أخشى أننا نرتكب الخطأ نفسه من جديد

20 مارس 2023
20 مارس 2023

ترجمة - أحمد شافعي -

تخيل أن ينشب في مطبخك حريق صغير. ينطلق جهاز إنذار الحريق لديك، محذِّرا جميع الجيران من الخطر. يتصل أحدهم برقم الطوارئ. تحاول أن تطفئ النار بنفسك، بل ربما تكون لديك مطفأة حريق أسفل الحوض. إذا لم تعمل المطفأة، فأنت تعلم كيف تقوم بإخلاء آمن للمكان. لا تكاد تصل إلى الخارج حتى ترى سيارة إطفاء تتوقف بالفعل. يستعمل رجال الإطفاء صنبور مياه أمام بيتك لإطفاء ألسنة اللهب قبل أن يتعرض أي من منازل جيرانك لخطر انتقال الحريق.

نحن بحاجة إلى الاستعداد لمكافحة تفشيات الأمراض مثلما نحن مستعدون لمكافحة الحرائق. فلو أتيح لحريق أن يخرج عن السيطرة، فإنه يمثل خطرا لا على منزل واحد وإنما على حي كامل. ويصدق هذا على الأمراض المعدية، باستثناء أن الأخيرة أضخم نطاقا. ونعلم جميعا تمام العلم من تجربة كوفيد أن تفشيا في أي مدينة قد ينتشر بسرعة في بلد بأكمله ثم في العالم كله.

حينما وصفت منظمة الصحة العالمية كوفيد-19 للمرة الأولى بالوباء قبل أكثر قليلا من ثلاث سنوات، كان ذلك بمثابة ذروة فشل جماعي في الاستعداد للأوبئة، على الرغم من العديد من الإنذارات. وإنني أخشى من أننا نرتكب الأخطاء نفسها مرة أخرى. فالعالم لم يفعل الكثير من أجل الاستعداد للوباء التالي مثلما كنت أرجو. لكن الوقت لم يمض بعد لإيقاف التاريخ عن تكرار نفسه. وليس العالم بحاجة إلى أكثر من نظام جيد للتمويل يكون مستعدا للانطلاق في العمل في غضون لحظة بعد الإشعار باندلاع خطر. نحن بحاجة إلى دائرة لإطفاء الأوبئة.

وإنني متفائل تجاه شبكة تقيمها منظمة الصحة العالمية وشركاء لها وتحمل اسم (فيلق طوارئ الصحة العالمي) Global Health Emergency Corps. سوف تعمل هذه الشبكة المؤلفة من كبار قيادات طوارئ الصحية في العالم عملا جماعيا من أجل الاستعداد للوباء التالي. وكما أن رجال الإطفاء يتدربون على الاستجابة لحريق، يخطط فيلق الطوارئ للتدرُّب على الاستجابة للأوبئة. وسوف يسعى التدريب إلى التأكد من أن الجميع ـ من حكومات ومقدمي خدمات رعاية صحية، وعمال طوارئ صحية ـ يعلمون ما ينبغي أن يفعلوه عند ظهور التفشي المحتمل.

وسوف يكون من أهم وظائف الفيلق أن يسارع إلى العمل من أجل إيقاف انتشار أي عامل مسبب لمرض. وتستوجب سرعة العمل أن تكون لدى البلاد قدرات تحليل واسعة النطاق لتحديد الأخطار المحتملة مبكرا. والمراقبة البيئية من قبيل تحليل مياه الصرف أمر أساسي، لأن الكثير من مسببات الأمراض تظهر في الفضلات البشرية. ففي حال ظهور عينة إيجابية من مياه الصرف، ينتقل فريق استجابة سريعة إلى المنطقة المتضررة للعثور على من تحتمل إصابتهم بالعدوى، وتنفيذ خطة استجابة وبدء توعية مجتمعية ضرورية بما يجب البحث عنه وكيفية الوقاية منه.

مثلما تبين من كوفيد-19، يمثل الوباء مشكلة هائلة، ولا ينبغي أن يعتمد تخفيف هذا التحدي على متطوعين. لكننا بحاجة إلى فيلق من المحترفين من كل بلد ومن كل منطقة، والعالم بحاجة إلى العثور على طريقة لتعويضهم عن الوقت الذي ينفقونه في الاستعداد للأخطار العابرة للحدود والاستجابة لها. لا بد أن يكونوا قادرين على نشر فرق محترفين متأهبة للمساعدة في السيطرة على التفشيات حيثما تبدأ.

