مالا يدرك كله..

19 فبراير 2024
19 فبراير 2024

تراودني حادثة حصلت في عمر مبكر من حياتي، حادثة صغيرة جدا لكنها علمتني كثيرا كنت أؤمن وقتها بأن القيام بعمل ما يحتاج إلى توفر كل الظروف المناسبة والمواتية.

وأذكر في أحد الأيام رافقت والدتي -رحمها الله- إلى زيارة بعض الأهل، بعدها مررنا على مركز للتسوق، فأخذت والدتي ما تريد، ثم طلبت البيض، فقال لها العامل إن صناديق البيض انتهت، لكن لديهم كمية من البيض الطازج موجودة دون

صناديق، وقال: إنه سيضع لها 4 درازن من البيض في كيس من النايلون، أمام إلحاحه وافقت والدتي على الاقتراح.

لدى نقل الأغراض من عربة التسوق إلى السيارة، وقع كيس البيض على الأرض الإسفلتية الصلدة، وسمع صوت تهشم البيض عاليا، رفعت الكيس بيدي وأردت رميه في صندوق القمامة القريب، أشارت لي والدتي بأن أضعه في السيارة مع الأغراض،

اعترضت وقلت لها: «ما الفائدة كل البيض تهشم، ولن تكون هناك بيضة سالمة!»

أومأت لي لا بأس، ركبت السيارة وأنا على يقين بصواب رأيي، وأنه لن ينوبنا من ذلك إلا اتساخ السيارة.

لدى وصولنا المنزل دخلت غرفتي وانشغلت بأمر ما، عندما خرجت بعد فترة رأيت أمامي على طاولة الطعام عددا كبيرا من البيض النظيف يملأ سلة بلاستيكية، نظرت إلى والدتي باندهاش: «هل طلبت بيضا آخر؟» ابتسمت وقالت: «لا..هو البيض

نفسه، كان المكسور قليلا جدا، وهذا الباقي!!، وقد أخبرت العاملة أن تضعه على طاولة الطعام كي يذهب استياؤك من قراري».

يومها تعلمت أن بعض القرارات وإن بدت ظاهرا منطقية إلا أنها قد تكون خاطئة، وأن التقديرات وإن بدت أحيانا صحيحة قد تكون خاطئة، وألا نيأس في أسوأ الحالات وألا نفقد الأمل، ففي النهاية نستطيع عمل شيء ما إذا أخلصنا النية والجهد.

وتعلمت أن مالا يدرك كله لا يترك جله، وعرفت أنها قاعدة شرعية وإنسانية مهمة جدا للتعامل مع الحياة بكل ألوان طيفها التي تبدو أحيانا كثيرة قاتمة جدا، وتدعو لليأس الشديد!!

وقد ساعدتني هذه القاعدة في عدد من المنحيات الصعبة في الحياة، فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، فهل هو ما نقول عنه التفكير خارج الصندوق.

عندما نرى ما يحصل من قتل ليل نهار للمدنيين في غزة، تقفز القاعدة إلى ذهني «مالا يدرك كله لا يترك جله»، ألا نستطيع أن نفعل شيئا ما وسط كل هذه القتامة، وانسداد الأفق بالأقوياء الذين يدعمون شيطان الصهيونية؟

إن طول هذه المحنة واشتدادها علامة بوجوب البحث عن حلول لإيقاف نزيف الدم البريء ليل نهار في غزة، ولن نعدم ذلك إذا شئنا، فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.