فتاوى: يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
23 أكتوبر 2025
23 أكتوبر 2025
- طالب في مرحلة الحلقة الثانية في المدرسة، يقول: عندما يكون مشغولًا بالأذكار الصباحية والمسائية وتناديه أمه في أمرٍ معين، هل عليه أن يقطع الذكر ويستجيب لأمه أم يستمر؟
الأصل أن إجابة الأم مقدّمة على ما سواها من النوافل والقربات التي يتقرب بها المرء إلى ربه تبارك وتعالى، وذلك لعظيم حق الأم على المكلَّفين. هذا هو الأصل.
ولكن إن عُلِم من أحوال البيت أن النداء في مثل ذلك الوقت ليس لأمرٍ ذي أهمية بالغة، ولا الأم في عجلة من أمرها، وإنما لعلها تريد أن تتفقد ولدها، أو يمكن أن يُكتفى بغيره لعِلمه بوجود غيره من إخوته وأخواته، فيُوسَّع له ولا يُضيَّق عليه، فلينهِ الذكر الذي هو فيه، ثم ليُجِب أمه. هذا مجرد استثناء بُني على العرف والعادة ومألوف أحوال الأسر والبيوت.
وإلا فالأصل – خصوصًا إذا تكرر النداء من الأم – أن يُجيب الولد أمه وأن يُبادر إلى ذلك، ولا حرج عليه في أن يتوقف عند حدٍّ ما في الذكر الذي هو فيه حيث يُحسن الوقوف، وليبتغِ رضا الله تبارك وتعالى بإجابته لنداء أمه، فهو في كل أحواله في طاعة وعبادة يؤجر عليها عند الله تبارك وتعالى.
ولعل إجابته لأمه تكون سببًا لعظيم الأجر في الذكر الذي هو فيه، أو لإجابة دعائه إن كان يدعو ربه تبارك وتعالى، فهذا هو فقه هذه المسألة.
وهذا الاستثناء أردت به أيضًا ألا يضيّق الآباء والأمهات على أولادهم، فقد لا يكون الأمر الذي دعوهم لأجله من الأمور العاجلة التي لا يسع فيها التأنّي، ويمكن أن يكون ذلك كما تقدم إنما هو من باب الاطمئنان على أحوال الأولاد لا لطلب أمرٍ مخصوص. نعم، فحتى لا يضيّقوا أيضًا على أولادهم بما سمعوه من جواب في هذه المسألة، فينقلب ما أريد له أن يكون طاعة لله تبارك وتعالى إلى خلاف ذلك لا قدّر الله فهذا من باب التنبيه فقط، والله تعالى أعلم.
- هل يلزم الجد أن يعدل بين أحفاده في العطيّة؟
لزوم العدل في العطيّة والهبة للأولاد من الأب أو الأم أمر متقرر شرعًا، فلقد أتى بشيرٌ رسولَ الله ﷺ يستشهده في عطيّة أعطاها لولده النعمان، فقال له عليه الصلاة والسلام: «أكل ولدك نحلت؟» قال: لا. فقال صلى الله عليه وسلم: «اذهب فإني لا أشهد على جور».
وفي روايات أخرى كرر عليه الصلاة والسلام قوله: «اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم».
فهذا الحكم متقرر، وهو وجوب العدل في العطيّة بين الأولاد من الأب أو أحد الوالدين. والجمهور يُلحقون الأم بالأب، لأن العلة التي بُني عليها الحكم هي الوالدية، ولمراعاة ما يمكن أن ينشأ في نفوس الأولاد حين التمييز أو الإيثار بينهم في العطيّة.
الآن السؤال هنا: هل يشمل هذا الحكم وهو وجوب العدل في العطيّة الجدَّ، في المسألة خلاف. فقيل: إن الجد أبٌ مطلقًا، وعلى هذا فهو كالأب في لزوم العدل بين الأولاد في العطيّة. وذكر الشيخ القطب- رحمه الله تعالى- أن هذا القول هو قول ظاهر الديوان أي ديوان الأشياخ ، وهو أن الجد كالأب، وعلى هذا فيجب عليه أن يعدل بين أحفاده في العطيّة.