ومن أجل النجاح، لا بد أن يقام فيلق الطوارئ على أساس الشبكات القائمة بالفعل والمؤلفة من خبراء، ولا بد أن يتولى قيادته أمثال رؤساء الهيئات الصحية الوطنية العامة وقياداتها من أجل الاستجابة الوبائية. فمن الصعب على أي بلد أن يوقف بمفرده انتشار مرض، لأن كثيرا من الخطوات المفيدة تقتضي تنسيقا من أعلى مستويات الحكم. ويجب أن يستعد العالم لحريق متعدد الإنذارات تقتضي الاستجابة له وحدات ودوائر مختلفة.

مثل هذه الحرائق نادرة الوقوع، لكن عند نشوبها، لا يتاح وقت كبير. يجب على جهات الاستجابة المحلية أن تعرف أن بوسعها الاعتماد على انطلاقة من رجال إطفاء جيدي التدريب سوف يعملون معا في سلاسة. فلا يمكن أن يصلوا إلى موقع الحريق ليكتشفوا أن خراطيمهم غير ملائمة لأقرب صنبور أو أنهم يتبعون نهجا مختلفا كل الاختلاف عن الوحدات الأخرى. سوف يتأكد فيلق الطوارئ من التنسيق بين البلاد والأنظمة الصحية قبل وقوع الطارئة، فيعمل كل شيء في سلاسة في أوقات الأزمات.

وها هنا يؤدي التدريب إلى الكمال. فمن خلال التدريب والمحاكاة، سوف يكشف الفيلق مناطق عدم استعداد البلاد والقادة ويساعد على إصلاح ذلك بدءا من الآن. ومن المهم أيضا أن يتم إجراء التدريب على أنواع كثيرة مختلفة من مسببات المرض. فأمراض الجهاز التنفسي لدى البشر تمثل مصدر خوف هائل، لأنها يمكن أن تكتسب صفة عالمية بسرعة شديدة. (وحسبكم أن تنظروا كم كان انتشار كوفيد سريعا). لكنها ليست الخطر الوحيد. فماذا لو أن مسبب المرض الوبائي القادم ينتشر عبر ملامسة الأسطح؟ أو أنه ينتقل بالممارسة الجنسية مثل فيروس نقص المناعة البشرية؟ ماذا لو وقع نتيجة إرهاب بيولوجي؟ كل سيناريو من هذه يقتضي استجابة مختلفة، وبوسع فيلق الطوارئ أن يساعد العالم على التأهب لها جميعا.

ليست لدينا رفاهية أن نجد أنفسنا مرة أخرى غير مستعدين. لا بد أن يفعل العالم الآن شيئا يضمن به أن يكون كوفيد-19 آخر الأوبئة، ومن أهم الخطوات التي يمكننا القيام بها أن ندعم خبراء الصحة الرئيسيين في العالم ـ أي منظمة الصحة العالمية ـ وأن نستثمر في فيلق طوارئ الصحة العالمي ليتسنى له الوصول إلى أعلى قدراته.

سوف يقتضي هذا أمرين، أولا: يجب على القيادات الصحية من كل البلاد أن تشارك. فقد يظهر الوباء التالي من أي مكان، ولذلك لا بد أن يحظى فيلق الطوارئ بخبرات من كل بقعة في الكوكب، ومن ذلك هيئات الأمراض والبحوث الوطنية من قبيل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها والمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة. ثانيا: نحتاج من البلاد الثرية أن تبادر وتوفر التمويل لتحويل هذا المخطط إلى واقع.

إنني أعتقد أن منظمة الصحة العالمية تظل خير أداة لدينا لمساعدة البلاد على إيقاف تفشيات الأمراض، وسوف يمثل فيلق الطوارئ الصحية العالمي تقدما هائلا على الطريق إلى مستقبل خال من الأوبئة. ولكن السؤال هو هل لدينا من البصيرة ما يجعلنا نستثمر في المستقبل الآن، وقبل فوات الأوان؟

بيل جيتس الرئيس المشارك لمؤسسة بيل وميليندا جيتس، ومؤلف كتاب «كيفية منع الجائحة التالية».

خدمة نيويورك تايمز ترجمة خاصة بجريدة $