وما رسالة حياتك؟!

30 يوليو 2023
30 يوليو 2023

في هذه الدنيا التي تختبر طريقة وجودنا في الحياة والهدف السامي الذي يجب أن يحمله كل منا، يجب أن نتساءل دوما وسط أخبار الموت التي تنتشر في كل مكان، لماذا ما زلنا حتى الآن أحياء؟!

هل الحظ ما زال حليفنا برحمة الله؟!

من الذي يصنع ويحدد معنى حياتنا؟!

ألسنا نحن المعنيين في الأصل بصناعة المعنى الحقيقي لحياتنا من خلال اختيار الكيفية التي يجب أن تقوم عليها أخلاقنا ومبادئنا؟!

وهنا لاحظ عزيزي القارئ أنا لا أتحدث بالكيفية التي تحدد أوضاع أرزاقنا في هذه الدنيا لأنني لا أود الحديث بمثالية مطلقة فأنا أعلم تماما بأن هناك ظروفا كثيرة تكسر الحياة وتخلق المأساة للأوضاع التي تحيط بالكثير مثل: الحروب والكوارث وغيرها من المآسي التي يتطلب فيها تجاوز إرادة الجميع قيادة وشعبا مثلما فعلت اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وسلطنة عمان في عهد النهضة المباركة التي تخطت الكثير من مآسي الحرب بإرادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- وشعبه بداية من عام 1970م إلى عام 1975م بنهايتها (حرب ظفار) بعدما نشبت نيرانها عام 1964م!

إذن أنا هنا أتحدث عن مقدرة الفرد مهما كانت ظروفه في اختيار الأخلاق السامية ونبل المبادئ دون ترويع وظلم الآخرين والتعدي عليهم.

فالإنسان الذي يستطيع وسط كل هذا الصخب الحادث الآن من انهيار خطير لمنظومة الأخلاق بشكل جماعي مسعور مدعوم بأموال طائلة وسلطة تنفيذية خطيرة أن يختار المبادئ الراسخة التي تساعده على أن يترك بصمة رائعة في حياته وإن كان يعيش في بقعة صغيرة لا يراه فيه أحد من العالمين إلا محيطه المتواضع ولو بعدد الأصابع لمحظوظ للغاية لذلك الأثر الجميل الذي يتركه بعد مماته رغم كل الفتن.

لا يكفي أن نناقش بلغة الأفكار هنا عن رسالة الحياة إلا إذا تأملنا بشكل عميق كل جنازة نشاهدها أو خبر موت نسمع عنه كيف هو حالنا ولماذا الآن بالذات هم الأموات ونحن الأحياء؟!

هل تعاسة الحظ هي من أنهت حياتهم ونحن عكسهم؟!

هل هذا ما أخبرتك بها نفسك؟!

يجب أن نتأمل جميعا حياتنا جيدا وفي كل ثانية حياة نقضيها أو كل لحظات تفكير عقلنا الباطن الذي يرشدنا إلى النية والفعل.

يجب أن ندرك أن القدر الإلهي الذي لم يخطفنا من الحياة حتى الآن ليس مجرد حظ مؤقت بل هناك رسالة أعظم أراد الله أن يوصلها لنا، من خلال استيعابنا للرسائل السامية التي نحملها لمن حولنا قبل رحيلنا.

بعضهم يتحسر على وفاة أحدهم، ويذكر محاسنه حتى نهاية عالمه بين الأحياء.

وبعضهم لن يذكر إلا مساوئ من غادر لكثرة ظلمه وتعديه على الآخرين وذاك كان للأسف أثره.

وترك الأثر لا يعني فقط ما يتعلق بالنتاج العلمي الفكري أو الأدبي أو الفني أو الديني.. وإلخ الذي يتركه أحدهم قبل وفاته.

ترك الأثر كذلك الأخلاق والسمو والسلام والعدل وكف الأذى عن أقرانك وهذا هو الأهم بالنسبة لي.

