لماذا اهتمّت وسائل الإعلام الدولية فجأة بالسودان؟

25 نوفمبر 2025
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
25 نوفمبر 2025

حين تحوّلت حرب السودان، المستمرة منذ أكثر من عامين، إلى مذابح عرقية واسعة، لم يعد بوسع الصحفيين الغربيين التغاضي عمّا يحدث.

كانت هناك لحظة في عام 2023 ظهر فيها السودان في كل نشرات الأخبار. تصدّرت العناوين الصفحات الأولى، وتقدّمت أخباره نشرات التلفزيون، وازدحمت حسابات كبار الصحفيين على مواقع التواصل بالحديث عنه. وظهرت حتى «مدونات مباشرة» تتابع الأحداث لحظة بلحظة.

كان ذلك في أبريل، حين اندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وبدأ الناس يفرّون من العاصمة الخرطوم مع اشتداد المعارك. كانت الفوضى في كل زاوية، والرصاص يتطاير بلا توقّف. لكن ذلك، على أهميته، لم يكن ما أثار اهتمام الإعلام الغربي. تركّزت تغطيته على الأجانب، ومعظمهم من البيض، الذين وجدوا أنفسهم عالقين في أتون الحرب.

كيف سيغادر هؤلاء البلاد؟ بدأت قصة «إنقاذ الأجانب» في بلدٍ إفريقي تمزّقه الفوضى. أطلقت فرنسا عملية ساجيتير (عملية إخلاء)، وأنقذت مئات الأشخاص، وقامت الولايات المتحدة بإجلاء موظفي سفارتها، وأرسلت بريطانيا ست طائرات من سلاح الجو الملكي البريطاني لإنقاذ بريطانيين عالقين. وامتلأت شاشات التلفزيون بتحليلات متتابعة عن عمليات الإخلاء تلك.

وعندما وصل المُخَلَّصون إلى بلدانهم، أجرت معهم المؤسسات الإعلامية مقابلات لعدة أيام حول فرارهم «الدرامي». لكن ما إن عاد الأجانب إلى حياتهم، حتى تراجع اهتمام الإعلام «الدولي» شيئًا فشيئًا. وماذا بقي؟ «أفارقة يقتلون أفارقة»، وهي حكاية لا تستحق المتابعة، على ما يبدو.

خلال العامين ونصف التاليين، لم تتوقف الحرب. تفاقمت، وازدادت سوءًا. قُتل عشرات الآلاف، ونزح 12 مليونًا، ومات آخرون جوعًا بينما كانت المنظمات الإنسانية عاجزة عن مواكبة حجم المأساة. أصبح السودان إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية على وجه الأرض، لكن أغلب الناس حول العالم لم يكونوا ليعرفوا ذلك أصلًا.

حتى الشهر الماضي. فبعد حصار دام 18 شهرًا، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور. بعدها بدأت المذابح. وعلى الرغم من صعوبة التحقق من الأرقام، فإن عمليات القتل ذات الطابع العرقي كانت واسعة، إلى درجة أن آثارها ظهرت من صور الأقمار الصناعية. وأخبر ناجون صحيفة ميدل إيست آي أنهم شاهدوا مقاتلي الدعم السريع يغتصبون ويقتلون المدنيين ويعتدون عليهم.

بل إن عناصر من قوات الدعم السريع اعترفوا صراحة بارتكاب الإبادة الجماعية.

ومع بدء الصحفيين والنشطاء السودانيين دق ناقوس الخطر، وتصاعد الانتقادات الموجّهة إلى دول عربية أشارت تقارير عديدة إلى أنها الداعم الرئيسي لقوات الدعم السريع، لم يعد الإعلام الغربي قادرًا على تجاهل ما يجري. فجأة ظهرت التغطيات، والمقالات التحليلية، والتقارير، والمنشورات، والتعبيرات الحزينة. مقالات معمّقة تبحث في الحرب بالوكالة، وتتساءل عن دوافع دعم الطرف المهاجم.

كانت هناك تغطية جيدة بالفعل. لكن المشكلة أنها جاءت متأخرة جدًا. ومع ذلك، لم يكن ذلك حتميًا. فمنذ الأيام الأولى للنزاع، كانت هناك مجموعة صغيرة من الصحفيين تتابع كل تطور، آملين أن ينتبه العالم.

في المقدمة كان الصحفيون السودانيون الذين عملوا في ظروف شديدة الخطورة، وهم يدركون أن العالم لا يُصغي لهم. كما قامت مؤسسات عربية عدة بتغطية الحرب، وكانت مراسلة قناة الجزيرة الإنجليزية، هبة مورغان، تقدم تغطيات استثنائية وشجاعة.

حتى في المؤسسات الغربية، تلك التي أُحملها المسؤولية عن التجاهل، وُجد مراسلون ممتازون. أبرزهم الصحفية السودانية يسرى الباقر في قناة سكاي نيوز، التي لم تتوقف يومًا عن متابعة الأحداث، وهزّتنا جميعًا عندما عثرت على عمّها بين النازحين. وكذلك ليندسي هيلسوم من القناة الرابعة البريطانية، التي تستحق الإشادة. لكن مراسلًا أو اثنين لا يصنعان ضجيجًا كافيًا. وحتى إذا بُثّت تقارير جيدة، فهذا لا يعني أنها ستحظى بالاهتمام.

