وزير الإعلام .. ومرحلة تطبيق التعددية الفكرية

15 مايو 2023
15 مايو 2023

8 أبريل 2023م.. أجرى الإعلامي موسى الفرعي عبر إذاعة أثير لقاءً مع معالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام بسلطنة عمان، لقي اللقاء أصداء واسعة، خاصةً؛ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومعظمها ردود فعل، أو نقد لعمل الوزارة والإجراءات التي تتخذها مؤسساتها في النشر، مما يجعل هذه الردود في إطار الخبرات الشخصية.

المقال.. يقرأ اللقاء في الفضاء الكلي لتحولات رؤية الدولة، فالرؤية.. هي التي تحدد الاستراتيجيات التي تنبثق منها: الخطط والبرامج وأنشطة المؤسسات، بمعنى؛ أن المقال يحاول قراءة خطاب المرحلة في ظل قيادة مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله.

لقد كتبت في مقال «النطق السامي.. خطاب النهضة المتجددة» المنشور بجريدة «عمان» بتاريخ: 22/ 11/ 2021م: (تأتي ميزة خطاب النهضة المتجددة باستناده إلى تجربة عميقة وناجحة، وهو خطاب يوجِّه الأمة العمانية إلى تقدير المنجز الذي حققه الأسلاف، وتعظيم الاستفادة منه، وعدم البدء من الصفر).

ولذا؛ علينا أن نواصل تحليل خطاب جلالة السلطان هيثم بناءً على الفعل التراكمي الذي سارت عليه الدولة منذ انطلاق نهضتها الحديثة عام 1970م، على يد السلطان قابوس بن سعيد (ت:2020م).

وقد قسّمتُ خطاب النهضة إلى ثلاث مراحل:

الأولى.. مرحلة توحيد الرؤية، لزم الدولة عند نشأتها أن توّحد جهودها في لمِّ شملها ورصِّ صفها، لا سيما؛ أنها ورثت تركة ثقيلة من ثالوث التخلف: الجهل والمرض والفقر، والذي دعا الشعب أن يبحث عن حلول من خارج مجتمعه وزمانه، وأن يثور عليه، فكان من الضروري مواجهة هذه التركة بتوحيد الأمة عبر توحيد الرؤية وخطابها، وعليه بُني الجهاز الإداري للدولة، والذي استغرق اكتماله حوالي ثلاثين عاما.

الثانية.. عندما اكتملت الدولة وقويت مؤسسياً وقانونياً؛ ودخل العالم كذلك مرحلة العصر الرقمي، انتقلت فيه إلى مرحلة التعددية الفكرية، بخطاب السلطان قابوس لشعبه، وللعالم من ورائه، في جامعة السلطان قابوس بتاريخ: 2/ 5/ 2000م: بأن (مصادرة الفكر والتدبر والاجتهاد من أكبر الكبائر، ونحن لن نسمح لأحد أن يصادر الفكر أبداً، من أي فئة كانت). وكنا نطمح؛ بل نترقب.. بأن يتحول الخطاب إلى أرض الواقع عبر هياكل الدولة، ولكنه تأخر -فيما يبدو- لأن معظم الجيل المؤسِّس لا يزال حينها ممسكاً بزمام الدولة. ودخول السلطان قابوس في مرضه الأخير. ومع ذلك؛ حصل تحولان: تعديل النظام الأساسي للدولة ونظام مجلس الشورى، بتاريخ: 19/ 10/ 2011م، إثر احتجاجات الربيع العربي.

الثالثة.. التجدد في النهضة، وهي التي ينتظرها الشعب، وقد أعلن جلالة السلطان هيثم أعزّه الله فيها التأكيد على حرية الرأي والتعبير، بداية حكمه، بتاريخ: 23/ 2/ 2020م: (إن مما نفخر به.. أن المواطنين والمقيمين على أرض عُمان العزيزة يعيشون بفضل الله في ظل دولة القانون والمؤسسات، دولة تقوم على مبادئ الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص، قوامها العدل، كرامة الأفراد وحقوقهم وحرياتهم فيها مصانة، بما في ذلك حرية التعبير التي كفلها النظام الأساسي للدولة)، وهو ما يمكن اعتباره توجّه الدولة إلى إنزال خطاب التعددية على أرض الواقع عبر مؤسساتها المختلفة. وما يحسب لمعالي الدكتور عبدالله الحراصي أنه أول وزير يعلن رسمياً عن مضامين توجيهات جلالة السلطان - حفظه الله -، ولذا؛ لمّا استمعت للقاء غردت في تويتر بتاريخ: 10/ 4/ 2023م قائلاً: (لقاء رائع ومهم مع معالي الدكتور عبدالله الحراصي وزير الإعلام، فله كل الشكر، والشكر موصول للصديق موسى الفرعي).

هذا اللقاء المهم بتعبيره عن مرحلة التطبيق العملي للتعددية الفكرية؛ لم يكن حديثاً عابراً أو رأياً شخصياً، بل (توجيهات معلنة) رسمياً، و(نحن بصوت عالٍ.. ندعو إلى حرية الرأي، نتمنى من الجميع أن يحرر رأيه، ويحرر قوله، ولكن بناءً على المنهج).

