نوافذ.. «أخبار الأدب».. 30 شمعة
تحتفل صحيفة «أخبار الأدب» المصرية في عددها الجديد (الأحد 16 من يوليو 2023م) بمرور ثلاثين عاما على صدور عددها الأول في يوليو من عام 1993م، استطاعت خلالها أن تكون مرآة للمشهد الثقافي المصري والعربي، ومنبرًا أدبيًّا وفكريًّا مهمًّا «ينحاز بوضوح إلى خيار الحداثة والتنوير والتجديد، وإلى قيم الجمال والإبداع» على حد تعبير محمد بن عيسى؛ المثقف المغربي البارز ووزير الثقافي المغربي الأسبق، الذي كان أحد المشاركين في عدد الاحتفاء. ويكتسب هذا الاحتفال أهميته لأنه يذكرنا أن «أخبار الأدب» صمدت كل هذه السنين في ظل تراجع الصحافة الورقية ككل (ناهيك عن الصحافة الثقافية) إلى الدرجة التي دفعتْ مجلات ثقافية عربية مهمة إلى التوقف، كما هي حال مجلات «الآداب» و«وجهات نظر» و«الدوحة» و«دبي الثقافية»، و«بانيبال» المتخصصة في ترجمة الأدب العربي، وغيرها. ولم تنجُ من هذه المجزرة إلا مطبوعات ثقافية قليلة على رأسها مجلة «نزوى» التي صدرت بعد عام فقط من «أخبار الأدب».
بدأت قصة «أخبار الأدب» كما رواها مدير تحريرها محمد شعير في العدد قبل الماضي من ملحق جريدة عُمان الثقافي، في أكتوبر من عام 1992م عندما اجتمع رئيس مجلس إدارة «أخبار اليوم» إبراهيم سعده بالروائي جمال الغيطاني من أجل تكليفه برئاسة تحرير «أخبار الأدب». في الاجتماع سأله سعده: في كم صفحة يمكن أن تصدر أخبار الأدب؟. أجاب الغيطاني: 24 صفحة!، وكان يتمنى أن يكون العدد أقل من ذلك، لكن سعده ذكّره أن كل إصدارات مؤسسة «أخبار اليوم» لا تقل عن 40 صفحة، مشدِّدًا على أن «أخبار الأدب» لن تقلّ عن ذلك أبدا. ويستعيد شعير ما كتبه الغيطاني في يومياته بعد ذلك: «بعد انتهاء الاجتماع عدت إلى مكتبي لأتأمل في هدوء وخوف المشروع الجديد، وكلما تصورت الرقم والصفحات أتوجس ويتضاعف حذري، وعبر شهور عديدة كنت أسمع تلك الصيحة: 40 صفحة. ومن أين لكم بالمواد التي يمكن أن تغطي هذا الكم أسبوعيا؟ ولكن دارت عجلة العمل»، وحققت الصحيفة نجاحًا كبيرًا في الأوساط الثقافية المصرية والعربية، متمسّكة بوصية نجيب محفوظ التي نشرتْها في عددها الأول: «كونوا شعلة لنهضة جديدة، والله معكم»، ومسترشدة بما يمكن أن نسميه «الدستور» الذي وضعه لها الغيطاني - كما يروي عنه شعير أيضًا-: «وحدة الثقافة العربية التي تستمد قوتها دائما من تكاملها، واحترام الدين والوقوف في وجه محاولات توظيف الإسلام بأهدافها الصغيرة التي تضعه - ظلما- في موقع النقيض من حرية الإبداع، وتنمية الإحساس بالجمال كقيمة توشك أن تختفي بعد أن اعتادت العين القبح أو كادت تعتاده، وأخيرا الانفتاح على كل التجارب الإبداعية المهمة في أنحاء الوطن العربي»، وهذه النقطة الأخيرة هي التي جعلت الصحيفة تحتفي بالأدب والثقافة في أكثر من دولة عربية، وأذكر أنني تشرفتُ - بطلب من الغيطاني- عام 2007م بإعداد ملفّ عن القصة القصيرة في عُمان، لاقى صدى كبيرًا لدى الأدباء العُمانيين، كما تشرفت أيضا عام 2021 - في عهد رئيس التحرير الحالي علاء عبدالهادي- بإعداد ملف آخر عن الأدب العُماني. والحقيقة أن «أخبار الأدب» ظهرت للنور في مناخ ثقافي غير مؤاتٍ، حيث كانت التيارات الأصولية المتشددة في مصر بأوج نشاطها وعدائها للثقافة والفكر، ومصادرتها لحرية الإبداع، الذي نَجَمَ عنه اغتيال المفكر المصري فرج فودة قبل 4 أشهر فقط من تكليف الغيطاني، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ بعد سنتين من صدور الصحيفة، وبعدها بعام حادثة تكفير المفكّر نصر حامد أبو زيد، ثم بعد 3 سنوات أزمة رواية «وليمة لأعشاب البحر» لحيدر حيدر و«الروايات الثلاث»، وخلال هذه الأحداث خاضت «أخبار الأدب» معركة التنوير ولم تهادن، واستكتبت العديد من المثقفين المصريين والعرب، وقد استعادت في عدد الاحتفاء المقال المهم الذي نشرتْه للمفكّر نصر حامد أبو زيد بمناسبة أزمة «وليمة لأعشاب البحر» و«الروايات الثلاث».
الأمر الآخر الذي يُحسب لـ«أخبار الأدب» هو حرصها على اكتشاف الأنامل الجديدة في الكتابة، وقد أسهمت في تقديم عدد من أدباء جيل التسعينات في مصر من أمثال أشرف الخمايسي وأمينة زيدان ومحمد بركة وأحمد أبوخنيجر، وغيرهم، إضافة إلى إيجادها صحفيين ثقافيين ورعايتهم بالتدريب والتوجيه حتى صاروا اليوم من أهم الصحفيين الثقافيين العرب كمحمد شعير وحسن عبدالموجود وياسر عبدالحافظ ومنصورة عز الدين وأسامة فاروق وطارق الطاهر وأحمد عبداللطيف وغيرهم. كل هذه الإنجازات التي حققتها «أخبار الأدب»، لن تثنينا عن التطرق إلى بعض السلبيات التي ظهرت في السنوات الأخيرة، وأظنها ناجمة عن ضيق ذات اليد، فقد توقفت التحقيقات الثقافية المهمة التي فاز بعضها بجوائز عربية، كما إن اهتمامها بالجانب الثقافي العربي تراجع ولم يعد كالسابق، ناهيك عن أنه في عصرنا الرقمي هذا ما زالت الصحيفة بلا موقع إلكتروني!. وهي سلبيات ليس من العسير تلافيها لو توفرت الإرادة، وربما يغفر لها رصيدها الكبير في قلوب قرّائها، والذي راكمته عبر هذه السنوات الثلاثين.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
