التنسيق العُماني السعودي .. الآفاق المجتمعية

10 يوليو 2021
10 يوليو 2021

عهدٌ جديد تشرع أبوابه العلاقات العُمانية -السعودية في هذه المرحلة، وتنطلق معالمه من مستويات تنسيق غير مسبوقة في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية، وفي تقديرنا فإن من القوامات التي يمكن أن يتكئ عليها هذا التنسيق إضافة لأبعاده السياسية والاقتصادية، هو الاستثمار في المكون المجتمعي، ونحدده في هذه المقالة في عدة عناصر: أولها الاستثمار في طبيعة التركيبة المجتمعية المتقاربة بين مجتمعي البلدين، والاستثمار في مقدمات الهبة الديموغرافية المتاحة للمعطى التنموي في المجتمعين، والاستثمار في التطلعات المجتمعية وفي حصاد التنمية البشرية المؤهلة لخدمة التوجهات الاستراتيجية والتنموية الكبرى للقيادتين السياسيتين في البلدين.

فعلى مستوى التركيبة المجتمعية، يشكل الشباب المواطنون في الفئة العمرية (15-29) نسبة متقاربة من إجمالي السكان المواطنين في البلدين حسب بيانات المركز الإحصائي الخليجي، حيث تقترب نسبتهم من (28.1%) في المجتمع السعودي، و(26.1) في المجتمع العُماني مما يعني أن ثمة مشتركا يمكن البناء عليه فيما يخص تطلعات هذه الفئة العمرية، والتجارب التي تختبرها، والتطلعات التي تنشدها، بالإضافة إلى الظروف التي تعايشها، والسياسات المتوجبة للتعاطي معها وإدماجها إدماجًا كليًا في السياسات الاجتماعية، ويتماثل البلدان كذلك في نسبة السكان الحضر بنسبة (83.6%) من إجمالي السكان مما يتيح الفرصة ماثلة لصياغة استراتيجيات تنفيذية لاحتواء النمو الحضري، وإيجاد سياسات تنمية عمرانية مستديمة تتعامل معه، وتستوعبه في إطار فكرة الاستدامة، وتهيئة الساحات الحضرية بطرق تحقق متطلبات جودة الحياة وتنافسيتها، وعلى مستوى نسب الإعالة المتقدمة (للأطفال) والمتأخرة (الشيخوخة) تتماثل النسبة الحالية بالنسبة للتركيبة الاجتماعية في المجتمعين، واستطاع البلدان تخفيض نسبة الإعالة العمرية للسكان في سن العمل بخط متواز خلال الأعوام العشرة الماضية لتصل في عام 2020 بحدود (39.2%) بالنسبة للمجتمع السعودي، و(33.3%) بالنسبة للمجتمع العُماني حسب بيانات البنك الدولي، وهي نسبة متماثلة إذا ما أخذنا في الاعتبار فوارق حجم السكان والنمو السكاني.

وعلى مستوى التركيبة الطبقية ورغم صعوبة تحديد المكون والتصنيف الطبقي في المجتمعات الخليجية عمومًا، نتيجة تداخل العوامل المؤثرة على الطبقة الاجتماعية، وعدم وجود منهجيات مؤسسية للاعتراف بالطبقة وقياسها، وضعف كفاءة البيانات (الاقتصادية-الاجتماعية) المولدة للمعرفة حول الطبقة، فإن المجتمعين يقتربان في بعض جوانب قياس الطبقة بحسب دراسة لحسن عبدالعالي، مثل حصة الإنفاق على الادخار والترفيه التي تشكل (11%) في المجتمعين، وكذلك النسبة الكلية لتركيبة الطبقة الوسطى والتي تتراوح بين (40 و50%) من تكوين المجتمع بالأطر التقديرية الاقتصادية في المجتمعين، كما أن السياسات السكانية والاجتماعية في البلدين استطاعت احتواء موجات الهجرة العالية إلى المنطقة، بالإبقاء على نسب السكان المواطنين في حدود أعلى مقارنة بالوافدين على عكس بقية دول الإقليم.

