في العام الجديد..عناصر أمل وتفاؤل !!

02 يناير 2023
02 يناير 2023

انقضى عام 2022 ليتخذ مكانه في سجل التاريخ، بما شهده من أحداث وتطورات وحروب وصراعات ستظل آثارها قائمة لفترات متفاوتة، بالنسبة للكثير من الدول والشعوب وبأشكال مختلفة أيضا، وهو ما يشهد عادة الكثير من الجدل والخلافات في وجهات النظر، وفق المنظور الذي يتم منه النظر إلى الأحداث ورؤيتها وتقييمها من خلاله، وهو أمر بديهي في ظل تباين الرؤى والمواقف والمصالح ومن ثم المنطلقات، وعلى قاعدة النسبية، التي تتيح الفرصة لمختلف وجهات النظر دون ادعاء بامتلاك أو احتكار الحقيقة المطلقة أو الكاملة من جانب طرف بعينه.

ومع بداية عام 2023، الذي نتمناه عاما أكثر هدوءا ويحمل معه بشائر المزيد من السلام والاستقرار والتقارب بين الدول العربية والإسلامية، فإنه من الطبيعي أن ملامحه وخطوطه الأساسية، هي في الجانب الأكبر منها تعد امتدادا بشكل أو بآخر لمحصلة العام الذي غادرناه للتو، مع التفاعل مع مختلف التطورات التي تطرح نفسها، أو تفرضها مصالح هذا الطرف أو ذاك. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى بعض عناصر الأمل والتفاؤل، في العام الجديد على الساحة العمانية على سبيل المثال، ولعل من أهمها أولا: أنه ليس من المبالغة في شيء القول بأن انتخابات الفترة الثالثة للمجالس البلدية للمحافظات، التي جرت يوم 25 ديسمبر الماضي، وتم خلالها انتخاب 126 عضوا على مستوى سلطنة عمان، تشكل نقلة نوعية في إنجاز عملية الانتخابات إلكترونيا بكل مراحلها من ناحية، وتفتح المجال، كما هو مأمول، أمام الانتقال بأداء وفاعلية المجالس البلدية في المحافظات، والتعاون بين المجالس البلدية ومؤسسات الدولة، برلمانية وتنفيذية، إلى مستويات أعلى، أكثر نشاطا ومشاركة وحيوية ومبادرة نحو كل ما يعود على المواطن والمجتمع والدولة بالخير والازدهار والاستفادة الأفضل من الموارد الوطنية المتاحة في مختلف المحافظات من ناحية ثانية. ولعل ما يعزز هذا الأمل أن انتخابات الفترة الثالثة كانت إضافة حقيقية وملموسة لخبرة سلطنة عمان في إجراء الانتخابات العامة إلكترونيا في كل مراحلها من الألف إلى الياء، وبينما لم يتم استخدام الأوراق في أي من مراحل التسجيل والترشيح والتصويت والفرز وهو ما أطلق عليه -صفر ورق- فان نجاح سلطنة عمان في إنجاز هذه العملية بسهولة ويسر بدرجة كبيرة – بغض النظر عن بعض المشكلات الفنية المرتبطة ببعض المواقع الجبلية وحالات ضعف الشبكة أحيانا، هو أمر يحسب فنيا وتقنيا وإداريا ولوجستيا لوزارة الداخلية وللجنة الرئيسية المشرفة على عملية الانتخابات ولمختلف الجهات التي شاركت في الإعداد وفى تنفيذ ومتابعة مراحل الانتخابات التي بدأت منذ عدة أشهر في الواقع.

ومن يتذكر حجم وشكل جهاز الحاسب الآلي الذي تم استخدامه في عام 2016 في انتخابات الفترة الثانية، وكان البرنامج المستخدم فيه من تصميم الكوادر العمانية، يلمس وعلى نحو واضح مدى النقلة النوعية الكبيرة المتمثلة في سهولة وسرعة وكفاءة الأداء باستخدام الهاتف الذكي في عمليات التسجيل والتصويت واستخدام الحاسب اللآلي في عمليات الفرز ورصد النتائج وتصنيفها بسهولة. ونظرا لأن ذلك لم يكن مجرد تطور تلقائي، ولكنه نتيجة جهد وعمل كوادر عمانية مدربة وتملك الخبرة والقدرة على خوض التجربة بعد أتمتة كل المعلومات والبيانات ذات الصلة بمراحل عملية الانتخابات لتيسير استخدامها عن طريق الحاسب الآلي، فإنه يمكن القول بأن السلطنة لديها الآن تجربة ناجحة ومتكاملة ومتطورة في إجراء الانتخابات العامة بكل مراحلها إلكترونيا ومن خلال الهاتف الذكي، ومن ثم انتهاء الأسلوب التقليدي المتمثل في اللجان والمقار الانتخابية والصناديق ولجان الفرز والطوابير وكل ما يترافق مع ذلك من جهد ووقت ونفقات، أكد سعادة المهندس وكيل وزارة الداخلية أنها " وفرت كثيرا مقارنة بما كان من قبل "، فضلا عن تسهيل عملية التصويت باستخدام الهاتف الذكي وبالتالي المشاركة في التصويت من الموقع الذي يكون فيه المواطن الذي يتمتع بحق التصويت قانونيا خلال فترة التصويت المحددة.

