موسوعة الأثر البعيد

26 يوليو 2021
26 يوليو 2021

محمود الرحبي -

من يقرأ "موسوعة عمان في التراث العربي" التي تكفل بجمعها الدكتور هلال الحجري في ثلاث مجلدات، يقف على حضور متنوع لعمان في المدونة العربية القديمة، حضور يشمل الأدب والتاريخ والأنساب والجغرافيا والرحلات، إلى جانب التفسير واللغة والفقه والطب. يكفي مثلا أن نستحضر "أبا الحسن العماني" هو البطل الرئيس لسبع ليال من ليالي الكتاب العربي الخالد ألف ليلة وليلة، ناهيك عن مقامات للهمداني والحريري وأخبار للتنوخي كان الأبطال فيها عمانيون، بل هناك قصة وردت في كتاب "الفرج بعد الشدة" للتنوخي أبطالها ثلاثة عمانيين أخوة يمتهنون اصطياد الثعابين. مات اثنان منهم تباعا بسبب عدم مقدرتهم على اصطياد أفعى كانت تسكن بستان تاجر من البصرة، جعلته يهرب من مزرعته خوفا، ولكن الأخ الثالث نجح في اصطيادها رغم أنها لدغته ولكن "لوما البصرة" و هو ليمون يجلب من عمان، أسعفه حين قطر منه على الجرح، و عصر منه على حلقه وتجرعه. فكان علاج سم الأفعى بعصير الليمون العماني.

رغم أن الحجري في دراسته المهمة " غواية المجهول- عمان في الأدب الإنجليزي " لا يؤكد هذا الحضور الوازن لعمان في الأدب العربي القديم قياسا بحضورها في الآداب الأجنبية بقوله: " إن حضور عمان في الآداب الأجنبية، والأدب الإنجليزي بوجه خاص، مختلف كليا عن هذا الحضور الضامر في الأدب العربي" لا بد أنه سيصحح من رؤيته بعد أن اعتكف على تتبع وتقصي أثر الاسم العماني في مختلف متون التراث العربي. الموسوعة تدلل على جهد كبير قام به الباحث، زار من خلاله عشرات المجلدات العربية وسكن فيها باحثا ومنقبا عن كل ما يمكنه أن يذكر عمان والعمانيين القدماء أجدادنا اللذين كانوا يجوبون المراكز الحضرية القديمة وخاصة بغداد والبصرة. فالعماني دائما هو القاصد وليس العكس. وذلك بسبب البعد والنأي الجغرافي .وهذا ما انتبه إليه الكاتب في مقدمته حين قال" إن موقع عمان في أقصى جنوب الجزيرة العربية،جعلها مضرب المثل في البعد والنأي.وهذه الصورة تمتد على خارطة الشعر العربي منذ الجاهلية إلى العصر الحديث"

ورغم أن الكاتب جاب خزانة مكتبية كبيرة ومتنوعة، وخرج لنا بالفرائد، إلا أني أتساءل لماذا لا يوجد أي مصدر لعالم البحار أحمد بن ماجد. ربما ثمة سبب مقنع،رغم أن الكتاب أشار في المقدمة إلى أن هذا المجهود ليس سوى عينة لايمكنها الإلمام بكل ما كتب عن عمان في الأدب القديم شعرا ونثرا. ولأن الإحاطة في مقال، بموسوعة بهذه القيمة والتعدد صعب ومتمنع، سأورد فقط نموذجين، الأول يتعلق بكلمة " برخ " التي تستخدم في عمان والتي كنت أظنها أعجمية إلى أن ذكرها الخليل بن أحمد في معجم العين، وهو أول معجم عربي، بل يعتبر نموذج لنقاء اللغة وقد اعتمده المفكر محمد عابد الجابري في وضع أسس مشروعه الكبير" نقد العقل العربي" وتحديدا في الجزءالأول " تكوين العقل العربي".

المثال الثاني هو هذه " الفريدة" من كتاب البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي التي تؤكد على البعد والنأي الذي تحدثنا عنه في بداية المقال: "رأى كلب رغيفا يتدحرج فتبعه، فقال له إلى أين؟ قال إلى النهروان. قال الكلب: قل إلى عمان إن تركتك".