نوافذ.. يوسف معاطي: «لقد وقعنا في الفخ!»

03 يونيو 2023
03 يونيو 2023

«لقد وقعنا في الفخ». ليس هذا عنوان كتاب وحسب للكاتب والسيناريست المصري الشهير يوسف معاطي، بل هو أيضًا لسان حاله بعد أن أثبتتْ عليه محكمة مصرية مؤخرًا تهمة الانتحال، وحكمت عليه بتعويض مليون جنيه للكاتبة المصرية منى سالم، لسطوه على فكرة روايتها «أميرة الجان التي أحبتني» وتحويلها عام 2017 م دون استئذانها أو إشعارها- إلى مسلسل كوميدي بعنوان «عفاريت عدلي علام»، أدى دور البطولة فيه -كما هو معروف- النجم عادل إمام، الذي شكّل منذ عام 1999م ثنائيًّا فنيًّا ناجحًا مع معاطي، منذ تعاونهما الأول في فيلم «الواد محروس بتاع الوزير» عام 1999، ومسرحية «بودي جارد» في السنة نفسها.

والمدهش في الأمر أن يوسف معاطي لم يكن بحاجة إلى انتحال كاتبة مغمورة (وهذا وصف حالة شهرتها ولا يقصد به التقليل من موهبتها أو أهمية كتابتها) وهو الذي قدم خلال السنوات العشرين الأخيرة أنجح الأعمال الفنية، نذكر منها مثلًا أفلام عادل إمام الشهيرة «السفارة في العمارة»، و«عريس من جهة أمنية»، و«مرجان أحمد مرجان» (وهذه الأفلام الثلاثة اختيرت ضمن قائمة أفضل مائة فيلم كوميدي في السينما المصرية) و«حسن ومرقص» و«التجربة الدنماركية»، عدا أفلامه مع نجوم الكوميديا الآخرين كمحمد هنيدي ومحمد سعد وطلعت زكريا وغيرهم. فإذا كان قد أقدم على فعل الانتحال وهو في قمة هذا النجاح، فمن يضمنّ أنّ أيًّا من أعماله السابقة لم يكن منتحَلا هو الآخر!.

على صعيد شخصي، لستُ من المعجبين كثيرًا بكتابة يوسف معاطي الكوميدية، إذْ أنه ينقصها في رأيي لمسة العمق التي يضفيها مثلا السيناريست وحيد حامد على أفلام عادل إمام (ولكي تكون المقارنة منصِفة فإني أتحدث هنا فقط عن الأعمال الكوميدية مثل «الإرهاب والكباب»، و«النوم في العسل» على سبيل المثال). وقد ارتبط معاطي في ذاكرتي بمشهد قصيدة «الحلزونة يمة الحلزونة» في فيلم «مرجان أحمد مرجان» التي أضحت اليوم أيقونة من أيقونات التهكم على الشعراء والمثقفين بشكل عام، وارتبط أيضًا بمَشاهد ما يمكن تسميته «شرعنة» التحرّش، وإظهاره فعلا عاديّا مثيرًا للضحك، لا سيما في أفلام عادل إمام (كما في «التجربة الدنماركية» على سبيل المثال).

ما يلفت في حكم محكمة القاهرة الاقتصادية الصادر بتاريخ 24 يناير 2023م أنه فيما عدا التعويض البالغ مليون جنيه الذي حكمت به للكاتبة المنتحَلة، لم تتضمّن ديباجة الحكم أي عقوبة أخرى على معاطي، ولم تلزم الشركة المنتجة للمسلسل (وهي شركة سينيرجي في هذه الحالة) بإضافة اسم منى سالم في «تترات» المسلسل في منصاتها كحق أدبي ومعنوي، وهو ما يحوّل الحكم إلى ما يشبه «التسوية المالية» التي لن يُضار المنتحِل منها، مادام التعويض لا يساوي إلا جزءًا ضئيلا من أجر مسلسل واحد فقط ليوسف معاطي هو «أستاذ ورئيس قسم» الذي بلغ حسب موقع «البوابة نيوز» المصري سبعة ملايين جنيه، فيما بلغ أجره على مسلسله الآخر «صاحب السعادة» خمسة ملايين جنيه. وليست مصادفة أن بطل هذين العملين أيضا هو عادل إمام، وأن الشركة التي أنتجتهما هي «سينيرجي».

اللافت كذلك أنه رغم مرور عدة شهور على الحكم إلا أن وسائل الإعلام المصرية من صحف وقنوات فضائية لم تولِه أي اهتمام، (باستثناء حوار يتيم أجرته الأسبوع الماضي قناة «هي» مع الكاتبة منى سالم سردتْ فيه حكاية الانتحال وصبرها على القضية لعدة سنوات حتى نالت الحكم بالتعويض). وكأن هذا الخبر يقلّ في أهميته عن انتحالات المصممة غادة والي التي لقيت زخمًا إعلاميًّا كبيرًا في مصر. فهل هي «سلطة» عادل إمام، المعروف أنه صديق شخصي للسيناريست المنتحِل إلى درجة أنه- أي النجم الكبير- كتب بنفسه مقدمة أحد كتب يوسف معاطي، أم لأن انتحال الروايات في الدراما المصرية دون الإشارة إلى مؤلفيها أمر يكاد يكون شائعًا دون أن تكون له أية تبِعات. وقد قرأنا قبل ثلاث سنوات شكوى الروائي الجزائري المعروف واسيني الأعرج من سطو طاقم المسلسل المصري «2120 النهاية»، الذي أنتجته شركة «سينيرجي» أيضًا، على فكرة روايته «2084 العربي الأخير» دون أي إشارة إليه.

أيًّا يكن، فإن حكمًا كهذا ضد واحد من أشهر كتاب السيناريو المصريين، يحسب للقضاء المصري، ويمكن عدّه خطوة في الاتجاه الصحيح في الطريق الطويل لمكافحة السرقات الأدبية والفنية.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني