ملك إسبانيا ورمزية قوته في قلعة مسقط

06 أغسطس 2023
06 أغسطس 2023

لم تكن معركة وادي المخازن إلا بلاءً على البرتغاليين في القرن 16م، فبسبب الصراع على الحكم ببلاد المغرب أيام حكم الدولة السعدية بين محمد المتوكل بالله الذي قتل إخوته من أجل الحكم، وعمه عبدالملك الذي أحبه الناس لعدله، لجأ المتوكل إلى الملك سبستيان الذي جهز جيشه الضخم بمعاونة خاله فليب ملك إسبانيا ومعه المتوكل وأتباعه بحملة صليبية تهدف للقضاء على الحكم الإسلامي هناك، واتجهوا للمغرب وهناك التحم الجيش العربي مع القوات الغازية وانتهت المعركة بهزيمة مذلة للبرتغاليين وأعوانهم وكانت من نتائجها مقتل الملك سبستيان وموت المتوكل غرقا، ووفاة الأمير عبدالملك متأثرا بمرضه لتسمى بمعركة الملوك الثلاثة الذين ماتوا جميعهم بنفس اليوم من عام 1578م وفق المعلومات الواردة بمقال خاص عن المعركة بقلم د. مولاي المصطفى البرجاوي بعنوان "معركة واد المخازن وأبعادها الدولية".

هنا احتل فليب المملكة البرتغالية وضمها من ضمن الممالك الإسبانية ليدير المستعمرات البرتغالية في الشرق والغرب رسميا حوالي عام 1580م.

كانت مسقط وقتها ومعها قلهات وصور وصحار من أهم المدن العمانية التي هلكها الاستعمار البرتغالي والإسباني على السواء، فقد كان النهب واستغلال الثروات هو السائد في تلك الأنحاء، لذلك حرص الملك فليب الثاني على أن يواصل النهج الاستعماري ويواصل تقويته وتحصيناته في أهم المناطق التي تقع بين أيديهم كمسقط.

لذا كان مهتما بشكل كبير ببناء وتحصين قلعة مسقط (قلعة الميراني) مثلما تشير إليه "موسوعة الوثائق البرتغالية في بحر عمان بين عامي 1504-1783م"، التي أحاول من خلالها تتبع تفاصيل هذا المستعمر في سلطنة عمان.

ولقد ظهر لي جليا أن الملك فليب الثاني الذي جعل من مدريد عاصمته، قد اهتم شخصيا بقلعة مسقط (الميراني) فقد أرادها أن تصبح الحصن المنيع للقائد البرتغالي الذي يتم تعينه فيها للسيطرة على تجارة مسقط كلها، فلا تستطيع أي سفينة الاقتراب من الميناء إلا بإذن برتغالي إسباني وإلا فإن مصيرها التدمير عن طريق مدافع القلعة، بل كان حينما يريد أن يكرم أحد النبلاء يجعله قائدا وأميرا في هذه القلعة التي تقع حاليا بالقرب من قصر العلم.

وخلال تمعني بالبحث عن بدايات بناء القلعة والتي تم نقش تاريخه على الباب باسم الملك فليب الثاني وقائده الذي أتم بناءها متكاملة عام 1588م، فقد وجدتها متطابقة تماما من خلال هذه الوثائق البرتغالية المهمة، وهنا أحببت أن أتتبع بعض ما تم ذكره عن القلعة حسب الوثائق التي أنقلها لكم هنا باختصار لتتبين لكم أهميتها مع الملك الإسباني.

وللعلم فإن القلعة قبل تقوية تحصيناتها كانت حاضرة قبل عام 1582م والدليل هذه الوثيقة من الملك فليب الثاني كتب فيها:

" ليكن في علم من سيطّلع على هذه الرسالة أنه اعتبارا للخدمات التي أسداها لي بيدرو ألفاريش دكوستا ببلاطي في الهند لمدة تسع سنين أمضي اثنتين منها في غزو سيلان وفي خدمة الأساطيل الحربية والدفاع عن الثغور المحاذية لبلاد العدو.. قررت الإنعام عليه بمنصب وكيل تجاري في قلعة مسقط لمدة ثلاث سنوات".

وهذا بيدرو عزيزي القارئ هو من نقش اسمه حتى اليوم في باب قلعة الميراني عام 1588م وتجده شاخصا أمامك باللغة البرتغالية مع اسم الملك فليب ونائبه بالهند، ونستنتج من الرسالة أن الملك حينما يريد تكريم أحد أتباعه يجعله المسؤول عن قلعة مسقط لأهميتها لديهم.

ولقد قرر بيدرو أن يقوي أركان القلعة، واعتقد أن السبب تعرضها للعديد من الهجمات من قبل العثمانيين أو المقاومة العمانية التي كانت ترعبهم بقيادة إمام عماني اسمه قحطان وهو بالمناسبة اسم جديد في التاريخ العماني ولا نعرف عنه أي شيء، ويستحق البحث والاجتهاد لمعرفة سيرة هذا القائد الذي اجتمع خلفه العمانيون لمقاومة المستعمر الذي كان يذكره باسم الإمام، أو إمبراطور بلاد العرب، وسأفرد مقالا خاصا عما كتبه البرتغاليون في وثائقهم عنه ولو كانت يسيرة إلا، أنها مهمة للغاية لأنها توضح مدى رعبهم من شخصيته وتفتح مجالا لكل المهتمين للبحث عنه!

وعموما أرسل بيدرو للملك يخبره برغبته في تحصين وتقوية القلعة ليرد الملك فليب عام 1586م قائلا:

"لقد استحسنت الأمر الذي أصدرتموه بالشروع في تحصين قلعة مسقط وهو ما سبق لي أن شددت عليه في رسائلي وتعليماتي للأسباب التي ذكرتها لكم، لذا يسرني أن تبلغوني خطيا بالسفن التي ستعود خلال هذه السنة بما إذا كانت الأشغال قد انتهت أو أنكم لم تشرعوا فيها بعد...".

وبعد إتمام بناء القلعة على شكلها الحالي قام الملك فليب بإصدار المراسيم بتكريم أي قائد برتغالي باسم قبطان قلعة مسقط مع راتبه ومميزات منصبه وذلك لأهميتها في تاريخ استعمارهم للمنطقة، وهنا سأختم برسالته كمثال عام 1592م كتب فيها:

"نظرا للخدمات التي أسداها لي بلتزار فاش بيمانتا الفارس في بلاط الملك في مختلف ربوع الهند خلال 36 سنة...، أنعمت عليه بقبطانية قلعة مسقط لمدة ثلاث سنوات...".