هوامش ومتون: احجزْ تذكرتك الآن

19 يناير 2022
19 يناير 2022

رغم حرصي على مشاهدة أيّ عرض مسرحي عماني جديد، إلّا أنّني، حين علمت أن الدخول لمشاهدة مسرحية (المهاجر) يمرّ عبر بوّابة شبّاك تذاكر، تحمّست أكثر لمشاهدة المسرحيّة التي كتبها بدر الحمداني، وأخرجها سامي البوصافي، ومثّلها الفنان عبد الحكيم الصالحي، وقدّمتها فرقة (تواصل) في افتتاح (أيّام تواصل المسرحيّة)، وكم كانت فرحتي كبيرة! عندما شاهدت على شاشة كبيرة في المسرح إعلانا عن العرض وفوقه عبارة (احجز تذكرتك الآن)، ذلك لأنّ ثقافة شبّاك التذاكر ليس لها وجود، في السلطنة، خارج دور العرض السينمائي، والحفلات الغنائية، والعروض المسلّية، لذا من واجب الجميع دعمها، فمن خلالها يمكن لعجلة المسرح أن تتحرّك بدون انتظار دعم من مؤسسات، أو أفراد، وتستطيع الفرق المسرحية أن تموّل انتاجها، وتقدّم عروضها للجمهور، الذي هو الركيزة الأساسية في المسرح، فلا مسرح بلا جمهور، وإقبال الجمهور على مشاهدة العروض يعني معيارا للنجاح، فهي تحتاج الدعم الذي بالكاد يغطّي الكلف الانتاجيّة، وحين تشيع هذه الثقافة، ويمكن للمسرح أن يدخل ضمن خطط الاستثمار الثقافي، وفي لندن على سبيل المثال، نجد عائدات المسرح كبيرة، وكما يؤكد الكاتب صلاح أحمد "بلغ متوسطها 720 مليون دولار منذ العام 2007. ويقدر أن نحو 20 مليون شخص يؤمون المسارح سنوياً، 15 مليوناً منهم من نصيب المسارح التجارية في الويست إند"، وقد لاحظت كثافة الحضور عند مشاهدتي لواحد من العروض الربحية في لندن، ففيها مسارح تقدّم عروضا غير ربحية، وهذا يعني أن ليست كل المسارح تعتمد على شباك التذاكر، وكان العرض الذي شاهدته هو الثاني في ذلك اليوم أي بعد منتصف النهار، ولم يكن سعر التذكرة قليلا - كان سعر التذكرة 40 باوند، وحين انتهى العرض، رأيت طوابير، تشبه طوابير الجمهور الذي يحتشد عند بوّابات دور العرض السينمائي أيّام الأعياد، تنتظر خروجنا لتدخل، يومها عرفت سرّ تطوّر المسرح في أوروبا، وهو اقبال الجمهور عليه، وبالمقابل، فإنّ المسرح يقدم فرجة، ومتعة، ومحتوى، يجعل الجمهور يتردّد عليه، فيشكّل مصدر دخل للفرق الفنية وللعاملين في المسرح من ممثلين وفنيين، علما بأن مبدأ مشاهدة العروض بمقابل مادي تعود إلى عصور قديمة، ففي عام 1786 م كان الذي يجلس في الأماكن الخاصة (المقصورات) يدفع مبلغا لقاء جلوسه في المسرح ولكن بأشكال مختلفة، ففي أواخر القرن السادس عشر أي في عصر المسرح الإليزابيثي لم يكن شباك التذاكر قد ظهر، وقد كانت الرسوم تجمع في صندوق مثبت على عصا طويلة، ثمّ ظهر شبّاك التذاكر الذي لا نكاد نجد له حضورا في المسرح العماني إلّا في مهرجان صلالة، لذا تستعدّ الفرق المسرحية في محافظة ظفار لهذا المهرجان بشكل جيد، فتقدم عروضها المسرحية لقاء سعر ليس بزهيد لمن يود حضورها، فتشكل عائدا ماديا يعود بالنفع للعاملين والفرقة، وكان بإمكان المسرح العماني أن يصل إلى ما وصل إليه المسرح العربي في تأسيس القاعدة الجماهيرية، وقد شاهدت مقاطع من مسرحية (دختر شايل سمك) التي أعدّها الدكتور عبد الكريم جواد عن مسرحية (طبيب رغما عنه) لمولير، وأخرجها ، وقدّمت على خشبة المسرح عام 1988 وكانت من بطولة نجوم المسرح العماني الكوميدي: صالح زعل، فخرية خميس، طالب البلوشي، سعيد موسى، وزبيدة البلوشي، وخميس بن لاهي، ومحمد بن هلال السيابي، ولاحظت في تلك المقاطع كثافة الحضور الذي تفاعل مع العرض بما يشكل نواة لمسرح جماهيري، رغم أنّها قدّمت بدون تذاكر، لتحفيز الجمهور على الحضور، لكن الحال لم يستمر، وعادت مجدّدا مع مسرحية (ولد البلد) للمخرج مالك المسلماني التي عرضت في أكتوبر2019 على قاعة المسرح الكبير بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض، وجمعت نخبة من نجوم المسرح العماني، وقدّمت بتذاكر بأسعار عالية، وكانت قاعة مسرح (العرفان) تكاد أن تمتلئ بالجمهور، وجاء تفشي الوباء، فارضا آلية التباعد الاجتماعي كإجراء احترازي للحدّ من انتشاره، وتوقّفت الأنشطة ومن بينها المسرحية.

وقبل أيّام، حين وصلت مسرح قاعة عمان للدراسات المصرفية والمالية، وشاهدت طابورا يقف على بابه، وكل واحد من الحضور يحمل تذكرة قيمتها رمزية (3 ريالات عمانية)، لمشاهدة مسرحيّة (المهاجر)، استبشرت خيرا، لتكون هذه الخطوة محاولة لإحياء شباك التذاكر في المسرح العماني.