لا بد أن تواجه أمريكا تطرف إسرائيل

06 يناير 2024
06 يناير 2024

ترجمة - أحمد شافعي -

أثار عضوا الحكومة الإسرائيلية المنتميان إلى أقصى اليمين، وزير الأمن القومي إيتامار بن جفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ضجةً دوليةً هذا الأسبوع بدعوتهما إلى إخلاء غزة من السكان، فقد قال سموتريتش داعيًا إلى إعادة توطين أغلب سكان غزة المدنيين في بلاد أخرى إنه «إذا ما صار في غزة مائة ألف أو مائتا ألف لا مليونين من السكان فإن حوار -اليوم التالي- برمته سوف يبدو مختلفا، وقال بن جفير: إن هذه الحرب تمثل «فرصة للتركيز على تشجيع هجرة سكان غزة وتيسير الاستيطان الإسرائيلي في المنطقة».

لقد انضمت إدارة بايدن إلى بلاد من شتى أرجاء العالم في إدانة هذا التأييد السافر لهذه الإبادة الجماعية، لكنها وهي تدين ذلك، تصرفت وكأن استفزازات بن جفير وسموتريتش تتعارض جوهريا مع رؤية رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي تستمر أمريكا في مساندته مساندة غير مشروطة، ففي بيان يستنكر تصريحات الوزيرين ويعدها «تحريضية عديمة المسؤولية» قالت وزارة الخارجية «إننا قلنا مرارًا وتكرارًا للحكومة الإسرائيلية، والوزيران جزء منها، إن هذه التصريحات لا تعبّر عن سياسة الحكومة الإسرائيلية».

وقد وجَّه النائب الديمقراطي جيم ماكجفرن -الذي دعا إلى وقف إطلاق النار- الشكر لوزارة الخارجية عبر منشور في مواقع التواصل الاجتماعي قائلا إنه «لا بد أن يكون واضحًا أن أمريكا لم تصدر شيكا على بياض لتهجير جماعي».

لكن هذا غير واضح، لأننا نصدر شيكا على بياض لحكومة يبدي رئيسها قدرا من التكتم بشأن نواياه تجاه غزة يفوق قليلًا بن جفير وسموترتش، فقد قال نتانياهو هذا الأسبوع -حسبما أوردت وسائل إعلام إسرائيلية- إن الحكومة تدرس «سيناريو استسلام وترحيل» لسكان قطاع غزة. (وقد نقلت بعض الوسائل الإعلامية أن نتانياهو كان يقصد قادة حماس فقط). ووفق ما ورد في مقالة بـ(تايمز أوف إسرائيل) فإن «إعادة توطين الفلسطينيين من سكان غزة -طوعيا- تتحول ببطء إلى سياسة رسمية أساسية للحكومة، في ظل قول مسؤول كبير إن إسرائيل أجرت محادثات مع بلاد عدة من أجل استيعاب محتمل -للسكان الفلسطينيين».

أنكر البعض من الحكومة الإسرائيلية هذا، وذلك في الغالب على أساس أنه يفتقر إلى العملية. فقد قال مسؤول مشترطا عدم الإفصاح عن هويته لصحفيين إسرائيليين «إن هذا في رأيي وهم لا أساس له، فما من بلد سوف يستوعب مليوني نسمة، أو مليونًا، أو مائة ألف، أو خمسة آلاف». وفي يوم الخميس الماضي أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت خطة لليوم التالي جاء فيها أنه خلافًا لأحلام القوميين المتطرفين لن يحدث استيطان إسرائيلي في غزة.لكن مع استشراء تدمير البنية الأساسية المدنية في غزة، ومن ذلك قرابة 70% من المساكن، تحيل إسرائيل أغلب غزة إلى مناطق غير قابلة للسكنى في المستقبل المنظور. وينتشر في غزة المرض، والجوع يعمها تقريبا، وتفيد تقارير الأمم المتحدة بأن أغلب القطاع معرض لخطر المجاعة. ووسط كل تلك الأهوال، نرى أعضاء في حزب الليكود التابع لنتانياهو -من أمثال داني دانون سفير إسرائيل السابق في الأمم المتحدة وجيلا جمليل وزيرة المخابرات الإسرائيلية- يدفعون بالهجرة باعتبارها حلًا للمشكلة الإنسانية.

