نوافذ :كثيرٌ من الظن..

31 مارس 2023
31 مارس 2023

[email protected]

أنشطتنا اليومية تقع بين مظنتي الشك أو الظن، واليقين، ومنهما تتفاوت الأحكام، والمواقف، والرؤى، ولأن اليقين أمره مفروغ منه، فلا يحتاج إلى كثير من الجهد، فهو واضح للعيان، لا يتنازع في شأنه اثنان، فيبقى الظن في هذه الحالة هو ما يثير التساؤلات، ويستنفر الأنفس ويقلقها إلى حد بعيد، مع أن بعض مواقف الظن لها إيجابيات، وقد قيل: «رحم الله امرءا نفعه ظنه» وللذين يحتارون بين أمري الشك والظن، فالظن؛ غالبا؛ يذهب إلى الرجحان؛ أي رجحان أحد الأمرين على الآخر، بينما ينبلج الشك من أن كلا الأمرين على درجة واحدة من التقارب، فيخلق في النفس حيرة أكبر، وفي كل الأحوال لا أناقش هنا الفرق بين الشك والظن، ولكنني أذهب في هذه المناقشة إلى مسؤوليتنا تجاه الظن، وهل هي مسؤولية مهمة، وشاملة، وموضوعية، أم أن الأمر لا يحتاج منا الكثير من الاهتمام، وعلينا بحسن النية، في مواقفنا الكثيرة، وفي تعاطينا مع الآخر؟ والسؤال هنا أيضا: لماذا نضع الآخرين في دوائر الظن السيئ، مع أن؛ ووفق النص القرآني الكريم؛ (إن بعض الظن إثم) وليس كل الظن، وقد قيل: «ظُن بأخيك خيرا» وبالتالي فالمساحة المتاحة للظن بالآخر هي ظن الخير، وليس ظن الشر، وذلك لهدف نبيل لكي تهدأ النفوس، وتستقر، وتعيش دائما بعين الأمل والرجاء، بعيدا عن القلق والتوتر.

وفي كلا الأمرين؛ فالعلاقة بالآخر تحتاج إلى كثير من التبصر، والتيقن، حتى لا يقع الواحد منا في مستنقع الظن المعاب، لأن النفس الإنسانية «حَمَّالَةْ» أوجه لسرعة نفورها، وسرعة تراجعها لسرعة تقلبها؛ وسرعة استقرارها لسرعة صفائها؛ وسرعة كدرها لسرعة بهجتها؛ وسرعة حزنها، وهذا ما يجعل طرفي المعادلة على درجة كبيرة من الحساسية، والعلاقة المتأرجحة، فإن انتصرت للخير بصورة مطلقة خانتك مواقف الشر، وإن انتصرت لمواقف الشر؛ خانتك مواقف الخير، فتبقى في حيرة من أمرك، وبالتالي لن تستطيع أن تتخذ موقفا محددا من أي شخص تتعامل معه، وحتى إن تميزت بسرعة البديهة التي عندك لفرز مواقف الخير من مواقف الشر؛ تجاه هذا أو ذاك، فإنك سرعان ما تصدم بموقف يغير قناعاتك، ويجبر نفسك على إعادة النظر من جديد، فالإنسان محسوب من الأغيار «متغير»، وهذا يعقد المسألة في اتخاذ موقف محدد تجاه أي إنسان تتعامل معه، ومعنى هذا علينا أن نحسن الظن بالآخر، وإن أبدى سلوكا مغايرا لما نتوقع.

(كثيرٌ من الظن..) معادلة صعبة جدا يحتار فيها العاقل، فما بين «رحم الله امرءا نفعه ظنه» وما بين (إن بعض الظن إثم) تتجلى الحكمة والخبرة، والتيقن، والإنصاف والحياد، في اتخاذ المواقف، والآية الكريمة لم تشر إلى مطلق الظن، ومع ذلك يبقى ليس من اليسير إطلاقا الوصول إلى موقف محدد أو مطلق ليكسبك الاطمئنان والتيقن، وهذه الحيرة تبددها صورة واحدة فقط، وهي عدم المغالاة في رد الفعل تجاه أي إنسان أساء، أو أحسن؛ فمقولة: «اتق شر من أحسنت إليه» ليست مبررة لأن نرفع سقف الظن تجاه من أحسنا إليه، وإنما الظن هنا يذهب إلى التحرز من الوقوع في الخطأ أو في ظلم الآخر، وكلما انخفض سقف الظن؛ كلما استطعنا أن نقف على الحياد، مع ما يكتنف هذا الحياد من تعقد المواقف.