خطة ترامب للسلام في غزة.. طموح بلا استراتيجية

21 ديسمبر 2025
21 ديسمبر 2025

ترجمة: أحمد شافعي

تستحق خطة الرئيس ترامب للسلام في غزة، المكونة من عشرين بندًا، التقدير لما حققته؛ فقد أوقفت الأعمال العدائية بعد عامين من حرب مدمرة، وأمّنت عودة الرهائن. وهذان إنجازان عظيمان.

لكن في حين أن واشنطن تستعد للانتقال بالاتفاق إلى مرحلته الثانية، علينا أن نتساءل عما لو أن هذا يمثّل واقعًا استراتيجيًا حقيقيًا، أم محض ممارسة للتفكير الخيالي في الشرق الأوسط؟

يبدو هيكل الخطة شاملًا على الورق؛ فثمة وقف فوري لإطلاق النار، ونزع للسلاح في غزة، ونشر قوة دولية لتحقيق الاستقرار، وحكم انتقالي من تكنوقراط فلسطينيين، وإعادة إعمار واسعة النطاق، ومسار مشروط نحو إقامة دولة فلسطينية.

وهي تشمل جميع القضايا التي يفترض أن تشملها خطط السلام. لكن المشكلة تكمن في أن شمول القضايا لا يعني بالضرورة وجود استراتيجية متماسكة للتنفيذ.

الفجوة الواقعية

ولننظر مثلا في القوة الدولية لتحقيق الاستقرار التي تمثل جوهر هذا المسعى.

لقد أقرها مجلس الأمن الدولي، وروّجها ترامب، ومع ذلك مر أكثر من شهرين على وقف إطلاق النار، ولم تلتزم أي دولة بقوات رسمية.

بلدان من قبيل إندونيسيا وأذربيجان أبدت اهتماما في البداية، ثم التزمت الصمت بشكل ملحوظ. والسبب واضح: وهو أنه ما من بلد يرغب في الظهور بمظهر المتعاون مع القوات الإسرائيلية، وهي لا تزال باقية في غزة المحتلة، ولا يرغب أي بلد ذي أغلبية مسلمة في قتال حماس بالنيابة عن إسرائيل.

يقودنا هذا إلى التناقض الجوهري الكامن في الخطة؛ فهي تدعو إلى نزع سلاح حماس دون أن توفر أي آلية واقعية لتحقيق ذلك، وليس من الممكن نزع سلاح حركة مسلحة بأمر دولي، خاصة عندما يكون المجتمع الدولي عازفًا عن استعمال القوة، وحين لا تبدي حماس أي رغبة في نزع سلاحها طواعية.

يبدو أن مصممي الخطة يعتقدون أن إنشاء هياكل تنظيمية ـ من قبيل مجلس سلام، ومجلس تنفيذي، وحكومة تكنوقراطية ـ سوف يغني بطريقة ما عن معالجة ديناميات القوة الفعلية على الأرض.

الحكم في فراغ

يمثل هيكل الحكم المقترح مثالا صارخا على التفاؤل الإداري. فسوف يرأس ترامب مجلس السلام الذي يضم قرابة عشرة من القادة العرب والغربيين. وتحت هذا المجلس ثمة مجلس تنفيذي يضم توني بلير وجاريد كوشنر وستيف ويتكوف ومسئولين من الدول المشاركة. وتحت المجلس التنفيذي ثمة حكومة تكنوقراط فلسطينية تتألف مما بين اثني عشر وخمسة عشر شخصا من ذوي «الخبرة الإدارية والتجارية»، ولكنهم لا يتبعون حماس أو فتح أو أي فصيل سياسي فلسطيني آخر.

يبدو هذا منطقيًا للوهلة الأولى إلى أن نطرح السؤال البديهي: بأي سلطة سوف تحكم هذه الحكومة؟ فالسلطة الفلسطينية التي تحظى نظريا بالشرعية في الضفة الغربية تعرضت بشكل منهجي للإضعاف وفقدت مصداقيتها في غزة.

وحماس التي تسيطر فعليا على غزة بالقوة سوف يتم تجاوزها تماما. والمجتمع الدولي الذي يفترض أن يقدم ضمانات أمنية عاجز عن حشد كتيبة واحدة.

والحكم لا يتطلب محض هياكل تنظيمية، وإنما سلطة فعلية، أي قدرة على اتخاذ القرارات، وتنفيذ القواعد، وتوفير الخدمات، والحفاظ على النظام. ولا يمكن لحكومة من التكنوقراط مهما بلغت مقدرتها أن تحكم دونما شرعية شعبية أو قدرة على استعمال القوة. والخطة لا توفر شيئا من ذلك.

سراب الدولة

لعلّ الأوضح دلالة هو تعامل هذه الخطة مع مسألة الدولة الفلسطينية؛ فالاتفاق ينصّ على أنه إذا ما استمرت إعادة الإعمار ونفذت السلطة الفلسطينية إصلاحات محددة فإنّ ذلك «قد» يهيئ الظروف لـ«مسار موثوق نحو حقّ الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم».