وإذا كانت هذه الخبرة العملية تضاف إلى الخبرة العمانية في هذا المجال، فإن أهميتها تتمثل على صعيد آخر أيضا في أنها تشجع دولا كثيرة على اتباع هذا الأسلوب، فضلا عن أنها تسقط حججا عدة تثبط من همة إجراء الانتخابات أو تدعو لتأجيلها أحيانا بأعذار لم تعد لها مبررات في الواقع، وهو ما يعد إضافة وإسهاما إيجابيا يحسب لعمان ويعزز سبل المشاركة أمام الشباب في العمل الوطني في مختلف المجالات في المستقبل.

ولعل ما يزيد من فرص ذلك أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت في مجملها 39.4% حيث شارك في الانتخابات 288469 ناخبا وناخبة من إجمالي 731767 ناخبا وناخبة. وبينما كانت نسبة مشاركة النساء 43.1 % من المشاركين في التصويت، فإن نسبة الشباب في الفئة العمرية ( 31 إلى 40 سنة ) هي الأكثر بين الفئات المشاركة، يضاف إلى ذلك إنه تم انتخاب امرأة واحدة، وذلك للمرة الأولى في انتخابات المجالس البلدية للمحافظات وهو ما يبشر بمزيد من مشاركة المرأة العمانية في العمل البلدي والتطوعي بوجه عام. ومن المؤكد أنه بدأت الآن، وكما حدث من قبل في الانتخابات السابقة، عملية دراسة وتقييم كل خطوات الانتخابات الأخيرة من أجل الاستفادة من دروسها وتعديل ما تقتضي الحاجة تعديله في المستقبل، على ضوء ما حدث خلال المراحل المختلفة للانتخابات ومن أجل أن تكون أفضل وأيسر وأكثر سهولة في الانتخابات القادمة.

ثانيا: إنه بالتوازي مع هذا التطور المبشر على المستوى الداخلي وتزامنا أيضا مع إصدار المرسوم السلطاني السامي (رقم 1 /2023 ) بالتصديق على الميزانية العامة للدولة والعمل بها، وهي الميزانية التي حملت تعافيا ماليا ملموسا للمالية العامة للدولة وتحسنا في الأداء المالي متخففا نسبيا من أعباء الدين العام ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعزز التفاؤل بالنسبة لتقديرات النمو للعام 2023، خاصة في ضوء مخصصات البنود المختلفة في الميزانية ومنها على سبيل المثال مخصصات التعليم والصحة والإسكان والرعاية الاجتماعية ( بلغت نحو ثلث حجم الإنفاق العام ). من جانب آخر فإن مما له دلالة عميقة على أكثر من صعيد أن سلطنة عمان التي حرصت دوما على القيام بكل ما يمكنها من إسهام إيجابي، وجهود مباشرة وغير مباشرة، تحدثت عنها قيادات يمنية شقيقة، للدفع نحو استعادة الاستقرار في الجمهورية اليمنية الشقيقة وتخفيف الأعباء التي يتحملها الشعب اليمني الشقيق، والتهيئة قدر الإمكان لإنجاح المساعي التي يقوم بها مبعوث الأمم المتحدة لترسيخ الهدنة وتحويلها إلى هدنة دائمة تهيئ للحل السلمي وفق الأسس المتفق عليها وفي إطار توافق وطني يمني يحافظ على مصالح الدولة والشعب اليمني في الحاضر والمستقبل.

من جانب آخر فإنه في ظل التحركات الدبلوماسية العمانية الإيجابية والنشطة للعمل من أجل تعزيز فرص السلام والاستقرار في ربوع هذه المنطقة الحيوية، ليس فقط في اليمن وليبيا وسوريا، ولكن أيضا بالنسبة للمفاوضات المتصلة بالبرنامج النووي الإيراني، وعلى مستويات أخرى، فإن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان إلى مسقط قبل أيام، والتي حمل خلالها رسالة إلى جلالة السلطان المعظم من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، من شأنها أن تعزز الأمل بشأن فرص السلام والاستقرار في المنطقة، في الفترة القادمة، خاصة أنها تتزامن مع تطورات متسارعة ويشارك فيها أطراف عدة، تمس عددا من القضايا التي تقف على مشارف انفراجات مرجحة خلال هذا العام، ومن المنتظر أن يكون هذا العام عاما مؤثرا للدبلوماسية العمانية بقناعاتها الذاتية بمواقفها، وبوضوحها وصراحتها التي اعتادت عليها أمس واليوم أيضا.