فهو خطاب يعبّر عن رؤية شاملة لدى جلالة السلطان - حفظه الله: (توجيهات جلالة السلطان فيما يخص الإعلام، فيما يخص الرأي العام، ما يخص الأخلاق العامة، ما يخص التنشئة معروفة، ونشر عنها الكثير، وكتب عنها الكثير. جلالة السلطان المعظم مع؛ ويدعم بقوة، حرية الرأي، حرية الرأي المسؤولة، يدعم كذلك الوعي النقدي؛ الذي يدفع بالإنسان إلى أن يقدم أفضل ما لديه لبناء البلد).

ويؤكد على ذلك بقوله: (أنا أكلمك، وأقول لك: إن جلالة السلطان يدعو إلى هذا، جلالة السلطان؛ قيادة الدولة تدعو إلى حرية الرأي الحقيقية والمسؤولة، الحرية المسؤولة؛ وليست المنفلتة من كل عقال أيضاً، وليست الحرية التي تدعو إلى التفتيت، وليست الحرية أيضاً -اعذرني- التي تجهل بعض الأمور، ربما أمور؛ الكاتب لا يعلمها، نشرح له إياها، قد يغيّر رأيه. لا أعتقد أن هناك جهات ترفض هذا، إذا كانت دعوة القيادة إلى هذا؛ لا توجد جهة ترفض هذا. وأنا على علم ومعرفة بالحكومة بأكملها، الجميع يدعون إلى هذا).

ومعاليه ينقل توجيهات جلالته بدعوة الكُتّاب إلى نشر ما يريدون بمسؤولية وتحليل، وقد يؤدي طرحهم إلى تغيير الدولة بعض مساراتها؛ فيقول: (جلالة السلطان المعظم - حفظه الله - دائماً يدعونا إلى هذا؛ وإلى دعم حرية الرأي المسؤولة، وما يقوله؛ دائماً ينصحنا شخصياً كوزير إعلام، نرجو من جميع الكُتّاب أن ينشروا ما يريدون، ولكن بمسؤولية وبتحليل حقيقي. بل إن جلالته الله يحفظه يقول: إذا رأينا فيه نفعاً، فسنغيّر مساراً، وسنغيّر قرارات اتخذت، ولكن الأهم أن يقال بطريقة تحليلية حقيقية، ينبع منها الصدق والتأمل في الموضوع).

وهو خطاب المستقبل؛ إذ لا يتوجه إلى الجيل الحاضر وحده، وإنما كذلك إلى جيل الناشئة؛ الذي سيحمل راية الوطن وهمومه، ويعمل على بنائه، ليس من خلال فتح مجال الحرية وحده، بل بتعليم هذا الجيل «حرية التعبير الحقيقية»: (هناك دعوات لتعليم النشء حرية الرأي الحقيقية، وحرية التعبير الحقيقية، على الجميع ألا يخاف في التعبير عن رأيه الحقيقي والفكري؛ المبني على أسس صلبة). (وجلالة السلطان تحدث أيضاً؛ علينا ألا نربي أبناءنا في وسائل التواصل الاجتماعي، ويقصد طبعاً الجزء السلبي؛ مثالب التواصل الاجتماعي، ليس الإيجابيات، الإيجابيات بنّاءة ونستفيد منها في بنائنا، وفي تعليمنا وتثقيفنا وتثقيف المجتمعات. ولكن هناك جانباً سلبياً علينا، على الأسرة العمانية، كل من يشاهد الآن، ألا نربي أبناءنا على الخوف من أن يقول رأيه؛ رأيه الحقيقي وليس الرأي الانطباعي فقط).

ويؤكد معاليه أن «الرأي الحر والمسؤول» مطلوب، والمسؤولون مأمورون من جلالته بالاستماع إليه، والاستفادة منه لتطوير العمل المؤسسي: (الرأي الحر والمسؤول مرحب به، بل ليس مرحب به [فحسب، وإنما] مطلوب. نحن مأمورون كمسؤولين أن نستمع إلى هذا، وأن نستفيد منه لبناء عملنا، ولتطوير عملنا المؤسسي، بناء عمل الدولة). فهذه المرحلة لا خوف فيها، بل أصبح من الغرابة أن يخاف من يطرح رأيه: (في الحقيقة.. أنا أستغرب ممن يخاف أن يطرح رأيه، عليه ألا يخاف، المفكر لا يهاب، لا يخاف. أنا أقول: الفكر الحقيقي مطلوب، والكتابة الحقيقية مطلوبة، لكن بناءً على القول الحسن، وبناءً على رؤية تحليلية حقيقية).

ويبدأ وزير الإعلام بالحديث عن مؤسسته في هذا التطبيق العملي لحرية الرأي؛ فيقول: (فيما نتحدث عن جلالة السلطان ودعمه لحرية الرأي المسؤولة، ودعمه للتفكير النقدي المسؤول، كهمٍّ من همومنا في العمل؛ في وزارة الإعلام، هو نشر الوعي الحقيقي، وعلينا جميعاً كوسائل إعلام أن نقوم بأدوارنا، وما يتوجب علينا لنشر؛ أو لوضع أسس عن التفكير الواعي المسئول الحقيقي).

ختاماً.. لقد عبّر معالي الدكتور وزير الإعلام عن مرحلة الانتقال العملي إلى خطاب تعددية الفكر في الدولة، وعلينا أن نمضي قدماً في هذا السبيل؛ حكومةً وشعباً، ولا نهاب.