No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

15 يونيو 2023
15 يونيو 2023

هل يسع المصلي في الطائرة أن يصلي قياما في أماكن موظفي الطائرة أو في الممرات مع ضيق المكان وعدم الاستقرار، حيث لم يخصص في العادة مكان للصلاة، أو الأولى أن يصلي قاعدا؟

الأولى في حق المصلي وإن كان في الطائرة أن يأتي بالصلاة بتمام شروطها وأركانها، فصلاته قائما أولى من صلاته قاعدا، إن تيسر له ذلك وأمكن له دون ضرر أو إضرار بغيره، فإن الأولى في حقه أن يأتي بالصلاة قائما، وإن لم يتيسر له لعدم وجود مكان أو لاحتياج القائمين على شأن المسافرين داخل الطائرة للأماكن المخصصة لهم ولم يجد فرصة ليصلي في ما أتيح من مكان، ففي هذه الحالة ينتقل إلى الرخصة بأن يصلي جالسا على كرسيه، ولا حرج عليه، ولا يتصور أيضا أن يتمكن كل المسافرين المسلمين من أداء الصلاة في تلك الأماكن الضيقة، فلا ينبغي أيضا التثريب على من صلى قاعدا في أول الأمر لغلبة الظن عنده أن لا مكان مناسب لأداء الصلاة، ولا للعتب على من اختار أن يأتي بالصلاة على شروطها وتمامها فانتهز فرصة ليصلي ما عليه في مثل هذه الفراغات المتاحة، ولكن إن كان توجيه من القائمين على الرحلة بلزوم الأماكن فليصلي في مكانه، والله تعالى أعلم.

كيف يعرف دخول وقت الصلاة في الطائرة مع وجود الفروق الزمنية بين الجو والبر؟

هذا سؤال مهم، وقد يكون الأمر في حالة الصلاة أيسر منه مما هو الحال في حال الصيام، العبرة بالوقت في الموضع الذي تكون فيه الطائرة في الجو لا بحساب المكان في الأرض الذي تقابله، وإنما في الموضع الذي تكون الطائرة فيه، والعلامات فيما يتعلق بالصلوات أيسر، لأن وقت النهار يمتد، فليس عليه أن يأتي بالظهرين في أول الوقت، فله أن يؤخر حتى تطمئن نفسه بأن وقت دخول الظهر قد تمكن فعلا، فهذا مقدور عليه، وكذا الحال في صلاة العشائين، فليس مأمورا أن يأتي بالصلاة جمعا وقصرا في أول الوقت، فينبغي له أن يتريث حتى يطمئن إلى غروب الشمس، ويرى الليل في الموضع الذي يكون فيه، ثم يصلي الصلوات التي عليه، وفي الفجر إن لم يتيسر له أن يشاهد طلوع الفجر، فمع بدء انتشار ضوء الصبح أو أن يسأل القائمين على الطائرة ليحددوا له وقت طلوع الفجر الصادق ووقت صلاة الصبح في الموضع الذي يكونون فيه في الجو.

أما في مسألة الصيام إفطارا وإمساكا، فلا يفطر المسافر بالطائرة بناء على التوقيت الأرضي لأن المعلوم أنه كلما ارتفع فإنه ينظر إلى الشمس فتكون زاويته أعلى فيتأخر الغروب عنده، وهكذا كلما صعد ارتفاعا في الجو، فإن كان صائما ممسكا فليس له أن يفطر حتى يتحقق من غروب الشمس ودخول الليل، فلا يستمع لقول من يطالبه بالإفطار لأن الناس في البلدة التي يقابلونها أو يحاذونها في الأرض قد أفطروا أو لأن التوقيت حسب الساعة أو التقويم قد حان فيه وقت الإفطار، لا، وإنما العبرة في المكان الذي يكون فيه، وهي علامة ظاهرة أن تغرب الشمس ويدخل الليل، وكذا الحال بالنسبة للإمساك، فليس العبرة بالتوقيت الأرضي، وإنما العبرة بالتوقيت الذي يكون فيه، وهو طلوع الفجر الصادق، فليتحرَّ طلوعه، وحينئذ يمسك عن الطعام والشراب إن كان ينوي الصيام، وإن عسر عليه أن يشاهد العلامة بنفسه في طلوع الفجر الصادق، فليسأل القائمين على الطائرة وليتأكد أنهم يدركون أن التوقيت الذي يعطونه إياه، إنما هو لموضع الطائرة في الجو، وإن احتاط بأن يمسك قبل ذلك فهو أفضل، وهذا التفضيل إنما هو بسبب اشتباه الأوقات عليهم أو أن العلامات قد تمر بسرعة والله تعالى أعلم.

ـ هل يمكن أن تقاس أحكام الطائرة بأحكام البحر عند ركوبه من ناحية قصر الصلاة حتى وإن لم تقلع الطائرة، أو إن كانت الطائرة في بلد المسافر نفسه؟

إن لم تقلع الطائرة فحكمها مثل حكم سفر البر، أما إذا صعدت في الأجواء فإنها تقطع مسافة السفر في دقائق يسيرة جدا، فليس هناك أي إشكال فيما يتعلق بحد السفر للمسافر بالطائرة أصلا، والله تعالى أعلم.