تمثل هذه الصياغة المتحوطة الحد الأدنى اللازم لضمان الدعم العربي والأوروبي بينما تطمئن نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف بأنه لم يتم تقديم أي وعود ملموسة.

والنتيجة صيغة ترضي الجميع دبلوماسيا دون الالتزام بأي شيء جوهري؛ فيقال للفلسطينيين: إن تطلعاتهم «معترف بها» دون تقديم أي جدول زمني لهم، أو حدود، أو عاصمة، أو ضمانات. ويقال للإسرائيليين: إنه لن تقام دولة فلسطينية ما لم تستوف شروط مستحيلة، ويهنئ المجتمع الدولي نفسه على التوسط في خطة سلام «شاملة» تؤجل أصعب القرارات إلى أجل غير مسمى.

ها هنا يصيب ترامب (ويخطئ)

هناك عناصر في تحليل إدارة ترامب للشرق الأوسط تعكس واقعية استراتيجية حقيقية. فالاعتراف بأن استقلال أمريكا في مجال الطاقة قد قلَّل من مركزية المنطقة بالنسبة للمصالح الأمريكية هو أمر طال انتظاره.

والاعتراف بأن التغطرس على الأنظمة الملكية العربية بشأن الحكم الداخلي كانت له نتائج عكسية يمثل خروجا محمودا عن عقيدة ترويج الديمقراطية، وفهم ضرورة تحمل الشركاء الإقليميين مسؤولية أكبر عن الأمن الإقليمي يتماشى مع مفهوم أكثر انضباطا للقوة الأمريكية.

أما الاعتراف بأن الشرق الأوسط لا ينبغي أن يهيمن على السياسة الخارجية الأمريكية فيختلف عن الاعتقاد بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام مستدام من خلال العلاقات الشخصية ودبلوماسية المصالح.

يبدو أن ترامب يعتقد أن الزعماء العرب ـ بفضل علاقاته الوطيدة معهم ـ سوف يوفرون له القوات والتمويل والغطاء السياسي اللازم لإنجاح هذه الخطة. ويبدو أنه يعتقد أن استعداده لتهديد حماس بـ»الإبادة الكاملة» سوف يغني عن تقييم واقعي لما يمكن للقوة تحقيقه في غزة أو عدم تحقيقه.

مخاطر الدبلوماسية الشخصية

تتمحور الخطة حول شخص ترامب نفسه بشكل كبير. فهو يرأس مجلس السلام، ويشغل صهره مقعدا في مجلس إدارته، ويتولى مبعوثوه الخاصون التفاوض على التفاصيل. وهذا يؤدي إلى مشكلات عدة.

أولا، يربط هذا شرعية الاتفاق بمصالح ترامب السياسية بدلا من ربطها بأطر مؤسسية قادرة على الصمود في وجه التحولات السياسية. وثانيا، يوحي هذا بأن استمرار وقف إطلاق النار يعتمد على اهتمام ترامب الشخصي وضغطه أكثر مما يعتمد على إيجاد آليات مستدامة لحل النزاع.

ثالثا: يعزز هذا انطباعا بأن هذه خطة أمريكية -إسرائيلية تحظى بدعم عربي وأوروبي، وليست مبادرة إقليمية حقيقية تحظى بدعم أمريكي.

ومن المفيد أن نعقد مقارنة مع خطة «السلام من أجل الازدهار» في ولاية ترامب الأولى. فقد وعدت تلك الخطة أيضا بتغيير الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال التنمية الاقتصادية والتطبيع الإقليمي، مع تأجيل مسألة إقامة الدولة.

لكنها لم تحقق شيئا، لأنها تجاهلت الحقائق السياسية التي تجعل الصراع مستعصيا. وتخاطر هذه الخطة بتكرار ذلك الخطأ بافتراضها أن الهياكل الإدارية وتمويل إعادة الإعمار يمكن أن يحلا محل معالجة قضايا السيادة والأمن والسلطة.

ما يتطلبه النجاح فعلا

من شأن نهج واقعي لتحقيق الاستقرار في غزة أن يستلزم عدة عناصر غائبة بشكل واضح عن الخطة الحالية:

أولا: الاعتراف الصادق بأنه لا يمكن محو حماس أو تجاوزها إداريا؛ فأي ترتيب لحكم مستدام سوف يحتاج إما إلى دمج حماس في شكل من أشكال تقاسم السلطة أو إلى إنشاء قوة أمنية فلسطينية قادرة على تهميشها، وهذه الخطة لا تعالج شيئا من هذين.

ثانيا: الضغط بجدية على إسرائيل لتحديد نواياها بعيدة المدى. هل سيعاد احتلال غزة؟ هل ستُضَمّ، أم ستبقى في برزخ لا ينتهي؟ تفترض الخطة أن القوات الإسرائيلية سوف تنسحب، لكنها لا تطرح أي آلية لضمان ذلك أو لتحديد الخطوات اللاحقة.