وليس ببعيد عن منظار التحليل الاجتماعي القول باشتراك المجتمعين في مستويات متقاربة من المخاطر الاجتماعية، وهي ذاتها المخاطر التي تفرض نفسها على دول الخليج العربية وتشترك فيها، ورغم تقدم السلطنة مرتبتين بين عامي (2015 و2020) على مؤشر التصدي للمخاطر الاجتماعية وحلولها في الرتبة (32) وتأخر السعودية من الرتبة الـ(42) في عام (2015) إلى الرتبة الـ(48) في عام (2020) إلا أن ثمة تماثلا في مخاطر اجتماعية-اقتصادية ذات خصوصية على مستوى البلدين وتتركز أغلبها في المخاطر المرتبطة بضرورات التحول في النماذج التنموية من اقتصادات الرعاية/ الريع إلى اقتصادات المشاركة والتخصيص مع الآثار الاجتماعية والثقافية التي يمكن أن تصاحب هذا الانتقال العسير، وقدرة أسواق العمل على استيعاب الداخلين الجدد إليها، ومدى كفاءة الاقتصادات الوطنية في تحقيق التطلعات المتنامية نحو جودة العيش وترقية مستوى المعيشة، والحاجات الملحة لأنظمة حماية اجتماعية وشبكات أمان اجتماعية متكاملة ومتماسكة ومستديمة وكفؤة عوضًا عن مهددات الطبقة الوسطى وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.

تنخرط «رؤية السعودية 2030» في بعدها الاجتماعي بشكل طموح في إرساء قاعدة انطلاق اجتماعية ترتكز بصورة أساس على تنمية القطاع غير الربحي وتعظيم الأثر الاجتماعي لأعماله، من خلال رفع نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من أقل من (1%) إلى (5%) بحلول عام 2030 والوصول إلى مستهدف مليون متطوع في القطاع غير الربحي سنويًا مقابل (11) ألفًا في وقت إعداد الرؤية.

وتستهدف «رؤية عُمان 2040» الوصول إلى «مجتمع مدني ممكن ومشارك بفاعلية في التنمية المستدامة، وإطار تنظيمي فاعل ومحفز لعمل مؤسساته» وتعتزم الرؤية استحداث مؤشر جديد يعنى بقياس مساهمة المجتمع المدني في الرفاه والحماية الاجتماعية.

نقطة الارتكاز هذه في تقديرنا من الممكن أن تكون بوابة لآفاق اجتماعية مشتركة بين البلدين على مستوى صياغة «السياسات الاجتماعية».

فالتماثل في بعض ملامح البنية المجتمعية يتيح الفرصة لإقامة شراكات وتفاهمات وتبادل الخبرات في مجال صوغ السياسات الاجتماعية، وبالتحديد تلك السياسات الموجهة للتصدي للمخاطر الاجتماعية، وتعظيم أثر ومساهمة القطاع غير الربحي (المجتمع المدني)، بالإضافة إلى تقصي الممارسات الفضلى بين البلدين فيما يتعلق بتعظيم أثر المساهمة المجتمعية للقطاع الخاص، كما يمكن انفتاح أسواق العمل بين البلدين على بعض الشواغر والتخصصات وتبادل الكفاءات في المجالات ذات الاحتياج القصوى حسب ما تفرضه التجربة التنموية لكلا البلدين، ويمكن الشروع كذلك في برامج ووحدات تفكير معنية بالسياسات الاجتماعية تنبه إلى المخاطر والتحولات والمشكلات الاجتماعية نظير التشابه النسبي لخطورتها في السياقين الاجتماعيين، كما أن الشروع في تبادل الخبرات إزاء التطبيقات المتصلة ببرامج جودة الحياة وتحسين بيئات المعيشة في مدن بعينها كقواطر للحياة الحضرية من الممكن أن تكون أحد أجندة التعاون الاجتماعي في هذا الصدد، وفي المجمل فإن ما تتيحه هذه المرحلة من آفاق غير مسبوقة على مستوى التنسيق والتعاون من الممكن أن يمتد في تقديرنا إلى البعد الاجتماعي، نظير التجربة على مستوى البحث والسياسات والبرامج والتطبيقات من ناحية، وعلى مستوى عامل القوة البشرية وحصاد التنمية على المواطن من ناحية أخرى، مما يمهد لمتانة العلاقات ورسوخها لخدمة أهداف البلدين الشقيقين.