الأونروا ومحاولة أخرى لقتل الفلسطينيين!!

05 فبراير 2024
05 فبراير 2024

ليس من المبالغة في شيء القول بأن نجاح بلد مانديلا (جنوب إفريقيا) في جر إسرائيل ومحاكمتها أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي للمرة الأولى منذ قيامها رغم جرائمها العديدة والمتواصلة ضد الفلسطينيين، ومنها جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والفصل العنصري وغيرها وقبول المحكمة لاختصاصها القضائي بالنظر في القضية والحكم فيها هو انتصار واضح للجانب الفلسطيني والعربي - بغض النظر عن ملاحظات البعض- على منطوق قرار المحكمة وطموحهم لصياغة أشد تدعو لوقف فوري للقتال والعنف ضد الفلسطينيين.

إلا أن الحكم يفتح مسارا بالغ الأهمية أمام معالجة القضية الفلسطينية والنظر فيها من خلال محكمة العدل الدولية وما تحظى به أحكامها من مكانة واحترام دوليين بغض النظر عن عدم التنفيذ الفعلي المتوقع لها، خاصة من جانب إسرائيل بمساندة أمريكية وغربية كالعادة.

وبقدر الترحيب الفلسطيني والعربي بقرار محكمة العدل الدولية في 26 يناير 2024 بقدر ما أدى ذلك إلى صدمة في دوائر دولية واسعة بسبب مزاعم إسرائيل واتهامها لعدد من الموظفين الدوليين العاملين في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بالمشاركة مع حركة حماس الفلسطينية في هجوم «طوفان الأقصى» ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي وما ترتب على هذا الاتهام من نتائج سريعة بدت وكأنها معدة سلفا بحكم سرعة تبنيها. فحينما تلقفت واشنطن الاتهام الإسرائيلي لبعض موظفي الأونروا، دون تحقيق أو تمحيص وكأنه أمر صحيح ومفروغ منه، قامت إدارة الأونروا بفصل 12 من موظفيها وفسخ عقود العمل معهم والموافقة على التحقيق في المزاعم المعلنة، كما بادرت واشنطن بالإعلان عن وقف مساعداتها السنوية للأونروا -على أساس أن وقف التمويل داعم لإسرائيل وإرضاء لها- وتبعها في وقف التمويل نحو 15 دولة أخرى، حيث بلغ حجم الأموال التي أعلن عن وقفها نحو أربعمائة وأربعين مليون دولار منها ثلاثمائة مليون دولار تتبرع بها الولايات المتحدة وحدها وهو ما يؤثر كثيرا على عمليات الأونروا في تشغيل وإغاثة ورعاية الفلسطينيين في ظروف الحرب على غزة وفي ظل عمليات الإبادة الجماعية للفلسطينيين على مدى الأشهر الأخيرة.

وفي إطار الجدل الدائر حول الاتهام الإسرائيلي المزعوم للأونروا بمشاركة بعض عناصرها في هجوم طوفان الأقصى مع حماس والحملة الإسرائيلية المنظمة لتأليب العالم وأصدقاء إسرائيل ضد حماس فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي:

أولا، إنه من غير الممكن التقليل من أهمية وجود علاقة أو رابط بين صدور حكم محكمة العدل الدولية حول استخدام إسرائيل للإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين وتنديد العالم بذلك -ماعدا أصدقاء إسرائيل بالطبع- وبين اتهام إسرائيل لعدد من موظفي الأونروا بالتعاون مع حماس في هجوم طوفان الأقصى، ليس فقط لأن اتهام الإبادة الجماعية هو جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم ولكن لأنها أيضا تزيد من تشويه سمعة إسرائيل في العالم، يضاف إلى ذلك أن إسرائيل لم تقدم دليلا ثابتا على صدق اتهامها بل إنها اعتمدت على الاتهامات المرسلة وعلى قوة وسائل الدعاية والتواصل الاجتماعي في نشر اتهامها المذكور مستغلة الاتهامات السابقة للأونروا ولهيئات الأمم المتحدة في اتخاذ مواقف معادية لإسرائيل منذ سنوات عديدة، فقد اعتادت إسرائيل الزعم بأن الأمم المتحدة تتخذ مواقف معادية حيالها وأنها تناصر الفلسطينيين لأن الأمم المتحدة تقف إلى جانب قواعد القانون والشرعية الدولية.

وإذا كان من المعروف أن إسرائيل رفضت في مرات عديدة السماح بإجراء تحقيق دولي في ممارساتها ضد الفلسطينيين، ورفضت زيارة هيئات ولجان تحقيق دولية لها للاطلاع على وقائع محددة متهمة بممارستها على الأرض، كما رفضت مد هيئات الأمم المتحدة بمعلومات تتصل بممارساتها على الأرض والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تحصى، حتى أطلق عليها «الدولة العاصية أو الرافضة لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة»، فإن قبولها عرض دعوى جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ارتبط في الواقع بأملها في أن ترفض المحكمة الدعوى وهو ما لم يحدث رغم استخدامها أكاذيب عديدة في مرافعتها ودفاعها عن مواقفها المفضوحة أمام العالم أجمع ولأكثر من سبعين عاما مضت. وهو ما زاد من حنق إسرائيل ضد المحكمة وضد الأمم المتحدة بكل أجهزتها وهيئاتها.

