هوامش ومتون :المكتوون بلسعات «جمرة القيظ»

26 يوليو 2023
26 يوليو 2023

شارفنا على ختام الأسبوع الأخير من شهر يوليو الذي عدّته وكالة ناسا «الشهر الأكثر سخونة على كوكب الأرض منذ آلاف السنين»، وسنستقبل شهر (أغسطس) الذي يسمّى حسب تسميات شهور الروم (آب)، ويقال عنه (آب اللهّاب)، وسيكون حالنا حال «المستجير من الرمضاء بالنار»، كما يقول المثل العربي!

والرمضاء من مرادفات الحرّ، وهي كثيرة في قواميس اللغة العربية، ومن بينها: صيهد، وسخونة، وفيح، وسعار، ولهبان، وأوام، وقيظ، الكثيرون في المناطق الحارّة اكتووا بـ (جمرة القيظ)، ونحن منهم، وموسمها الذي بدأ في منطقة الجزيرة مع بدء يوليو ويستمر حتى 10 أغسطس، كما يؤكد الفلكيون، وفيها تتجاوز الحرارة نهارا 50 درجة مئوية، ومن يخرج ظهيرة هذه الأيام، كمن «مَشَى على الرَّمْضاء»، ولفظ (الرَمْضاء)، في تاج العروس: اسمٌ للأرض شديدة الحرارة، ويطلق العرب هذا الاسم:على الأرض، أو الحجارة التي حميت من شدّة الشمس وعلى من سار على تلك الحجارة، وحَرَّ الصَّيْفُ: أي سَخُنَ، واِشْتَدَّتْ حَرارَتُه، والحرور: حَرُّ الشمس، يقول تعالى في سورة فاطر «وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ*وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ» و(الحَرُورُ): هي كما يقول ابن عباس: الريح الحارّة بالليل، و«السموم» بالنهار، وحرّ الشمس، ويقول ابن الرومي:

بعتَ حُلْو الكَرى بمُرِّ سُرى الظَّل

ماءِ تختاضُها مع المخْتاض

ثم هجَّرْتَ في الهجِير وقد شُبْ

بَ على جَمرِهِ من الرضراض

قائلاً حبذا سُرى الليل دأبًا

واصطلاء الحَرُورِ ذي الإرماض

والهَاجِرة: نصفُ النهار عند اشتداد الحرِّ، قال الأصمعي: «بينما أنا ذات يوم قد خرجت في الهاجرة والجو يلتهب ويتوقّد حرا، إذ أبصرت جارية سوداء قد خرجت من دار المأمون ومعها جرّة فضة تستقي فيها ماء، وهي تردّد هذا البيت بحلاوة لفظ وذرابة لسان:

حرُّ وجدٍ وحرُّ هجرٍ وحرُّ

أيّ عيشٍ يكونُ من ذا أمرُّ؟»

ولتخفيف هذه المرارة لجأنا للمكيّفات، وبعد ارتفاع درجات الحرارة في مناطق كثيرة من العالم، ترحّم العديد من الذين شعروا بوطأة الحرارة على مخترع تكييف الهواء ويليس كارير، الذي يعود له الفضل في اختراع أول وحدة تكييف الهواء الحديث عام 1902م، حتى أن أحد «الماشين على الرمضاء»، في تركيا، التي لم تكن تعرف تكييف الهواء قبل سنتين، على الأكثر، كما علمت، وزّع الحلوى في الشارع ترحّما على روحه، ومع ارتفاع درجات حرارة الأرض سخنت أحداث العالم، حتّى أنّ السويد اعتبرت حرق القرآن الكريم الذي قام به أحد (شذّاذ الآفاق) في استوكهولم مخالفة، لا لأنّه انتهك المقدّسات، بل لأنه أشعل نارا في بلد يحظر إشعالها عندما ترتفع درجات الحرارة، لما تسبّبه من جفاف العشب، وأوراق الأشجار، وهو ما يزيد من اندلاع الحرائق، فمرّ (عيد النار) وهو يعود إلى ما قبل ظهور الديانة المسيحية، بها من دون نار!

ومع كثرة أحداث العالم الساخنة، كثر «مشعلو الحرائق» عنوان مسرحية الكاتب السويسري ماكس فريش التي كتبها في عام 1953 لكنّ المخرج العراقي كريم رشيد حين قدّمها في السويد عام 2017 استعان بممثلتين، أوقفهما المخرج عند الباب، ودورهما هو سؤال الداخلين للقاعة إن كان لديهم علبة كبريت، في إشارة إلى أن الحرائق الكبرى تبدأ بعود كبريت، والحلّ يكمن في قصّ المشكلة من الجذور، مما يؤدّي إلى القضاء على الحرائق الكبرى التي تلتهم أمن وسلام العالم، ومن يغضّ النظر عن مشعلي الحرائق سيحترق بيته كما جرى مع (جوتليب بيدرمان) صاحب معمل تصنيع مستحضرات الشعر، الذي لا تهمه سوى مصالحه وعندما يقتحم بيته 3 من مشعلي الحرائق يتصالح معهم، ويهادنهم، ظنّا منه أنه في مأمن من شرّهم، لكنهم في غفلة منه أحرقوا بيته، فضاع كلُّ شيء، مثلما أضاعت زوجة عمرو بن عداس السعادة التي كانت تعيشها في كنفه، فطلّقها في الصيف، وصارت تتحسّر ندما وهي تشتاق لشرب اللبن الذي كانت تشربه، بدلا من الماء لكثرته فقيل «في الصيف ضيّعت اللبن»، ولكي يمرّ الصيف على الأرض بسلام، علينا العودة إلى العقل، والحكمة، ونزن تصرفاتنا، وإلّا احترقت أقدامنا ونحن نمشي على الرمضاء في الحرور، لاسيّما ونحن ما زلنا نتقّلى على لسعات (جمرة القيظ).