نوافذ.. قضية الدكتورة سميرة

18 يونيو 2022
18 يونيو 2022

الارتياح الواسع الذي لقيه حكم محكمة استئناف مسقط قبل عدة أيام بعودة حقوق الملكية الفكرية للدكتورة سميرة المحروقية وإدانة منتهكي هذه الحقوق، يمكن قراءته بتعطّش الناس إلى إنهاء ظاهرة السطو على حقوق الآخرين الفكرية، التي كانت، ولشديد الأسف لا تزال، ظاهرة مستشرية.

وكانت قضية الدكتورة سميرة قد طفت على السطح سنة 2019م عندما كتبت مقالًا في صحيفة الفلق الإلكترونية تشرح فيه معاناتها التي بدأت عام 2017، وتقول فيه إنها فوجئت وهي تبعث بحثها للنشر في دورية محلية برسالة إلكترونية من رئيس تحرير هذه الدورية تخبرها بأن هذا البحث سبق نشره باسم أكاديميَّيْن، أحدهما عُماني وهو الذي كان مشرفًا على أطروحتها للدراسات العُليا، أما الثاني فهو عربي لا علاقة له بأطروحتها من قريب أو بعد، دون أن يشير هذان الأكاديميان إليها ككاتبة أصلية لهذا البحث، لتخوض الدكتورة سميرة بعد ذلك سلسلة من المحاكمات لاسترداد حقها الفكري استمرت خمس سنوات، إلى أن أنصفها القضاء أخيرًا بالحكم بإدانة الأكاديميَّيْن "ومعاقبتهما بالسجن ستة أشهر موقوفة النفاذ، وبطرد المستأنف ضده الأجنبي مؤبدًا من البلاد، وإلزامهما بالمصاريف القضائية".

عندما نشرت الدكتورة سميرة مقالها ذاك لقي صدى كبيرًا في وسائل التواصل الاجتماعي، واتضح منه أن قضيتها ليست سوى قمة جبل الجليد الطافي، إذْ ظهرت حالات سطو مماثلة من أكاديميين آخرين يستغلون مسؤوليتهم على طلبة الدراسات العليا، للسطو على جهودهم الفكرية. ولأنني كنتُ وقتها قد بدأتُ حملة لكشف منتحِلي المقالات في الصحف، فقد تلقيت رسائل عديدة تشتكي من هذه الظاهرة، منها رسالة وصلتْني عبر تويتر من طالبة ماجستير تتضمن صورة من رسالة شكوى قدمتها إلى رئيس مؤسسة تعليمية كبيرة في عُمان تدعوه إلى متابعة عقود عمل الباحثين الشباب في هذه المؤسسة وحمايتهم من الاستغلال والإجحاف بحقوقهم من قبل مشرفيهم الأكاديميين، وتشتكي فيها من تجاوزات مشرفها الذي أخذ مقترحها البحثي كاملًا دون أن يلتزم ببنود عقد مساعد الباحث، وهو عقد يتيح لحملة شهادة الماجستير تقاضي مبلغ معين شهريا خلال ستة أشهر هي مدة العقد، فإذا بهذا المشرف يتحايل على العقد ليقرر لها ثلث المبلغ المرصود فقط، وعندما رفضت هذا الإجحاف وطالبته بإعادة مقترحها البحثي رفض بحجة أنه لا يدري أين وضعه!.

ولأننا كلنا في الهمّ شرقُ، فإن ظاهرة سطو بعض المشرفين الأكاديميين على جهد طلبتهم ليست حكرًا علينا في عُمان، فهي ظاهرة تكاد تكون منتشرة عربيًا، والمتابع لهذا الشأن يرصد عشرات الحكايات الشبيهة بحكاية الدكتورة سميرة. وتحضرني في هذا السياق حكاية نُشرِتْ في نوفمبر الماضي (2021) عن طالبة ماجستير من دولة خليجية أنهت رسالتها وقدّمتها بشكل رسمي لجامعتها؛ بل وسجلتها في المكتبة الرقمية التابعة للجامعة، وحصلت هذه الرسالة على المركز الأول على مستوى الجامعة. وبعد فترة من الوقت اكتشفت الطالبة أن رئيس قسمها، الأكاديمي الذي اعتذر عن قبول رسالتها بحجة عدم اكتمالها، قام بنشر بحثها باسمه في مواقع إلكترونية أجنبية باللغة الإنجليزية!. وعندما تقدمت بشكوى للجامعة، لم يُنظَر في شكواها للأسف، فكان أن اتجهت إلى القضاء لإنصافها.

وإذن، ولكي لا تتكرر مثل هذه القضية مستقبلًا فإنني أرى أنه ينبغي العمل على ثلاث جبهات، الأولى هي مراجعة القوانين التي تنظِّم العلاقة بين الأكاديمي المشرف وطلابه، بحيث تحفظ حقوق الطرفين، ولا تضع الصلاحيات كلها في يد طرف ضد الطرف الآخر. والثانية العمل على تسريع مثل هذه القضايا في المحاكم بحيث لا يضطر المنتهَكة حقوقه الفكرية للانتظار سنوات عديدة قبل الحكم بعودة حقه، أما الجبهة الثالثة فهي تخص الطلاب أنفسهم، إذْ عليهم أن يتحلوا بالشجاعة لكشف هذا النوع من الفساد الثقافي ورفع القضايا في المحاكم، والصبر عليها كما فعلت الدكتورة سميرة، لا التحجج بالخوف من التضرر من جراء هذه المواجهة، والاكتفاء بمطالبة الآخرين بخوض معركة الحقوق الفكرية بدلا منهم.