اثنان من كبار مفاوضي السلام يرفضان حل الدولتين
09 سبتمبر 2025
09 سبتمبر 2025
ترجمة: أحمد شافعي -
لا يستطيع روب مالي، الذي عمل على سياسة الشرق الأوسط في كل إدارة ديمقراطية منذ عهد بيل كلينتون، أن يحدد الوقت الذي اقتنع فيه تحديدا بأن السعي إلى حل الدولتين لإسرائيل وفلسطين منذور بالفشل.
اتخذت شكوكه طابعا تراكميا، فلم يكن الأمر لحظة إشراق. فقد قال عن عقود من الجهود التي قادتها الولايات المتحدة للتوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني: «إنني عندما أرجع بالذاكرة، أتساءل عن مدى إيماننا الحقيقي بالهدف الذي كنا نقول إننا نسعى إليه». ولكن مهما بلغت الدبلوماسية من الإخلاص، فقد انتهت جهودها حطاما.
حينما تحدثنا خلال الأسبوع الماضي، وضع مالي لحظتنا القاتمة والدموية الحالية بجوار عام 1993 الذي شهد اتفاقيات أوسلو التاريخية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتي بدت في حينها بداية الطريق إلى الدولة الفلسطينية. وتساءل: «هل هناك مقياس واحد يمكنك به القول إن الوضع الآن، بفضل الولايات المتحدة، أفضل مما كان عليه؟»
شارك مالي في تأليف كتاب جديد مع مفاوض السلام الفلسطيني حسين أغا، بعنوان «غدا هو الأمس: الحياة والموت والسعي إلى السلام في إسرائيل/فلسطين». يتناول الكتاب قصة أكثر من ثلاثة عقود من الفشل. كان مالي وأغا - الذي عمل مستشارا وأمين سر لياسر عرفات ومحمود عباس، وهو الآن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية - قد التقيا في عشاء بواشنطن سنة 1999، وكان ذلك حسبما كتبا «في ذروة حماس أمريكا تجاه إمكانية السلام». ويعد كتابهما رثاء مريرا لتلك الفترة، إذ يكتبان أن «عهد عملية السلام، وحل الدولتين، قد ولّى».
يذهب الكاتبان إلى أن هدف الدولة الفلسطينية ربما كان دائما هدفا عقيما. ومن المؤكد أنه لم تكن لديه أي فرصة للنجاح في ظل رفض الولايات المتحدة ممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل.
ولكن حتى مع أن الحقائق القائمة على الأرض - من تكاثر المستوطنات، وكارثة السابع من أكتوبر، وتدمير غزة - جعلت حل الدولتين يبدو ضربا من الخيال أكثر فأكثر، فإنه مفهوم يصعب التخلي عنه. يكتب أغا ومالي إن «المؤمنين بحل الدولتين، قد واجهوا في أعماقهم جميع الأسباب الداعية إلى التخلي عن إيمانهم، ليرجعوا إلى حجة واحدة: ما من بديل. فالتقسيم يعد أمرا محتوما وإن بدا صعب التخيل بسبب لأنهم غير قادرين على تخيل أي شيء آخر».
يبدو اتهام مالي لعملية السلام أمرا صادما، نظرا لدوره طوال حياته في مؤسسة السياسة الخارجية. فقد كان جزءا من الفريق الذي نظم قمة كامب ديفيد عام 2000، وهي محاولة محمومة نوعا ما من قبل كلينتون في أواخر رئاسته، وعمل عن قرب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين. ثم عمل لاحقا مسؤول عن الشرق الأوسط في عهد باراك أوباما، فقاد المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني. ثم كان مبعوث جو بايدن الخاص إلى إيران، حيث عمل مع زميل مدرسته الثانوية السابق أنطوني بلينكن وزير خارجية بايدن.
ومع ذلك، وبفضل جزئي لتاريخ عائلته غير المتوقع، لم يكن لدى مالي ما كان لدى العديد من زملائه من التحيز الفطري تجاه إسرائيل. فقد كان والده يهوديا مصريا، وأيضا قوميا عربيا معاديا للصهيونية، وهو الذي عرَّف مالي في صغره بعرفات خلال رحلة عائلية إلى الجزائر. لم يتبن مالي أفكار أبيه السياسية اليسارية المتطرفة، وكتب أنه في حين ظل أبوه ينظر إلى إسرائيل بوصفها قوة استعمارية غير شرعية تماما، فقد رأى هو «حركتين وطنيتين متنافستين بحاجة إلى نوع من التعايش». لكن مالي كان غريبا على الثقافة الصهيونية الليبرالية التي شكلت العديد من الأميركيين الذين عمل معهم.
وطالما كرهه اليمين المؤيد لإسرائيل، الذي ابتهج عند إبعاده سنة 2023 عن منصبه في إدارة بايدن بسبب تحقيق في تعامله مع وثائق سرية. قال مالي إنه تم إبلاغ محاميه في وقت سابق من العام الحالي بأنه قد تم إغلاق القضية وإنه لم يعرف قط ما كانت تدور حوله بالضبط تلك القضية، واصفا التجربة بالـ»كافكاوية». ويبدي مالي أسفه من أن إبعاده عن العمل هو الذي جعله يعجز عن الاستقالة من إدارة بايدن اعتراضا على دورها في وحشية إسرائيل في غزة.
وفي ضوء سجله، فليس من المرجح أن يتعامل المحافظون مع أي شيء يقوله مالي عن الشرق الأوسط بشكل جدي. لكن حتى من يتشبثون بحلم الدولتين يجب أن ينظروا في تحليله وتحليل أغا بعين الاعتبار. ولعلي من الأشخاص الذين يشيرون إليهم في كتابهما، فأنا الشخص الذي فقد الإيمان بأنه ستقوم دولة فلسطينية على الإطلاق ولكنه لا يستطيع تصور بديل عملي ومقبول.
إسرائيل لن تفكك نفسها. وقد تبدو لدولة ثنائية القومية ذات حقوق متساوية للجميع جذابة من الناحية النظرية، لكن، عمليا، آخر ما يريده الإسرائيليون والفلسطينيون هو توثيق العلاقات. في استطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في مايو، أيد 14% فقط من المشاركين الفلسطينيين إقامة دولة واحدة للجميع، وقال 47% إنهم يريدون دولة فلسطينية في حدود ما قبل عام 1967.
في كتاب «غدا هو الأمس»، يطرح مالي وأغا بعض الأفكار إلى جانب إقامة دولة واحدة ثنائية القومية، منها اتحاد كونفدرالي فلسطيني مع الأردن. ويكتبان أن «الإسرائيليين، الذين يكادون يكونون غير راغبين في تسليم مستقبلهم للفلسطينيين، لديهم نظرة أكثر تعاطفا مع الأردن لأسباب تاريخية وسياسية ونفسية». ويدرك الكاتبان جميع العقبات التي تعترض سبيل مثل هذا الاتحاد، ومنها القومية الفلسطينية وعزوف الأردن عن قبول ملايين المواطنين الفلسطينيين الجدد. ولكن ما من حل يخلو من صعوبات جسيمة، وهما يريان أن الخيارات قائمة. يقول مالي إنه عازف عن الإفراط في الإرشاد، نظرا لارتباطه «بإخفاقات الماضي». ولكن الأمر الملح الآن يتمثل في التخلي عن الافتراضات القديمة فـ»علينا أن نفسح المجال، ولو قليلا، لهذه الأفكار البديلة، بدلا من وصمها جميعها بمنافاة الواقعية، والتمسك بالفكرة التي لا أقول فقط إنها غير واقعية بل وأقول إننا جربناها وفشلنا وجربناها وفشلنا مجددا».
ثمة حس أكاديمي في هذا النقاش برمته، نظرا لأنه لن يكون هناك حل إنساني ولو ضئيل لهذا الصراع عما قريب. وفي المدى القريب، سوف نشهد ضم إسرائيل للضفة الغربية - بحكم الأمر الواقع إن لم يكن على المستوى الرسمي - والتطهير العرقي لغزة الجاري بدعم كامل من دونالد ترامب. وفي المستقبل المنظور، ليس من المرجح أن توجد دولة بين النهر والبحر إلا إسرائيل بنيامين نتنياهو.
ولكن مثلما يوضح كتاب «غدا هو الأمس»، فإن الوضع الراهن المزري هو بالضبط سر خطورة التشدق بالشعارات السهلة حول حل الدولتين. فبالتظاهر بأن دولة فلسطينية تلوح في الأفق، فإننا نديم وهما مفاده أن احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية مؤقت. وإثارة مسألة حل الدولتين تساعد الدول الأوروبية - والحزب الديمقراطي - على تبرير دعم إسرائيل على الرغم من إدانة المجاعة في غزة. فلو أننا نؤمن بحل الدولتين، فيمكننا أن نؤمن بمستقبل تكون فيه إسرائيل يهودية وديمقراطية في آن واحد، وبالتالي تستحق الدعم الليبرالي. أما إذا لم يكن هذا المستقبل آتيا أبدا، فإن الحديث عن حل الدولتين يصبح محض ذريعة، وليس طموحا.
ميشيل جولدبرج كاتبة عمود في صحف الرأي منذ عام2017، ومؤلفة العديد من الكتب في السياسة والدين وحقوق المرأة.
خدمة نيويورك تايمز