ثالثا: التزامات واقعية من الشركاء الإقليميين. فلو أن مصر والأردن سوف تدربان قوات الأمن الفلسطينية وتشاركان في قوة دولية فهما بحاجة إلى بنود مرجعية واضحة، وقواعد اشتباك، وضمانات بشأن تقاسم الأعباء؛ فليست الوعود المبهمة بالمشاركة كافية.

رابعا: إحراز تقدم ملموس نحو تلبية تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولتهم. ولا يعني هذا بالضرورة اعترافا فوريا، ولكنه يتطلب أكثر من مجرد احتمالات بعيدة مشروطة محاطة بتحفظات لا تنتهي.

مفارقة جائزة نوبل للسلام

ذهب العديد من المحللين إلى أن استعجال ترامب في دفع هذه الخطة مدفوع جزئيا برغبته في الحصول على جائزة نوبل للسلام. وسواء أصدق هذا أم لم يصدق فإنه يشير إلى مشكلة أعمق: هي الخلط بين اتفاقيات السلام والسلام الفعلي.

لقد درج المجتمع الدولي للأسف على عادة الاحتفاء بتوقيع الاتفاقيات وكأنها تمثل حلولا نهائية بدلا من كونها بدايات هشة لعمليات معقدة.

فقوبلت اتفاقيات أوسلو بالاحتفاء باعتبارها إنجازات تاريخية، وكذلك محادثات كامب ديفيد، ومذكرة واي ريفر، وخارطة الطريق، ومبادرات أخرى لا حصر لها. مثلت كل منها إنجازا دبلوماسيا حقيقيا.

ولم يثمر أي منها سلامًا دائمًا؛ لأن أيًا منها لم يعالج التناقضات الجوهرية بين المطالب الأساسية للأطراف. وتخاطر خطة ترامب بالانضمام إلى هذه السلسلة من الإخفاقات التي قوبلت بالاحتفاء بسبب شموليتها، وانتهت إلى الفشل بسبب تهربها.

المسار المستقبلي

لا أقول بهذا كله: إنه يجب التخلي عن وقف إطلاق النار أو رفض الخطة برمتها. فوقف القتال أمر مهم، وعودة الرهائن أمر مهم، وتهيئة المجال لإعادة الإعمار أمر مهم. أما السؤال فهو: هل يستطيع المجتمع الدولي استغلال هذا الحيز لبناء شيء مستدام، أم أننا نؤجل فقط جولة العنف التالية؟

لكي تنجح الخطة لا بد من حدوث عدة أمور: يجب أن يكون ترامب مستعدا للضغط المستمر على إسرائيل، وليس على حماس فقط، للالتزام ببنود الاتفاق، ويجب على الدول العربية أن تتجاوز التصريحات الدبلوماسية إلى التزامات ملموسة بتوفير قوات وتمويل ورأس مال سياسي.

ويجب أن تصر القوى الأوروبية على آليات المحاسبة ومعايير التقدم بدلا من السماح للاتفاق بالانزلاق إلى مرحلة انتقالية مائعة. كما يجب على جميع الأطراف التحلي بالصدق بشأن الفجوة بين تطلعات الخطة وواقع المنطقة.

والأهم من كل ذلك أنه يجب على دعاة ضبط النفس في السياسة الخارجية الأمريكية أن يقاوموا إغراء الإشادة بهذه الخطة لمجرد زعمها أنها تمثل نهجا مختلفا عن الإدارات السابقة.

إن الواقعية الاستراتيجية تعني التقييم الأمين لما يمكن أن تحققه القوة الأمريكية، ولما يرغب الشركاء الإقليميون في القيام به، وللأهداف القابلة للتحقيق فعلا، وتعني الاعتراف بأن إنهاء التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط لا يعني ضمان سلام مستدام، وأن أنصاف الإجراءات التي تقدَّم بوصفها خططا شاملة غالبا ما تؤدي إلى تفاقم الأمور.

يكمن الخطر في أن تصبح هذه الخطة مثالا آخر لما يحدث عندما يتجاوز الطموح الاستراتيجية، وعندما يحل التعقيد التنظيمي محل التفكير الواضح، وعندما تطغى الرغبة في تحقيق نصر دبلوماسي على التقييم الموضوعي لما هو ممكن فعلا.

وفي رأينا نحن الذين طالما دعونا إلى سياسة خارجية أمريكية أكثر انضباطا؛ يكمن التحدي في صياغة بديل يتجنب كلا من التدخلات التبشيرية التي شهدتها العقود الماضية، والصفقات النفعية التي تخلط بين الاتفاقات والحلول.

لا شك في أن خطة ترامب لغزة شاملة وطموحة، وتحظى بدعم دولي واسع. لكن ما تفتقر إليه هو التماسك الاستراتيجي، وفي الشرق الأوسط غالبا ما يبرز هذا النقص في أسوأ اللحظات.

ليون هادار محرر مشارك في ذي ناشونال إنتريست، وزميل أول بمعهد أبحاث السياسة الخارجية

الترجمة عن ذي آسيا تايمز