فقد كتبت جمليل في جيروزاليم بوست تقول: إنه «بدلا من توجيه المال إلى إعادة بناء غزة أو إلى وكالة أونروا الفاشلة» التي تتبع الأمم المتحدة وتعمل مع اللاجئين الفلسطينيين «فإن بوسع المجتمع الدولي أن يساعد في تكلفة إعادة التوطين، ومساعدة أهل غزة على تأسيس حياة جديدة في بلادهم المستضيفة الجديدة».

وهذا في الوقت الراهن وهم بشع. ولكن مع تصاعد معاناة غزة، قد يبدو نوع ما من الإجلاء ملاذا ضروريا أخيرا. أو هذا على الأقل ما يبدو أن مسؤولين إسرائيليين كبارا يعولون عليه.

بعد هجمة حماس السادية على إسرائيل في السابع من أكتوبر، كان للرد الإسرائيلي ما يبرره، وأي بلد آخر كان لا بد أن يرد. لكن هناك فارق بين الحرب التي يريد أنصار إسرائيل الليبراليون التظاهر بأن إسرائيل تخوضها في غزة، وبين الحرب التي تخوضها إسرائيل هناك بالفعل.

فالديمقراطيون من أنصار إسرائيل يريدون أن يدعموا حربًا لإزالة حماس من غزة. لكن يبدو على نحو متزايد وكأن أمريكا تقر حربًا لإزالة أهل غزة من غزة. وبوسع خبراء القانون الدولي أن يتناقشوا في ما لو أن التهجير القسري للفلسطينيين من غزة قابل للتصنيف بوصفه إبادة جماعية مثلما تزعم جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية، أم هو قابل للتصنيف في فئة أدنى من جرائم الحرب. ولكن مهما تكن التسمية التي تريدون أن تسموا بها محاولات «تقليل» سكان غزة -على حد وصف صحيفة (إسرائيل هايوم) العبرية لمقترح نتنياهو- فإن الولايات المتحدة متورطة في هذه المحاولات.

وحين يتصرف صناع السياسة الأمريكيين وكأنه يمكن فصل بن جفير وسموتريتش عن الحكومة التي يعملان فيها، فإنهم يمعنون في إنكار طبيعة حكم نتانياهو. إن جو بايدن كثيرا ما يتكلم عن لقائه سنة 1973 بجولدا مائير -رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك- ويبدو أن آراءه في بعض الأحيان، شأن آراء كثير من الصهاينة الأمريكيين، عالقة في تلك الحقبة.

ولو أنكم نشأتم في منزل صهيوني ليبرالي -مثلما نشأت أنا- فلعلكم سمعتم ذلك القول المنسوب (ربما على سبيل التلفيق) إلى جولدا مائير: «عندما يحين الوقت الذي يحل فيه السلام ربما يحين الوقت الذي نستطيع أن نغفر فيه للعرب قتلهم أبناءنا، لكن سيكون أصعب علينا أن نغفر لهم إرغامنا على قتل أبنائهم». يمكن انتقاد الكثير في هذا القول (من قبيل الاعتداد بالذات، وطريقة تصوير إسرائيل بوصفها الضحية حتى وهي تمارس القتل) لكن يظل أنه على أقل تقدير يشي بعذاب موقف متناقض من ممارسة العنف. ولكن هذا الموقف الذي يسميه الإسرائيليون في بعض الأحيان «السبق بالضرب والسبق بالبكاء» عفى عليه الزمن مثلما عفى على اشتراكية مائير، أو هو كذلك على الأقل في أوساط القيادة الإسرائيلية.

قال صديقي دانيال ليفي، المفاوض الإسرائيلي السابق مع الفلسطينيين والرئيس حاليًا لمشروع الولايات المتحدة للشرق الأوسط: إن في أوساط الساسة الأمريكيين والأوروبيين «رفضا عمديا للتعامل بجدية مع مدى تطرف هذه الحكومة، سواء قبل السابع من أكتوبر أو في أعقابه». وإنني أجد في نفسي ميلًا إلى القول بأن بن جفير وسموتريتش ما قالا بصوت مرتفع تصريحات تقال بصوت خافت، لكن الحقيقة أنهما قالا بصوت شديد الارتفاع ما يقال أصلا بصوت مرتفع.

ميشيل جولدبرج تكتب مقالات الرأي منذ عام 2017، وهي مؤلفة العديد من الكتب في السياسة والدين وحقوق المرأة.

خدمة نيويورك تايمز