غالبًا ما تُدفن القصص الإفريقية في أعماق مواقع المؤسسات الإعلامية الدولية، أو تُمنح دقيقتان في نهاية نشرة الأخبار. ربما تُنشر تغريدة أو اثنتين، لكن القصص الإخباريّة لا تتصدر العناوين، ولا يُستضاف المراسلون مباشرة من عواصم القارة. القصص الإفريقية، بالنسبة للإعلام الغربي، تأتي دائمًا في الهامش.

في أواخر العقد الأول من القرن الحالي وبدايات العقد التالي، كنت أعمل مراسلًا لوكالة رويترز للأنباء، مقيمًا في إثيوبيا وأوغندا. وما زلت أتذكر الإحباط وأنا أرى تقارير مهمة تُنشر ثم تختفي بلا أثر. وفي عام 2011، اندلعت احتجاجات في أوغندا بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، وواجهتها السلطات بعنف شديد. في العاصمة كمبالا رأيت المتظاهرين يشعلون الحواجز، وقوات الأمن تطلق الرصاص الحي والرصاص المغلّف بالمطاط والغاز المسيل للدموع.

كانت هناك ميليشيا موالية للحكومة تُعرف بـ«فرقة كيبوكو» تهاجم الناس بالهراوات، والشرطة تنظر بصمت. وبينما كنت أهرب من جنود هددوني بالاعتداء إذا لم أغادر، دخلت زقاقًا فرأيت جثة أحد المتظاهرين. وقُتل كثير غيره. لقد كان المشهد دراميًا ومهمًّا، وله آثار كبيرة محتملة على أوغندا والمنطقة. لكن عندما تحدثت مساءً مع أصدقاء في الغرب، لم يكن أحد منهم يعرف شيئًا عن الأمر.

وفي العام نفسه، وثّق مراسلو الوكالة في الصومال معاناة الناس في خضم المجاعة. ولن أنسى كيف تجاهل العالم ذلك كله. إن وكالة رويترز ووكالات أخرى مثل وكالة الصحافة الفرنسية، ووكالة أسوشييتد برس هي بمثابة «تجار جملة» للأخبار. لكن للوصول إلى الجمهور العام، كنا بحاجة إلى «تجار التجزئة»، أي الصحف والقنوات الكبرى، لنشر ما نكتب. وغالبًا، لم تكن تلك المؤسسات تكترث. وفي تغطية السودان، برزت صحفيات مثل نفيسة الطاهر في وكالة رويترز بتحقيقات عميقة. لكن المؤسسات الكبرى، للأسف، لم تبد اهتمامًا يُذكر.

ولكن لماذا يصعب دفع صنّاع القرار الإعلامي للاهتمام بأفريقيا؟ يقول بعض الصحفيين: إن هذه المناطق صعبة الوصول، أو إن قصصها معقدة. ويضيفون أن قضية فلسطين تحظى بتغطية واسعة لأن القوى الغربية منخرطة بشكل مباشر فيها، ولأنها حليفة لإسرائيل، ولأن الإبادة ما كانت لتحدث من دون دعم تلك القوى. وأنا أتفهّم ذلك جزئيًا. لكنه ليس السبب الوحيد.

هناك أمر أعمق، وهو أن الكثير من الصحفيين البيض يرون أنفسهم في الصورة الإسرائيلية. فالإسرائيليون يُنظر إليهم باعتبارهم «غربيين»، وهذا يعني الكثير. كما أن الفلسطينيين تعرّضوا للتجريد من إنسانيتهم على يد أولئك الصحفيين أنفسهم.

ظهر القناع جليًا في عام 2022 عندما غزت روسيا أوكرانيا، وبدأت موجات اللجوء. كانت اللغة التي استخدمها المراسلون والمذيعون البيض كاشفة. قال بعضهم: إن أوكرانيا ليست «مثل العراق أو أفغانستان». وقال آخرون: إن الأوكرانيين «حضاريون» و«أوروبيون» و«يشاهدون نتفليكس» و «لديهم إنستغرام و«يشبهوننا».

لقد ظهر كل شيء بوضوح. هكذا يرى الإعلام الغربي العالم. العنصرية، سواء اعترفوا بها أم لم يفعلوا، هي التي تحدد ما إذا كانت قصة ما تستحق التغطية أم لا. ولا يزال هذا يحدث حتى الآن.

لم يكن يجب أن يستغرق الأمر وقوع مذابح جماعية لكي تستيقظ وسائل الإعلام الكبرى. فإذا كنت تدّعي تقديم «أخبار دولية»، وإذا كنت تزعم تغطية أخبار العالم كاملا، فعليك أن تعامل حياة غير البيض بالقيمة نفسها التي تعامل بها حياة البيض. لأن قيمتهم الإنسانية متساوية.