هل يكفي تغيير الاسم يا مارك!
"نحن نعيش من أجل ما نبنيه. وبينما نرتكب الأخطاء، نستمر في التعلم والبناء والمضي قُدُما". هكذا تشدق مارك زوكربيرج بكل ثقة وهو يُعلن يوم الخميس الماضي للملأ تغيير اسم شركته العملاقة من فيسبوك إلى "ميتا"، ظانًّا أنه سيفتح بمجرد تغيير الاسم صفحة جديدة، وسيكنس من ذاكرة مستخدمي فيسبوك كل الأخطاء الفادحة التي ارتكبها في حقهم هو وموظفو امبراطوريته الإعلامية العملاقة البالغ عددهم ستين ألف موظف. هذه الثقة من زوكربيرج أحالتني مباشرة إلى الفيلسوف نيتشه الذي أخبرنا في أحد تجلياته أن ثمة أمرًا مميزًا يحدث لكل المخادعين الكبار هو السبب فيما لهم من سطوة؛ "ذاك أنهم أثناء ممارسة الخداع يتملكهم إيمانٌ عميق بأنفسهم هو الذي يمكّنهم بشكل معجز من الأخذ بألباب الناس وإجبارهم على فعل ما يريد منهم هؤلاء المخادِعون".
كان لافتًا التوقيت الذي اختاره إمبراطور فيسبوك للإعلان عن ولادة "مِيتا"، وهو يوم من أيام الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية، الذي أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبته، الحاجةَ المُلِحّة "إلى نشر معلومات واقعية وهادفة وواضحة ومتاحة ومتعددة اللغات وعلمية، وفي الوقت المناسب"، ولكن أين من هذا الهدف النبيل شركةُ فيسبوك التي تتنقّل منذ عدة سنوات بين سلسلة فضائح مدوية، القاسم المشترك بينها التضليل الإعلامي والإضرار بمستخدميها، إلى درجة وصلتْ إلى استدعاء الإمبراطور مارك شخصيًّا للتحقيق معه من قبل الكونجرس الأمريكي.
المؤكد أن شركة ميتا الجديدة التي يطمح زوكربيرج إلى إطلاق سهمها للتداول تحت مؤشر جديد في الأول من ديسمبر المقبل، لن تضم ضمن طاقم موظفيها هذه المرة فرانسيس هوجن، المديرة السابقة في فيسبوك التي فضحت في مقابلة مع أشهر برنامج تليفزيوني في أمريكا ("ستّون دقيقة") ممارسات الشركة وترجيحها دائمًا كفة الربح المادي لفيسبوك على كفة مصالح المستخدمين والحفاظ على سريتهم وسلامتهم. وفي الحقيقة لم تفعل هوجن سوى أنها أكدتْ المؤكد ووضّحت الواضح، فنحن لم نكن بحاجة إلى مقابلتها في شبكة "سي بي أس"، ولا إلى تسريباتها لصحيفة "وول ستريت جورنال" لنعرف أن فيسبوك مؤسسة مزدوجة المعايير؛ فمن جهة تتشدق بتوسيعها مساحة التعبير وحريته، ولكنها –من جهة أخرى- تقمع هذه المساحة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، أو جهات أخرى تربطها مصالح بمارك، إلى درجة حذف حسابات وإلغائها. كما تزعم أنها ضد التشهير أو التجاوزات في حق الأفراد لكنها تتغاضى متعمدة عندما ينشر اللاعب البرازيلي نيمار صورًا فاضحة لإحدى الإناث ، لمجرد أن لديه ملايين المتابعين الذين يؤهلونه لمعاملة تفضيلية في قائمة عنصرية ابتدعتها فيسبوك اسمها "إكس تشيك". وتدّعي الشركة أنها تستجيب لإجراء دراسات حول تأثيرها على مستخدميها، ولكن عندما تُظهِر نتيجة دراسة أن "إنستجرام" -أحد تطبيقات فيسبوك- له تأثير ضار بالصحة النفسية للمراهقات فإن مارك يعمد إلى إخفائها وعدم نشرها. باختصار كانت فيسبوك ولاتزال عنوانًا للازدواجية في المعايير، وتغليب مصلحة الشركة على أي مصلحة أخرى.
غني عن القول اليوم أن مارك سيحتاج إلى أكثر من تغيير اسم شركته إن أراد استعادة الثقة المهزوزة بها وبه في كافة أنحاء العالم، وإن لم يفعل فعليه أن يتذكّر أنه خسِر السنة الماضية سبعة مليارات ومائتي مليون دولار بسبب حملة المقاطعة لفيسبوك ومنصاته المختلفة احتجاجًا على عدم إزالة الرسائل والمنشورات ذات الطابع العنصري والمعلومات المضللة. وعليه أن يتذكّر أيضًا أن تقييم فيسبوك على "جوجل بلاي" و"آبل ستوري" تراجع في مايو من هذا العام من 4 إلى 9ر1 بسبب حملة عالمية تضامنية مع حقوق الشعب الفلسطيني، الذي تعامل معه فيسبوك بانحياز فاضح لإسرائيل خلال اعتداءاتها الأخيرة على غزة.