ثانيا، إنه في الوقت الذي تشكل فيه مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة إلى أرضهم أو التعويض عن ذلك وفقا لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ووفقا للكثير من القرارات الأممية التي تدعم قرار حق العودة وعدم التفريط في الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف واحدة من المشكلات الأساسية كالمياه والحدود والمستوطنات المؤجل البحث فيها، فإن إسرائيل سعت أكثر من مرة إلى التخلص من مشكلة اللاجئين بحجة أن إسرائيل لا يمكنها استيعاب نحو سبعة ملايين لاجئ إذا قرروا العودة، ولذا يجب البحث عن حلول ما للتخلص من معظمهم وعدم القبول بعودة سوى أعداد رمزية منهم من خلال التلاعب بمفهوم اللاجئ أو بتحويل أكبر عدد منهم من الأونروا إلى المفوضية السامية للاجئين التي يدخل ضمن مهامها المسؤولية عن اللاجئين في العالم ككل، في حين أن الأونروا مسؤولة عن تشغيل ورعاية اللاجئين الفلسطينيين فقط وذلك في الأردن وسوريا ولبنان وقطاع غزة والضفة الغربية حسب التعريف، وترعى الأونروا نحو سبعة ملايين لاجئ مسجل منهم نحو 5.6 مليون لاجئ، وتقوم بتشغيل نحو 30 ألف فلسطيني ولها مراكز ومخيمات إيواء في الأردن وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان، ويتم التجديد لها في مهمتها كل 3 سنوات للقيام بدورها، وآخر تجديد ينتهي في يوليو القادم، وهو ما سيكون موضع جدل وخلاف حول التجديد، خاصة إذا لم يكن قد تم التوصل إلى بداية تفاهم ما حول حل الدولتين الذي يتحمس له الرئيس الأمريكي بايدن، ولذا يحاول نتانياهو قتل الأونروا والتخلص منها بشكل أو بآخر، وإذا كان ذلك قد فشل في عام 1994 بعد اتفاقية أوسلو بحجة عدم الحاجة إليها بعد الاتفاقية فمن المرجح أن تتكرر نفس المحاولات، وربما أكثر من ذلك باستكمال حلقات الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وتجدر الإشارة إلى أن مزاعم إسرائيل واتهامها لبعض موظفي الأونروا يظل مرهونا بتحقيقات بدأت بالفعل لا يستند فقط إلى ضعف الاتهام لقلة عدد المتهمين (12 موظفا تم فصلهم بالفعل وحديث مصادر إسرائيلية عن 170 موظفا) كما أن إسرائيل لم تقدم معلومات موثقة عن ذلك، هذا فضلا عن أن حماس أو أية منظمة أو فصيل يقرر القيام بما قامت به حماس يتردد كثيرا في إشراك عناصر خارجة عنه في مثل هذا العمل خوفا من احتمال التسريب الأمني. ولذا فإن الأمر قد يكون مجرد ادعاءات لتشويه سمعة الأونروا من ناحية ودعم انتقادات إسرائيل للأمم المتحدة والتغطية على حكم محكمة العدل الدولية من ناحية ثانية، ومحاولة التخلص من مشكلة اللاجئين أو التمهيد لذلك بشكل أو بآخر، خاصة في ظل تزايد الجدل حول إمكانية إيقاظ حل الدولتين إذا نجح بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر القادم.

ثالثا، إنه مع الوضع في الاعتبار أن الاتهام بالتعاون لبعض موظفي الأونروا مع حماس ضد إسرائيل يضرب الأونروا ويسيء بالضرورة إلى المتهمين، سارعت الأونروا بالتخلص منهم حتى قبل استكمال تلك التحقيقات بدعوة منها للحفاظ على حياديتها، وإنه لمن الصعب التخلص من تأثير الاتهام حتى لو ثبت عدم صحته ليس فقط لأن عدة دول أوقفت تمويلها الطوعي بالفعل للأونروا وهو ما تعتمد عليه المنظمة في عملياتها العديدة في رعاية الفلسطينيين الذين يلجؤن إليها، ولكن أيضا في إيجاد بدائل طوعية لتغطية العجز في ميزانية الأونروا، وبينما قتل من العاملين فيها أكثر من 155 موظفا فإنها لن تستطيع مواصلة عملياتها لصالح الفلسطينيين بعد نهاية الشهر الجاري بكل ما يثيره ذلك من مشكلات في حياة الفلسطينيين، خاصة أن إسرائيل توحشت خلال الحرب الجارية في غزة باستهداف مدارس ومراكز وملاجئ الأونروا. وتتفق القوى السياسية في إسرائيل على ألا يكون للأونروا دور في غزة بعد الحرب، فهل يمكن للأثرياء العرب تغطية عجز ميزانية الأونروا الناتج عن وقف التمويل الطوعي لها أم أنها ستترك لمصيرها؟ على أية حال سيتوقف الكثير على ما سيجري خلال الفترة القادمة.