعد نثر كفيل بأن يقصيك ولا أجد كلمة موسيقية إلا بعد أحاديث حتى أصبح الشعر تسريحة على رأس لاعبٍ أجنبي تهافت عليها المراهقون قبل المتطفلين، ومع ذلك فأنا قارئٌ صادقٌ لقصيدة النثر ويمكنني أن أثني على بعض الأسماء في ساحتنا الأدبية إلا أنني ما زلت أصادف تلك الحدود الفاصلة في تجاربهم، وربما كل هذه المشاهد أسهمت في ولادة فكرة الغياب وكنت أبحث عن بابٍ يعود من خلالها الشعر فوجدتني أبدأ القصيدة وأقول "يومًا وقد حضر الغياب".

وعن أسس التوافق والترابط بين إصدار "السيد الغياب" وبين الإصدار الأول "حنين" يقول السوطي: لا أظن أنني تتبّعت خطاي وأنا أنتقل من سنة ٢٠١١م إلى ٢٠١٨م وأستطيع أن أقول إنني كنت أعمى ولكن أعمى يسير واثقًا في وضح النهار ولم يكن مبصرًا يتخبّط بقلق حاد في غرفة معتمة، وإذا كان هناك ترابط فهو الندم الذي نسيته بعد إصدار "حنين" وعاد بالطعم نفسه بعد إصدار "السيد الغياب" وهو ندم سبّبه في ظني القلق الدائم الذي لا يزال يلازمني بعد الانتهاء من الكتابة ولكنني أذكر نفسي بحفظ الكتابة من الضياع فأسلو.

وعن كيفية أن تبني المسابقات وتتبنّى "شاعرا أو حتى أديبا"، وتؤسس أرضية قد يخطو بخطاه ليكون واثقًا بها يضيف: في ظني المسابقات الأدبية والملتقيات والأمسيات هي أحداث تكريمية للساحة الأدبية أكثر من كونها حلبة تحدٍّ وتنافس، أما نحن الأدباء فبعد ممارسات عديدة وتجارب كتابات فنحن بحاجة للشعور بوجودها وأن يكون لهذه التجارب اعتبار على الساحة التي أحببنا وعشقنا، وعندما نفكر في دخول مسابقة أدبية فنحن لدينا فرحات عدة أولها وأهمّها الحدث الثقافي الذي سيملأ أعماقنا بهجةً ويملأ روحنا حياةً وفرحة أخرى هي الحصول على فرصة لنتحدى أنفسنا، نعم فنحن لا نتحدى إلا أنفسنا بدخول المسابقات والتأهل والفوز فيها يُعدّ شهادة اعتراف خاصة بك وبتجربتك وهو فوز أكبر للتحدي الأكبر مع نفسك، أما عن أُسس البناء والأرضية الصلبة فهذا يقوم به الشاعر بنفسه وليست له علاقة بمسابقة أرمي فيها قصيدةً من خلال بريد ويأتي خبر الفوز وأستثني من ذلك الملتقى الأدبي وما على شاكلته حيث إنها تعمل عمل المعاهد التعليمية من خلال إقامة حلقات العمل وجلسات النقاش خلال فترة زمنية يجد الشاعر ما يتزوّد به.

ويتحدث السوطي عن المسابقات سواء كانت مهرجانات أو غيرها فيتطرق إلى "المحصلة" ويبيّن: "بطبيعة الحال المسابقات سلاح ذو حدين يصيب من يسعى إليها لأجلها وليس لأجل نفسه، ويأخذها وليس ليأخذ وينهل منها، فإما أن يفشل في الحصول على الجائزة فيسقط بغير نهوض وإما أن يحصل على مبتغاه من الجائزة ويظن أنها القمة وليس بعد القمة إلا القاع، إذ حتى المكوث واقفًا على القمة هو تمامًا المكوث في القاع؛ فكم من أسماء فقدت بريقها وحضورها بعد ما حصلت على مبتغاها من المسابقات، وأما أنا فلا أظن أنني دخلت المسابقات أصلًا وإذا قلت إنني دخلت شكلًا خلال العدد الضئيل من المشاركات في المسابقات فأنا دخلت فراغًا عبر بابٍ وخرجت منه عبر بابٍ، ربما كان خطأ مني أن لا أعير المسابقات ذلك الاهتمام الذي يقال عنه، وأنا حتى اليوم لا يشغلني إلا أن أظل أكتب رغم أنني أدرك أنني لا يمكن أن يكون الجميع على خطأ بخلافي أنا الوحيد، وأدرك أيضًا أن كل ما تسعى إليه ستحصل عليه".

