من السيئ؟!

18 يونيو 2023
18 يونيو 2023

يؤسفني جدا أن أرى العديد من الأشخاص يصنفون الآخرين سلبيا وفق مقاييسهم وتفكيرهم وإيمانهم وتوجهاتهم وأفكارهم، متناسين تماما حق الاختلاف في الفكرة والذوق وعدم السماح بأن يسطو فيها الفرد على حقوق الآخرين بإيذائهم في أنفسهم وكرامتهم كخطوط حمراء لا يمكن السماح بتجاوزها من أجل السلام بين الجميع.

وحينما أذكر هنا الحدود الأخلاقية للفرد فهي تلك الحدود التي لا شذوذ فيها ولا انحراف عن الفطرة السليمة التي خلقها الله في الإنسان، وإنما أشير هنا إلى الأذواق واختلافها ورغبة الناس كمثال في الاطلاع على الكثير من الفنون وما يبهج الإنسان في رحلته بهذه الحياة.

فالاحترام هو أساس بقائنا في هذه الدنيا، وبعيدا عن مواد القانون التي تحمي حقوقنا فمن المهم جدا أن يرى الإنسان ذاته أولا وأن يسأل نفسه دوما ماذا لو كان يعيش هنا دون أي قانون رادع؟ وكيف سيتصرف إن كان يملك القوة؟!

هل سيصبح ظالما وقاهرا للضعفاء؟!

هل سيتجاوز حدوده ليجبر الآخرين حتى يصبحوا نسخا مكررة منه؟!

نعم لنسأل دوما أنفسنا ماذا لو كنا بلا قانون يستطيع أن يحق الحق ويردع الظالم؟!

أعتقد أن التأمل في هذا السؤال مهم للغاية لندرك كيف نفكر لو كانت السلطة المطلقة ملكنا؟! وكيف سنتعامل بقوتنا مع المختلف عنا في كل شيء؟!

لا يجب أن نرى الناس فقط من منظورنا ونحن الذين تأسسنا في تربيتنا بظروف مختلفة تماما عن بعضنا، ولا يمكن أن نسمح لأنفسنا أن نصنف الآخرين بالسوء وندعو على بعضنا بالهلاك ونحن أبناء مجتمع واحد لأن أذواقنا وآراءنا اختلفت في موضوع ما.

إن تصنيف الآخرين سلبا لهو أمر خطير للغاية ولا يمكن القبول به إن كنا نريد حياة أفضل تتميز بالسلام الحقيقي بين القلوب، ويجب أن ندرك أن ما لا يعجبنا هو مرحب به من قبل الآخر الذي من المفترض ألا ينظر إلينا بارتياب ويصنفنا بخانة سلبية أخرى تزيد المجتمع تشتتا بين أفراده.

كل هذه المقدمة التي أتحدث عنها ليست إلا كتمهيد لأضرب فيها مثلا على ما حدث في الأيام الماضية تجاه بعض الفعاليات الفنية والبيئية كوجود الفرقة الكورية التي لا أستسيغها شخصيا، أو اللقاء الذي قدمه في وقت سابق المحاضر الهندي سادجورو، حيث أصبح فيها الأفراد بنقاشاتهم منقسمين بين مؤيد ورافض، ولا بأس بهذه النقاشات إن لم تتجاوز المحاذير الأخلاقية في احترام بعضنا وتقدير ذواتنا، ولكن المؤسف هنا أن يتم تصنيف المعارض لها بأنه سيئ، والموافق لها بأنه أسوأ السيئين ناسفين بذلك وبسبب اختلاف الأذواق إنسانية بعضنا وأخلاقنا الأساسية المبنية بصلابة في عدم التعدي على الآخرين وإيذائهم ليحيا الجميع بفرص متساوية في حدود الوطن الواحد.

نعم أنا لا أتفق في بعض الأحيان مع بعض الفعاليات التي تتم إقامتها كون طبيعة نشأتي والذوق الذي أؤمن به يختلف كليا عن الكثير الذين يرحبون بكل لهفة بتلك الفعاليات التي أراها عكسهم، ولكنني صدقا لا أتجرأ على معاداة الآخرين فكريا ووصفهم بسلبية مطلقة، ولا أتجرأ أبدا على أن أشكك في إيمانهم وتربيتهم وأنسف أفعالهم الخيرة التي أجهل الكثير منها نتيجة استماعهم وحضورهم لفن من الفنون أو محاضرة أو قراءة كتاب لمؤلف لا يحبذه الكثير لمواقف كثيرة ومنها التوجهات الفكرية والدينية التي يؤمن بها الكاتب أو الفنان بغض النظر عن نتاجه المعرفي أو الفني الذي يدهش الآخرين.

نعم لدينا كمجتمع المحاذير الأخلاقية المنطقية التي لا يجب تجاوزها، وبالتالي يساهم القانون هنا كثيرا في إرساء القواعد الأساسية العامة التي يجب أن يمتثل لها الجميع من أجل النظام والحقوق، وهذا القانون يصبح أكثر فعالية حينما يصبح متوازنا يلامس التنوع والتحضر المبني على التعايش والتقدير بين أفراده.

حاليا نجد أن العالم لا ينحصر في مسرح ببقعة جغرافية معينة، بل أصبح صغيرا جدا بسبب وسائل التواصل الرقمية ومنصاتها التي سهلت كثيرا من وصول أي محتوى إليك بسرعة البرق، وهذا الانفجار السريع في التواصل بين سكان العالم المترابط بالإنترنت والذكاء الاصطناعي أحد معجزات العقل البشري بعصرنا، يجب أن نتعامل معه بحكمة ومنطق مقرون بالحب وليس بترهيب المجتمع وإشعاره بأن دينه وأخلاقه ومعتقداته ستتهدم جميعها بمجرد استضافة البعض لفرقة فنية أو محاضرة أو كتب بعينها لم تتجاوز مضامينها القانون الذي يجمعنا وينظم حياة الأفراد بمجتمعنا.

فمجتمعنا قوته في تنوعه، وفي السلام والمحبة واستيعاب جميع الأذواق منذ فجر التاريخ، فالتجارة مع الحضارات المجاورة لعبت دورا مهما في استيعاب العقلية العمانية للمختلف دون أن تهتز مبادئ إنسانيتها شعرة واحدة، وهكذا سنبقى بما أن تربية عائلاتنا ما زالت تنبض بكل خير برفقة مدارسنا.

أما أجيالنا فهي صلبة في المبادئ كونها تكره الظلم وتنتصر للعدل في أي قضية إنسانية ولو كانت في آخر الدنيا لأجناس لا يشبهوننا في أي شيء، هي أجيال ذكية للغاية وليست عبدة لأفكارنا بل هي ملك المستقبل الذي ينتظرها، أجيال متطلعة لا تخشى الترهيب بل تمجد الأمل والرحمة الإلهية والجدال بالتي هي أحسن.

نصر البوسعيدي كاتب عماني