نوافذ ..ليس كتابا عن الدراجة الهوائية

04 يونيو 2022
04 يونيو 2022

سأعترف أولا أنني ما كنت سأنتبه أو أكترث باليوم العالمي للدراجات الهوائية (الذي احتفل به العالم منذ يومين، ويوافق الثالث من يونيو من كل عام) لولا كتاب صديقنا حمود الشكيلي عنه، والذي يعد كتابًا فريدًا من نوعه في الأدب العُماني، إذْ نادرًا ما نجد أديبًا عُمانيًّا يخصص كتابه كله لفكرة واحدة (هي هنا الدراجة الهوائية) يقلبها على مقلاة الكتابة بطرائق متعددة، حتى لَيَصْعُب تجنيس الكتاب الذي يتداخل فيه السرد مع المقال مع التأريخ مع اليوميات مع الأحلام.

ومع ذلك، ورغم الثيمة الموحدة، فإن "هذا ليس كتابًا عن الدراجة الهوائية"، كما يحرص على تنبيهنا مازن حبيب – شريك حمود الشكيلي في "دار نثر" الناشرة للكتاب سنة 2021 – على الغلاف الخلفي، مؤكدًا أن الشكيلي انطلق بالدراجة الهوائية "كمدخل مهم للحرية أولًا، وللحب دائما، فنقرأه متأملًا للاثنين معًا، ساكبًا روحه فيهما، وممارسًا لطقوسهما معا". من هنا ربما جاء تصنيف الكتاب كـ"متوالية حركية"، إذْ أن نصوصه لا تراهن على السرد الحكائي بقدر مراهنتها على حركة الإنسان على إيقاع الدراجة، إنها متوالية تتأمل هذه الدراجة وهي تتحرك بعجلتيها أو عجلاتها الثلاث، وأثر هذه الحركة على الإنسان، مُسجِّلةً خلال هذا التأمل "موقفًا جماليًّا ضد القبح في عُموم معانيه، شكلًا ومضمونًا، رمزًا وصورة" كما يقول الشكيلي.

يفتتح المؤلف كتابه بمدخل تاريخي يسرد الفكرة الأولى لاختراع الدراجة التي كانت برسومات الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي في القرن الخامس عشر، ثم ينتقل إلى سرد بدايات شغفه بالدراجة عندما كان يذهب وهو طفل إلى دكان حميد البيماني؛ أول معتنٍ بالدراجات الهوائية في قريته (بسيا)، ويعرج بعدها على قصص النجاح التي كان عنوانها الدائم الدراجة الهوائية، وأهمها كما أرى حكاية محمد الهشامي صاحب مؤسسة "دراجات الخليج الذي" كان تجسيدًا لعبارةٍ لآينشتاين ضَمَّنَها الشكيلي كتابه وهي ""الحياة أشبه بسياقة الدراجة؛ لتحافظ على توازنك عليك الاستمرار بالسير"، إذْ بدأ الهشامي باستيراد دراجات صينية الصنع من دبي، إلى أن وصل إلى توريد دراجات أوروبية الصنع من بولندا.

يخصص الكاتب جزءًا من الكتاب ليومياته مع الدراجة الهوائية، التي كان معظمها في الفترة من يونيو إلى أغسطس 2020م، وهنا نفتح قوسًا للتذكير أن التنقل خلال هذه الفترة كان صعبًا بسبب إغلاقات كورونا، لكنها كانت فترة ازدهار للدراجة الهوائية التي ابتسمتْ قائلة "أنا هنا في كل مكان، هذا زمني"، مدلِّلًا –الشكيلي- على ذلك بحكاية الممرضة العراقية شيرين علي نعيم التي كانت تتنقّل بدراجتها الهوائية من بيتها إلى مستشفى اليرموك لتصبح "جزءًا فاعلا في إنقاذ مصابي العراق" بكورونا. ومن اليوميات الجميلة في هذا الكتاب واحدة كتبها الشكيلي في 24 يوليو 2020م، وهو اليوم الذي تلقى فيه نبأ وفاة صديقه سلام الصارمي، إذْ حوّل الدراجة الهوائية في هذه اليومية من مجرد آلة صمّاء يستخدمها الإنسان كوسيلة نقل إلى إنسان يتكلم ويحزن ويواسي: "نادتْني دراجة على جدار البيت، رأيتُها حزينة مثلي؛ فاحتميتُ بها، شعرتُ أنها تعرفني، هي الوحيدة التي واستني على رحيله. مدتْ عجلتها الأمامية لتصافحني بحركة غريبة لم تألفها عيناي من دراجة قَطْ. ارتكزتْ العجلة الخلفية على الأرض فقابلت الأمامية وجهي، خفتُ فعدتُ إلى الوراء وابتعدتُ قليلًا خطوتين"، ثم يضيف مبرِّرًا جفْلته المفاجئة منها: "ماذا لو أن هذه الدراجة مصابة بفيروس كورونا؟".

وفي جزء آخر من الكتاب عنونه حمود "ماراثون دراجات الحرية" يسرد حكايات أصدقائه والمحيطين به مع الدراجات، فمن وئام السالمي الحالمة بالوصول إلى اليابان على متن دراجة، إلى زوان السبتي التي فاجأها زوجها بدراجة هوائية هديةً لعيد ميلادها، إلى مازن حبيب الذي استعان بدراجة للتخلص من وزنه الزائد، إلى سعيد الحاتمي المرتبطة دراجته "بالحتف والفراق والغياب الأبدي"، إلى أحمد بن إسماعيل الذي تحفظ دراجته الطريق عن ظهر قلب، وليس انتهاءً بسليمان المعولي العابر "بدراجته من مكان إلى آخر في هذه الدنيا الممتدة".

يزعم حمود الشكيلي أن هذا الكتاب لن يحبّه إلا الدراجون والدراجات، لكنني أقول إنه كتاب قادر على إثارة إعجاب كثير من قرائه، حتى أولئك الذين لم يركبوا في حياتهم دراجة من قبل، بل إنني أعرف عددًا من الأصدقاء كان هذا الكتاب – بعد قراءته- حافزهم الأول على اقتناء دراجة.