أوكرانيا ونضالها العالمي من أجل الديمقراطية

08 مارس 2022
08 مارس 2022

خلال العقود الأخيرة، وأمام الحكم الاستبدادي الذي امتد من روسيا ليشمل شمال أوكرانيا وشرقها، بدأ الأوكرانيون يتخذون بين الحين والآخر، مسارا سياسيا مختلفا تماما، وذلك عن طريق الخروج في انتفاضات جماهيرية دورية.

ومن خلال إجراء عدة دورات انتخابية والخروج في عدة احتجاجات شعبية، انتقلت أوكرانيا إلى النظام القائم على المثل الديمقراطية لسيادة القانون، وحماية الحريات الفردية، وحرية التعبير وتكوين الجمعيات، والانتخابات الحرة والنزيهة، والحل السلمي للنزاعات الداخلية.

واليوم، تصنف المنظمات الدولية أوكرانيا على أنها ديمقراطية لم تكتمل بعد، ولكنها طموحة. إن المسارات المتباينة لروسيا وأوكرانيا والتي تتمثل ديكتاتورية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتزايدة الإحكام مقابل المجتمع الأوكراني المنفتح والفوضوي أحيانا، زاد من احتمالية الغزو الذي شنه الكرملين في الآونة الأخيرة.

وتكمن أحد الاختلافات الرئيسية بين الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات في كون هذه الأخيرة تحمي حقوق حرية التعبير والتجمع، ثم الاحتجاج الشعبي.

وكما يعلم مواطنو الديمقراطيات، أن بعض القوانين المتعلقة بالاحتجاجات ضرورية للحفاظ على السلام، وأحيانا تذهب هذه القوانين بعيدًا إلى درجة منع ممارسة هذه الحقوق. ولكن الأنظمة الديكتاتورية، لا يمكنها ببساطة أن تتسامح مع الاحتجاجات، على الأقل تلك التي تنتقد الحكومة.

ويهدد الكرملين، الآن، الروس المتظاهرين ضد الحرب في أوكرانيا بـ(عقوبة قاسية) لتنظيمهم (أعمال شغب جماعية). كما يدرس البرلمان الروسي الذي يسيطر عليه بوتين قانونا بفرض عقوبات بالسجن لمدة 15 عاما على الأشخاص الذين (يزورون) المعلومات بشأن (العملية العسكرية الخاصة) في أوكرانيا.

ومن المرجح أيضًا أن يلحق المستبدون الأذى الجسدي بالمحتجين. فقد كانت حملة القمع العنيفة التي شهدتها كييف في وقت سابق بداية للإطاحة النهائية بآخر رئيس موالٍ لروسيا في أوكرانيا، فيكتور يانوكوفيتش، في عام 2014.

وفي محاولة لاسترضاء الدوائر المؤيدة للغرب في أوكرانيا، تحدث يانوكوفيتش مع الاتحاد الأوروبي، وأعلن في عام 2013 أن حكومته ستوقع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي. ولكن في أواخر نوفمبر 2013، وبضغط من بوتين، ابتعد فجأة عن الاتحاد الأوروبي، وفضل الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا. وتفاجأ المتظاهرون بتحرك يانوكوفيتش، فتجمعوا في ساحة (ميدان) في كييف.

وفي الساعات الأولى من يوم 30 نوفمبر، كانت مجموعة صغيرة من المتظاهرين تمر بجانب عمال البلدية الذين كانوا يقومون بتجهيز شجرة عيد الميلاد، عندما ظهرت فجأة فرقة من Berkut (بيركوت)، وهي قوة شرطة خاصة أوكرانية، هاجمت المتظاهرين والعاملين بالأحذية والهراوات.

وكان العنف ضد المتظاهرين السلميين، الذي أمر به يانوكوفيتش، غير مألوف بالنسبة لأوكرانيا في ذلك الوقت.

وأثارت صور شبان كان يُدس بهم داخل سيارات الشرطة وهم ملطخون بالدماء موجة غضب هائلة، ويقدر أن أكثر من نصف مليون متظاهر قد احتشدوا في وسط كييف في 1 ديسمبر.

وكانت هذه بداية احتجاجات الميدان الأوروبي، التي بلغت ذروتها في فبراير 2014 وانتهت بفرار يانوكوفيتش من أوكرانيا إلى المنفى الذاتي في روسيا. وألمح بوتين مؤخرًا إلى هذه الأحداث في خطاب يبرر الهجوم الحالي على أوكرانيا، مدعيًا باللغة الأورويلية أن يانوكوفيتش أطيح به في (انقلاب).

وينهي الاعتداء الجسدي الذي يمارسه بوتين على أوكرانيا فترة من الهجمات السياسية على الديمقراطية في جميع أنحاء العالم. إذ استهدف العديد من المهاجمين الذي انتُخبوا لتولي مناصب القيادة، مثل يانوكوفيتش، دساتير بلدانهم واعتدوا على الحقوق الأساسية للمواطنين. واتبع المستبدون الطموحون هذا النموذج في بلدان مختلفة مثل البرازيل، وفنزويلا، ونيكاراجوا، والمجر، وبولندا وصربيا، وتركيا، والفلبين، والولايات المتحدة.

واعتمد هؤلاء الديمقراطيون المرتدون على بعضهم البعض للحصول على الدعم، وشكلوا تحالفًا ضمنيًا. وكان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إحدى ركائزها، وعمل بجد لدعم القادة ذوي التفكير المماثل، بما في ذلك من خلال دعوتهم لزيارة مرحب بها في البيت الأبيض.

وأظهر ترامب بوضوح تفضيلاته في عام 2019 من خلال استضافة رئيس الوزراء المجري الاستبدادي، فيكتور أوربان، بينما طالب الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بشق طريقه إلى واشنطن من خلال الشروع في إجراءات قانونية ضد من كان، آنذاك، منافسا محتملًا لترامب في الانتخابات الرئاسية، وهو جو بايدن. وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تحطيم هذا التحالف غير المقدس الذي يجمع بين المستبدين الطموحين ممن كانوا ينظرون إلى بوتين باعتباره من سيكون الزعيم القوي في نهاية المطاف.

وشجب أوربان الغزو، بينما تقبل بولندا تدفق اللاجئين الأوكرانيين. ولدى كل من المجر وبولندا سبب جديد لتقدير عضويتهما في الناتو. دعونا نأمل أن يعيد عدوان بوتين الشعور بالهدف المشترك بين المجتمعات الحرة، ويقنع المستبدين المحتملين بأن السلام، والأمن، والبقاء القومي، كلها قيم تستحق أن تُدفع ثمنا مقابل القبول في النادي الديمقراطي. وهناك، ستحظى حقوق المواطنين وحرياتهم بفرصة أفضل لاحترامها.

__________

سوزان ستوكس أستاذة العلوم السياسية ومديرة مركز شيكاغو للديمقراطية بجامعة شيكاغو.

خدمة بروجيكت سنديكيت