وأضاف إلى ذلك أن القرآن الكريم استعمل لفظ الآباء على الأجداد أيضًا، فقد حكى ذلك على لسان أولاد يعقوب وعلى لسان يوسف عليه السلام في كتاب الله عز وجل، فسمّى الأجداد آباء. وعلى هذا فهم يدخلون في هذا الحكم.
ونظر أيضًا إلى المقصود من لزوم العدل بين الأولاد في العطيّة، فقال: هذا يحصل بنفي ما يمكن أن ينشأ في نفوس الأولاد من المشاحنة والعداوات بسبب التمييز والإيثار. فهذه هي أدلة – أو أشهر أدلة – القائلين بلزوم العدل بين الأولاد في عطيّة الجد.
وقيل: إن هذا الحكم خاص بالآباء والأمهات لا بالأجداد والجدات، وذلك لأن الجد ليس كالوالد من وجوه، منها أنه يُحجب بالوالد في الميراث، وأنه لا يُباح له أن يأخذ من مال حفيده كما يُباح للأب.
ومنهم من فرّق بين البالغين وغير البالغين، فأوجب على الجد العدل مع القُصّر غير البالغين، ولم يرَ أن ذلك يلزم في حالة الإعطاء للبالغين، لأن المعنى الذي من أجله شُرع هذا الحكم منتفٍ عند البالغين، وهو ما ينشأ في نفوسهم من الغيرة والمشاحنة والشعور بالإيثار والتمييز.
فهذه أشهر ثلاثة أقوال في المسألة، ولكن القول الأول أظهر، وهو أن الجد أب، فيلزمه العدل بين أحفاده في العطيّة.
وما ذكره رسول الله ﷺ من تعليق الحكم على الوالدية فإنه صادق في الأجداد أيضًا، وإن كان هناك من فرّق بين الأبوة والوالدية، ولكن هناك روايات ورد فيها استعمال ألفاظ الأبوة، ولأن المعنى الذي من أجله رُوعي هذا الحكم هو العدل، واجتناب ما يمكن أن ينشأ في نفوس الأولاد من خصومات وتنازع، سواء كانوا صغارًا أو كبارًا. فمن أجل ذلك يظهر رجحان القول الأول،
ومن جهة البنات والأولاد أيضًا، نعم، من جهة جميع الأولاد، وإن كان قد اختلف في كيفية هذا العدل بين الذكور والإناث؛ فمنهم من يقول إنه على السويّة، لا فرق بين الذكور والإناث، ومنهم من يقول إنه كالمواريث، فللبنات نصف ما يكون للأولاد.
وقد تقدم الجواب في مناسبات عديدة أن قسمة الميراث قسمة استأثر الله تبارك وتعالى بها لنفسه، فلا يمكن أن تُعلّل ولا يُقاس عليها، فهي قسمة خاصة، أما مقتضى العدل فهو التسوية، ولذلك كانت الفتوى في شأن عدل الأبوين في العطيّة بين الذكور والإناث أن يكون ذلك بالتساوي.
وتقدم أيضًا تقييد أن هذا في محض العطيّة، لا فيما يكون ناشئًا عن مكافأةٍ على أمرٍ مشروع، أو أن يكون ذلك عن ضمانٍ أو حقٍ، أو أن يكون ذلك لأجل سببٍ لا يتضمن إيثارًا، لأن مثل هذا السبب لو وُجد عند غير ذلك الولد لأُعطي كما أُعطي هذا الذي حصل معه السبب. فهذه الصور خارجة، وإنما الكلام عن محض الهديّة أو الهبة المحضة التي تكون على سبيل الإعطاء والتمليك. وقد رأينا كثيرًا من الأحوال التي تنشب فيها الحزازات في النفوس بسبب عدم مراعاة هذا الحكم الشرعي، سواء كان ذلك من الآباء أو من الأجداد أيضًا، والله تعالى أعلم.