في هذا التداخل والتكوّن المضطرب في أحوال الشعر "نثرا - كلاسيكيا - تجديدا"، يوضح السوطي معرّفا إياه والصنف الأقرب إليه منها: "تظل قصيدة الشعرِ شعرًا وقصيدة النثرِ نثرًا وكما أسلفت ما زلت أصادف تلك الحدود الفاصلة بينهما وفي قياسي إذا انعدم الشعر في القصيدة الموزونة لتُسمّى نظمًا فإن هناك ما يظل يميزها عن النثر وهي الموسيقى الظاهرة التي تُعد من أساسيات الشعر فإذا خرج الشعر عن قصيدة النثر فما الذي يميزها عن النثر وماذا تُسمى؟! وكم من الأدوات التي نحتاجها لتغيير جنس نثري إلى شعر بالإضافة إلى ذلك فنحن سوف نصبح قادرين على تحويل أي جنس أدبي (رواية، قصة، قصة قصيرة جدًّا...الخ) إلى شعر، وأنا أقول هذا بعد عدة قراءات عميقة لقصائد نثرية ومحاولتين من الكتابة وهو الأمر الذي أكد لي سبب بقاء قصيدة النثر موضوعًا جدليًّا لا ينتهي ولو كانت هناك أسباب كافية عدا كتابة الأسماء الكبيرة لها لما استمر هذا الجدل حتى اليوم منذ قبل ستينيات القرن الماضي يوم هاجمت الشاعرة العراقية نازك الملائكة في عام ١٩٦١م مجلة (شعر) التي تصدر في بيروت وكانت تسمّي النثر شعرًا، فقد عبرت "نازك الملائكة" عن شعور البعض بالنقص أمام الشعر الحقيقي، كما أعدّته تحقيرًا للشعر واللغة العربية والجماهير العربية، وللأمة العربية، وأنا حقيقة لم أقرأ قصيدة النثر تحدّيًا لها وإنما حبًّا للاطلاع والمعرفة عن كثب وقد أُعجبت بها في بعض المواضع وأُعجبت بكتابة بعض الشعراء لها ولكن الإعجاب لوحده بهذا الجنس الأدبي الشاذ غير كافٍ طبعًا؛ فكم من الذين أُعجبوا بالجنس الثالث في حين ظل الرفض من البعض الآخر قائمًا وعلى كل حال فقد وصلنا في وقت فيه قصيدة النثر أصبحت خرقة في ثوب الشعر اتسعت على راقعها".

وفي سياق مرتبط بما جاء أعلاه، هناك من لا يريد أن يعرّف القصيدة، وهناك من يطلق العنان لنفسه في الإسهاب لتفسير ذواتها.. يقول السوطي في هذا الإطار: "الشعر في نظري هو ترويح عن النفس في المقام الأول، ثم إنه محاولة جادة للتعبير عما يدور بخاطر الشاعر وليس بالضرورة أن يهتم الشاعر بوصول ما يريد إيصاله؛ وإنما أحيانًا يكتفي بالبوح ولو لنفسه فهو يمكن أن يكون تعبيرًا عن حالةٍ شعورية بطريقة كتابية وهو الطريقة التي لا يمكن استبدالها بالطريقة الشفهية كما يرى أو يظن الشاعر".

قيل كثيرا إن الحداثة في الشعر تواجه ادعاء الخروج على الثوابت التي عُرف بها، يفسر السوطي ذلك بقوله: أنا ليس لدي مفهوم للشعر إلا أنني عادةً ما أصفُه بأنه كائن نلجأ إليه عند الحاجة وفراغ نقوم بتفريغ ما عبَّأتنا به المواقف اليومية فيه فيقذف في أقلامنا العبارة لنحشوها بما يدور في خلجاتنا فيظل الشعر اللغز الذي ما زال الناس يتكهنونه ويخمنون ماهيّته".

وعن تكريس الشاعر قبل النص في المجتمع الأدبي، وما إذا كان “ظاهرة”، وإن وجدت كيف لنا تخطيها يجيب السوطي: ظاهرة تكريس الشاعر يسعى لها معظم فئات ومؤسسات المجتمع وفي ظني هذا فيروس لم يسلم منه معظم المجتمعات العربية إنْ لم تكن جميعًا وقد امتلأ الوطن العربي بمثل هذه المجتمعات من أقصاه إلى أقصاه فطالما هناك مؤسسات وجهات تهتم بالصوت الأكثر ضجيجًا رغم خفوت اللمعان ورداءة الجودة، ثم قد لا نلوم الشاعر على الفساد الذي في استطاعته أن يقدّم ولكن نلوم الجهات التي تدعم هذا الفساد وكل همّها التماع اسمها وإن كان على حساب إطفاء نور الثقافة.

ويختتم حديثه: أصبح في هذا العصر من السهل كتابة قصيدة طالما لا توجد أسس تقام عليها وأصبح من السهل أن يكون المرء شاعرًا طالما هناك جهات إلكترونية لا تدرك أي فروقات بين الوجوه القابعة أمام أعينها العمياء ولا تفرّق بين الشوك والزهر إلا أسماء وطالما هي لا تطالب بمقابل مادي أو معنوي وإنما المقابل هو نقرة زر فقط، وأصبح من السهل الحصول على جمهور طالما هذا الجمهور اعتاد دخول القاعات والجلوس بلا تذكرة دخول وطالما الجهات الإلكترونية لا تُكلف الساعين إليها إلا بنقرة زر أخف من وقع أقدام عنكبوت وأسرع من الضوء، ومع ذلك فالرديء من الكتابة للرديئين وفي نهاية المطاف يزول كل ما هو رديء ولا يبقى إلا الجيد.