ما الفرق بين الاستئذان المذكور في سورة النور: «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» والاستئذان المذكور في سورة التوبة: «لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ»؟

الاستئذان المذكور في سورة التوبة هو استئذان عن النفير العام لأن بداية الآيات «انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا» فهو نفير عام فقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النفرة في العسرة، وطلب منهم أن يجاهدوا، وأن يخرجوا معه لملاقاة العدو، فهذا إعلان للنفير العام ولذلك كان الذين يستأذنون متخلفين عن هذا النفير العام الذي أعلنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانوا من المنافقين؛ لأنهم تخلفوا عن الاستجابة لداعي النفير العام بالجهاد في سبيل الله الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما ما ورد في سورة النور، فإنه يتعلق بأصل التشريع وأصل التشريع هو جواز الاستئذان، والاستئذان هو طلب الإذن، والإذن يقصد به العلم بإجازة الشيء والرخصة فيه، فآية النور تتحدث عن الأمر الجامع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رخص لهم لبعض شأنهم، فهذا استئذان حينما يكونون مع الرسول، قد لبوا دعوته صلى الله عليه وسلم، والسياق لا يتحدث عن حالة النفير العام، ولذلك لا يجري عليه ما يجري على أن الاستئذان كان علامة فارقة بين المؤمنين والمنافقين، وإنما تتحدث سورة النور عن آداب الاستئذان أصلا، حتى داخل البيوت ومن الأطفال، ثم في الوضع العام ومنه أن يكون المؤمنون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أمر جامع معه، ولذلك قالوا أن يكون الأمر الجامع من نحو العيدين والجمعة، وبعضهم وسع وقال أن يكون على أمر فيه مصلحة ظاهرة للمؤمنين أو لدرء خطر داهم فيستجيبون فيكونون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم إنهم يستأذنون كما قالت الآية الكريمة «لبعض شأنهم» فيفهم منه أن عندهم ما يدعوهم إلى الخروج بعد أن استجابوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقضون مأربهم ثم يعودون إلى الأمر الجامع الذي يكونون فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء الذين خُيّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأذن لهم وجعل فعلهم هذا علامة على الإيمان وجميل الخلق وحسن السجايا.

وقول من قال -ولعل هذا هو السبب في السؤال- أن هناك قولا منسوبا لابن عباس -رضي الله عنهما- أن آية التوبة منسوخة بآية النور، وجرى على هذا عدد من كبار المفسرين، لكن هذا لا يصح، فأولا لا حاجة إلى ادعاء النسخ؛ لأن الأوضاع مختلفة، فهناك نفير عام ودعوة، وهؤلاء يطلبون التخلف ويتركون الاستجابة، أما هؤلاء فقد استجابوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس هناك نفير عام.

وسورة النور هي أسبق نزولا من سورة التوبة فلا يجري عليه هذا النسخ، وقد فات هؤلاء هذا الأمر، ولذلك ارتاب بعض المفسرين في نسبة هذا القول إلى ابن عباس، ورأى أن النسبة غير صحيحة إليه، والله تعالى أعلم.

لماذا جاء في سورة الشعراء في قوله تعالى: «فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ» بإفراد رسول، في حين جاءت رسول في سورة طه: «فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ»؟

الحقيقة أن هذا الإعجاز البياني هو فوق ما يتصور الإنسان، فسورة الشعراء فيها تفاصيل أكثر لما دار بين موسى وهارون عليهما السلام مع فرعون، وأنها تعرض أشد المواقف بأكثر التفاصيل، كان ذلك في التعليق على ما ورد في سورة الشعراء من قول الله تبارك وتعالى: «يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ»، والآن عندنا مشهد في سورة الشعراء وفي سورة طه، في طه قال ربنا تبارك وتعالى: «فَأْتِيَاهُ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ» وفي الشعراء: «فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ» سورة طه فيها تلطف، فقال تعالى: «فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى» ولذلك تجد أن الصور المعروضة والمشاهد تعرض جانب التلطف، ومن هذا التلطف: «إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ» فالخطاب فيه إضافة إلى رب فرعون للتذكير أنه ربه تبارك وتعالى وأنا رسولان، أما في الشعراء فجاء بالإفراد وبالإضافة إلى العالمين، أولا من حيث الصناعة اللغوية يجوز في «رسول» الإفراد والتثنية والجمع، فهي من حيث الوضع اللغوي تصح، ففي الإفراد يلحظ المصدر، وفي التثنية والجمع يلحظ الاسم، وهذا هو الوارد في سورة طه، وفي الشعراء تلحظ الماهية ولا تلطف فيها فالإضافة ليست إلى المخاطب، والمقصود هو التذكير بالرسالة نفسها هذا هو الوجه الأول، وأننا وإن كنا رسولين إلا أن رسالتنا واحدة وقولنا واحد، وهذا المعنى الثاني، والوجه الثالث هو عكس الوجه الثاني، وكأن كل واحد منهما يؤدي هذه الرسالة، والأمر الرابع هو ما يتعلق بمعنى الوحدة أو الإفراد في هذه اللفظة لما يقولان إن رسول رب العالمين، فالمقصود مضمون الرسالة، والمقصود أننا ذو رسالة واحدة إليك، لتكون أقوى في البلاغ وأكثر تأثيرا في المتلقي، هذه هي الوجوه التي علقت بذهني في الفارق بين ما ورد في سورة الشعراء وما ورد في سورة طه، والله تعالى أعلم.