No Image
إشراقات

فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

30 أكتوبر 2025
30 أكتوبر 2025

في قوله تعالى: «فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ» الذي يُعرف أو يُذكر في القرآن الكريم في مواضع أخرى أن الذي بنى السفينة هو نوح عليه السلام، فمن هم أصحاب السفينة؟

صحيح أن نوحا عليه السلام هو الذي بنى السفينة بأمر ربه تبارك وتعالى، لكنه لم يبنها لنفسه، وإنما بناها بأمر الله تبارك وتعالى لأجل نجاته هو ومن آمن معه، فالله تبارك وتعالى يقول: « قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ»، فأصحاب السفينة هم هؤلاء، نوح عليه السلام، ومن آمن معه من أهل بيته ومن المؤمنين معه، مع وصف الله عز وجل لجماعة المؤمنين الذين كانوا مع نوح بأنهم قليل، ولكنهم هم أصحاب هذه السفينة، فهو الذي بنى السفينة بأمر ربه، وهناك بعض الآثار أن ذلك كان بإيحاء من الله تبارك وتعالى وبعونٍ من الملائكة.

وأما استعمال هذا الوصف فهو للدلالة على أن نوحا عليه السلام أرادها لما أمره به ربه تبارك وتعالى، فقد أُمر بصناعتها أولا، ثم أُمر بأن يُحمَل فيها من آمن معه من أهل بيته ومن المؤمنين معه، وأن يُحمَل فيها من كل زوجٍ اثنين، من كل زوجٍ من الحيوانات، وقيل إنما هي من الحيوانات التي يحتاج إليها وكانت عندهم وتقوم بها أود حياتهم، وهذا أقرب إلى المعنى.

ولكن وصف «أصحاب السفينة» إنما يصدق على العقلاء، وهم الذين آمنوا مع نوح عليه السلام، ويؤخذ من هذا الوصف ما تقدمت الإشارة إليه، من أن نوحا عليه السلام قد بناها لهم لأجل تنجيتهم من الطوفان، ويُفهم من ذلك أن السفينة كانت حقّا لهم، حقّا للمؤمنين، أي لم يكن ذلك بكراء، وأن الله تبارك وتعالى قد أعلى منزلة هؤلاء المؤمنين بأن كانوا مع نوحٍ عليه السلام في هذه السفينة، وأضافها إليهم، ، هذه المعاني تؤخذ من هذا الوصف، والله تعالى أعلم.

إذا كان المصلى الذي تُصلي فيه النساء متقدِّما على موضع الإمام، فهل يصح؟

لا، في هذه الحالة لا يصح أن تكون الصفوف، لا للرجال ولا للنساء من باب أولى، متقدِّمة على موضع الإمام، ففي هذه الحالة على النساء أن يُصلِّين صلاة أنفسهن، ولا يُتابعن الإمام، لا في فريضة ولا في نافلة، إلّا أن يكون من الممكن أن يتأخَّرن داخل المصلى، أي يتأخَّرن عن موضع الإمام، كأن يكون موضع المصلى على أحد جانبي المسجد ولكنه متقدِّم قليلا، فيمكن للصفوف أن تتأخَّر داخل المصلى، أمّا أن تتقدَّم الصفوف، فذلك لا يصح، أي لا تصح المتابعة، ولا يصح أن يُصلِّين خلف الإمام صلاة جماعة، لا في فريضة ولا في نافلة، والله تعالى أعلم.

من يكون في المستشفى وقد رُكِّبت فيه أجهزة تمنعه من الوضوء ومن التيمم كذلك، كيف تكون صلاته؟

أولا لا شك أن الأمر إذا ضاق تسع، وأن المشقة تجلب التيسير، لكن قبل أن نصل إلى بيان هذه الرخصة، لا نريد للناس أن يُسلِّموا أنفسهم للظروف والأحوال، ظانِّين أنهم عاجزون عن استعمال الماء أو عن الانتقال إلى التيمم، ليجتهدوا قدر استطاعتهم، وبإذنٍ من الفريق الطبي المشرف عليهم، فليأتوا بالتيمم، على أقل تقدير إن كانوا عاجزين أو ممنوعين من استعمال الماء، فلا أقل من أن يتيمموا.

