نوافذ : عمان عظيمة بشعبها
شباب مبتسمون يتنقلون وهم يغنّون من بيت إلى آخر، حاملين معاولهم ومكانسهم، وعدة التنظيف، شيخ ثمانيني قطع مئات الكيلومترات من الجبل الأخضر إلى الخابورة مرتديًا قميص العمل، امرأة معطاءة تتبرع بالمبلغ الذي ادخرته لأداء فريضة الحج لإعانة المتضررين قائلة "الحج ملحوق عليه، لكن ضرر الناس ما ينتظر"، طفل بعمر سبع سنوات يتبرع بكافة مدخراته من العملات المعدنية، متطوعة من فريق خيري تدخل على البيوت المتضررة لتقدم لنسائها بعض احتياجاتهن، عشرات السيارات والحافلات تشكّل قافلة وهي تسير قبيل الغروب عائدة بحمولاتها من المتطوعين إلى ولاياتهم البعيدة، هذه المشاهد وغيرها شكّلت بالأمس ملحمة وطنية يمكن تلخيصها في اسم الهاشتاج الذي انتشر في تويتر: "عمان، عظيمة بشعبها".
وإذا كانت الشدائد هي التي تُظهِر معادن النساء والرجال، فإنها أيضا تُبْرز عظمة الشعوب. وقد ضرب الشعب العماني يوم الجمعة (الثامن من أكتوبر) أروع الأمثلة في التلاحم والتكاتف والتضامن، حين توافد على ولايات شمال الباطنة المتضررة من إعصار شاهين آلاف المتطوعين الذين قدموا من شتى مناطق ومحافظات عُمان، منضمين إلى قوات الجيش والشرطة وسلاح الجو والبحرية وأعضاء الجمعيات الخيرية، ليعملوا ساعات طويلة، دون كلل أو تذمر، في تنظيف البيوت، والشوارع، وتقديم المؤن، ومساعدة المتضررين، وإعادة البسمة إلى وجوه أهالي هذه الولايات. وفي نهاية اليوم، يعود البعض إلى ولايته البعيدة، عاقدًا العزم على العودة في الصباح الباكر، في حين ينام البعض في مخيّم أعدّ لهؤلاء المتطوعين، وما منعه من مواصلة العمل ليلًا إلا عدم وجود كهرباء في المناطق المتضررة. وفي ولايات أخرى رأينا متطوعين لم يستطيعوا الانتظار حتى يوم الجمعة الموعود، فوفدوا إليها قبله بعدة أيام، واستأجروا غُرفًا للمبيت فيها على نفقتهم، وظلوا يواصلون العمل من بيت إلى بيت، ومن شارع إلى آخر، وهم في منتهى السعادة والانشراح.
هذا التضامن والرغبة في التخفيف عن المتضررين لم يقتصرا على القادمين من مناطق لم تتأثر بالإعصار، بل امتدا أيضًا إلى أهالي المناطق المتضررة أنفسهم الذين برز منهم من يؤثر على نفسه ولو كان به خَصاصة، فنجد من يوجّه سيارات الجيش الحاملة للمساعدات إلى بيت جاره قبل بيته، بل رأينا من يذهب متطوعًا لتنظيف بيوت الآخرين، رغم أن بيته هو نفسه بحاجة إلى تنظيف، لِيفاجَأ عندما يعود إلى بيته آخر النهار بأنه قد نُظِّف في غيابه من قبل متطوعين آخرين.
ما أثلج الصدر أيضًا، أن من المشاركين في الجهود التطوعية كثيرًا من المقيمين الذين وجدوها مناسبة للتعبير عن حبهم لعُمان التي احتضنتهم، وشعبها الذي أحسن معاملتهم. فرأينا عاملا بنغاليا يخبر إذاعة الشبيبة المرئية أنه يعمل في عُمان منذ أحد عشر عاما، وأنه منخرط في الأعمال التطوعية منذ عدة أيام لأنه يحب عمان، وما كاد ينطق بهذه العبارة حتى هتف زملاؤه البنغاليون الذين كانوا منهمكين خلفه في كنس الشارع العام: "كله نفر حبّ عمان". وشاهدنا مقطعًا متداوَلًا في تويتر لرجل أوروبي (وربما أمريكي) في استراحته من العمل وهو يعبّر عن السعادة التي تغمر قلبه بالمشاركة مع العمانيين في هذه الجهود التطوعية، وإعجابه بتضامنهم مع بعضهم البعض.
ورغم أنه لا أحد يُشيد بإعصار، إلا أن أعاصير عُمان على ما يبدو تستحق هذه الإشادة، لأنها تذكي روح الوطنية لدى الناس فنجدهم يتوحدون وراء هدف سامٍ واحد اسمه عُمان. رأينا هذه الروح ولمسناها بعد إعصار جونو، وها نحن نشاهدها اليوم بعد إعصار شاهين، وقد هبّ الناس جميعهم لمساعدة بعضهم البعض، ولسان حالهم تلك العبارة المؤثرة التي نطقت بها إحدى أمهاتنا في شمال الباطنة قبل يومين: "يوم عمان بخير أنا بخير".