شاهدوا من حولكم.. جيرانكم وأهلكم وجميع من في محيطكم حينما يغادرون الحياة ما الأثر الذي تركوه بينكم، وأي سيرة تذكرونها لهم بعد رحيلهم؟!

وكيف هي سيرتك الآن وأنت بينهم من خلال أفعالك وأخلاقك والمبادئ التي تؤمن بها وأنت ما زلت على قيد الحياة ؟!

واسأل ذاتك جيدا ماذا لو كنت الآن بدل ذلك الفقيد؟!

ماذا تركت ومن آذيت بشرِّك أو من آويت بسلامك؟!

من الذي أنصفته بسموك أو ظلمته بجبروتك؟!

وهل وجودك بين عائلتك أثره عظيم لا يعوض؟!

أو هذا الوجود أصبح مزعجا أكثر من ألمهم لنهايتك؟!

عايشت في حياتي واقع الأمرين، فكم من الأبناء يدعون ليل نهار لوفاة معيلهم لكثرة أذاه لهم؟!

وفي المقابل أعلم بأن هناك الكثير من العائلات كسرهم الحزن بشدة لفقد معيلهم لطيبته وحنانه وسمو أخلاقه.

وكذلك الحال ينطبق على العديد من البشر الذين يتمنون زوال أحدهم لعداوة أو خصام!

بل تعدى الأمر إلى أن تشاهد عائلات بأكملها ينخرها الخصام من أجل الميراث كمثال!

وما الميراث؟!

هل تساءل أحد المتخاصمين في ذلك وتأمل أصل الميراث؟!

الميراث بالنسبة لي وجه من وجوه آلام الموت؟!

فتخيلوا معي بأن هذا الألم المتوارث يصبح عرضة للخصام والمعارك في أروقة المحاكم وبعضهم مات ورحل وهو على أشد الخصام مع عائلته للسبب ذاته، للأسف وكأن كل ذلك دائم للأبد!!

أحزن كثيرا حينما أرى القضايا في المحاكم على أسباب تافهة أمام حقيقة الموت!

عداوات تنهش البعض.

وأعراض تنهك ودماء تسفك دون أي حق.

أحزن كثيرا لمن سلط حياته نحو الحسد والغيرة ومراقبة الناس وشتمهم من باب النصيحة!

ولا تستوي النصيحة أبدا برفقة الشتيمة ولو كانت وسط المنابر!

الغاية لا تبرر الوسيلة هنا أبدا.

وفي المقابل التصالح مع الموت هو أساس الصبر الذي يحبه الله في عباده أي تقبل هذا الواقع بأن لكل حياة نهاية، ولا أعلم لماذا ينسى الكثير هذا الواقع فيستمر في أذى غيره دون أن يتوقف وكأنه مخلد في هذه الأرض!

ما أجبرني اليوم لكتابة هذه الأسطر هو خبر وفاة الشاعرة العمانية الشابة هلالة الحمدانية رحمها الله بعد 3 أيام فقط من قدوم مولودها حيث كان خبر رحيلها صادما كالصاعقة على عائلتها وكل أحبتها، فالفقيدة لا يجمعني بها أي معرفة ولكن سيرتها الحسنة تجبر كل واحد منا بأن يتفكر مليا في ما يتركه قبل رحيله من ذكرى طيبة.

فكان الرثاء من قبل أقربائها عميقا ومؤثرا للغاية بسبب السيرة الحسنة التي تركتها بينهم قبل رحيلها فقد اختارت حسن الأثر الذي سيبقى في ذاكرة تاريخ وجودها مهما اندثرت الأيام والسنين.

إن حقيقة الفناء لو استوعبها الإنسان بكل حكمة ورزانة لكانت رادعة لكل عاقل متأمل بكل ما أوتي من فكر لحقيقة وجوده ورسالة الله له الذي أراده فيها سلاما على من حوله حتى يغدو نقاء ولطف قلبه هو النبي الحي الذي لا يموت حتى آخر لحظة من وعيه في الحياة.

نصر البوسعيدي كاتب عماني