والتيمم أمر بسيط يسير، فيمكن أن يكون بشيء من الصعيد الطيب، ولو على حصاة، أو في منديل، لكن إن كانت أحوالهم بسبب المرض تمنعهم من ذلك كله، فهنا يُقال إنهم يؤدون الصلاة، منهم من يقول ولو كان بما على الفراش الذي هم فيه من غبار وذرات، ومنهم من يقول سقطت عنهم هذه الفريضة للمانع، ولكن لا تسقط عنهم فريضة الصلاة، ففي كل الأحوال عليهم أداء الصلاة، فإن لم يتيسر لهم أبدا الإتيان بالتيمم، ففي هذه الحالة يؤدون الصلاة ولو بدون تيمم، والله تعالى المتقبِّل.

ما هو الخشوع في الصلاة؟ هل هو درجات؟ وهل هناك غلوّ في محاولة الوصول إليه؟ وهل يجوز للمصلي أن يُوليه اهتماما أكبر في الفرائض دون النوافل مثلا؟

الخشوع معلوم، وإن كان كثير من الناس لا يُحسن التعبير عنه، ولعلّه من أجل ذلك نجد تعريفات كثيرة للخشوع، لأنه في حقيقته معلوم، ولكن قد لا يتأتّى أن يُعبَّر عنه تعبيرا دقيقا وافيا جامعا مانعا، لكن للتقريب، فإن الخشوع يُقصد به حضور القلب والعقل مع التذلل لله تبارك وتعالى، وتعظيم عظيم المقام، وإجلال هذه الهيئة التي هو فيها، أي المصلّي، وهو مُقبل على ربّه تبارك وتعالى بأدائه لهذه الصلاة، متدبّرٌ فيما يقول من أقوال الصلاة من تسبيحٍ وتكبيرٍ وتلاوةٍ للقرآن الكريم وسائر أقوال الصلاة، مجموع هذه الحالة التي ينصرف فيها قلبه إلى الله تبارك وتعالى بتذلّلٍ وسكون نفسٍ وتعظيمٍ للمقام، ورجاءٍ لما عند الله عزّ وجل، وخوفٍ من وعيده مجموع هذه الأوصاف هو الذي يُعرَف بأنه الخشوع.

والناس يتفاوتون فيه، فمنهم من يكون نصيبه من الخشوع يسيرا، ومنهم من يتمكّن أن يبلغ بخشوعه حدّ الانصراف الكلّي إلى الله تبارك وتعالى في صلاته تلك، فينصرف عن الدنيا وما فيها، ويُقبل على الله تبارك وتعالى بقلبه وعقله، وتسكن جوارحه تبعا لذلك بكل تذلّلٍ وسكونٍ وطمأنينةٍ وإقبالٍ على الله عزّ وجل، كأنه يُصلّي صلاة مودّع، وبين هذا وذاك درجات يتفاوت فيها الناس.

أمّا أن نصف من يحاول أن يخشع في صلاته بالغلوّ في الخشوع، فلا أعرف وجهه، فهو المكلَّف المأمور بأن يسعى قدر استطاعته، لأن الله تبارك وتعالى حينما أثنى على المصلين، أثنى على الذين يُقيمون الصلاة، وأثنى على الخاشعين في الصلاة، فقال: « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ»، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وعمود الصلاة الخشوع»، وصلاة بلا خشوع كأنها مجرد حركات ظاهرة لا روح فيها، تفقد روحها ومعناها، نعم، تفقد جوهرها.

فالخشوع هو جوهر الصلاة وهو روحها، وعلى المصلّي أن يجتهد قدر استطاعته في تحقيق هذا الوصف أثناء صلاته، ولا شك أنه أحوج إلى الخشوع في أداء الفرائض، وهذا لا ينفي احتياجه للخشوع عند أدائه للنوافل، ولكنه يكون أكثر احتياجا للفرائض، لأنها هي التي أمره الله تبارك وتعالى بها على سبيل اللزوم والوجوب، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيما يرويه عن ربه، قال: «وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضتُه عليه»، فهذه فرائض، والصلاة ركن، الركن العملي الأول، فلكل شيء عمود، وعمود الدين الصلاة، وعمود الصلاة الخشوع، فهذا ما يتعلّق بالخشوع، لعله باختصارٍ وإيجازٍ عسى أن يكون وافيا، والله تعالى أعلم.