ماذا يريد المستثمر الأجنبي من أسمنت عمان؟

05 مارس 2024
05 مارس 2024

أعلنت شركة أسمنت عُمان الأسبوع الماضي أن مجلس إدارتها أوصى بتوزيع أرباح نقدية بنحو 121 بالمائة أي حوالي 121 بيسة لكل سهم، وهذه هي أول مرة تقوم فيها الشركة – إن أقرت الجمعية العامة العادية السنوية هذا المقترح – بتوزيع هذه النسبة المرتفعة، وخلال السنوات الثلاث السابقة قامت الشركة بتوزيع أرباح نقدية بنسبة 10 بالمائة. تاريخيا قامت أسمنت عمان في عامي 2010 و2011 بتوزيع أعلى الأرباح عند 37 بالمائة أي ما يعادل 37 بيسة لكل سهم.

عادةً ما؛ تنعكس التوزيعات المرتفعة إيجابا على المستثمرين والبورصة والمحللين، ولكن في وضع شركة أسمنت عمان قد يكون الأمر مختلفا، فهذه النسبة المرتفعة من توزيعات الأرباح لم تأت من الأرباح الصافية التي سجلتها الشركة العام الماضي وإنما من الأرباح المجمّعة من السنوات الماضية والتي بلغت بنهاية ديسمبر الماضي 85.7 مليون ريال عماني، وقالت شركة أسمنت عمان إن أرباحها الصافية ارتفعت العام الماضي إلى 6 ملايين ريال عماني مقابل أرباح صافية بلغت 5 ملايين ريال عماني في عام 2022، غير أن مجلس إدارة الشركة أوصى بتوزيع أرباح نقدية بما يعادل 40 مليون ريال عماني، مستخدما بذلك جزءا كبيرا من الأرباح المجمعة من السنوات السابقة والتي سوف تتقلص إلى النصف تقريبا. وهذه نقطة مهمة سوف نناقشها لاحقا، مع الإشارة إلى أن أرباح الشركة من الأنشطة التشغيلية تراجعت العام الماضي إلى نحو 3.9 مليون ريال عماني مقابل 5.4 مليون ريال عماني في عام 2022.

وحتى نفهم الموضوع في سياقه علينا الرجوع إلى التغيّر الجوهري في ملكية الشركة، ففي شهر مارس من عام 2023 أعلنت شركة أسمنت عمان أن جهاز الاستثمار العماني قام ببيع حصته في أسمنت عمان والبالغة 59.5 بالمائة من رأس المال إلى شركة هواشين هونج كونج انترناشيونال القابضة المحدودة وهي إحدى الشركات التابعة والمملوكة بالكامل لشركة أسمنت هواشين المحدودة وقد اكتملت الصفقة في 5 أبريل 2023، وقالت شركة أسمنت عمان إن سعر الصفقة هو 193.1 مليون دولار أمريكي مع إعطاء المشتري الحق في تعديل سعر الشراء بعد انتهاء الصفقة ليراعي صافي النقد ورأس المال العامل عند اكتمال الصفقة، وبلغ سعر الصفقة النهائي 379 بيسة للسهم الواحد، ووفقا لشروط الصفقة تنازل المشتري عن حقه في تملك الصفقة لصالح شركة ابرا هولدينغز ليمتد وهي شركة تابعة ومملوكة بالكامل للمشتري تأسست بجمهورية موريشيوس، وفي وقت لاحق قامت شركة ابرا بزيادة حصتها في رأسمال شركة أسمنت عمان بعد أن عرضت على المستثمرين شراء أسهمهم بسعر 379 بيسة للسهم، وبنهاية عام 2023 بلغت حصة شركة ابرا في شركة أسمنت عمان 64.6 بالمائة، وكانت شركة ابرا تطمح في الوصول إلى نسبة 75 بالمائة، غير أنه يبدو أن العديد من المساهمين لم يرغبوا في بيع أسهمهم بالسعر الذي عرضته عليهم شركة ابرا آنذاك وهو 379 بيسة للسهم الواحد، وبعد الإعلان عن التوزيعات الجديدة سجل السهم صعودا حادا ليصل في افتتاح تداولات أمس الثلاثاء إلى 493 بيسة وهو أعلى بكثير من سعر السهم عند إعلان صفقة بيع جهاز الاستثمار العماني لحصته في شركة أسمنت عمان وهو 299 بيسة للسهم الواحد، كما أنه أعلى من سعر شراء السهم من قبل المستثمر الأجنبي وهو 379 بيسة.

وبما أن شركة ابرا تمتلك حوالي 65 بالمائة من أسهم شركة أسمنت عمان فإن هذا يعني أن معظم التوزيعات سوف تذهب إليها، وهو ما يجعلنا نتساءل: ما هي الخطوة المقبلة من المستثمر الجديد في شركة أسمنت عمان؟ هل سيقوم خلال العام المقبل أيضا باقتراح توزيعات مماثلة لتختفي بعد ذلك الأرباح المجمعة من الشركة أو تقل إلى ما دون رأسمالها البالغ حوالي 33.1 مليون ريال عماني؟.

من المتعارف عليه أن الشركات تقوم من سنة لأخرى باحتجاز جزء من أرباحها لتقوية ميزانياتها واللجوء إلى هذا المبلغ في السنوات اللاحقة بهدف توسعة أعمالها أو تقليص تأثيرات تقلب الأسعار ومواجهة التحديات الأخرى، ويمكنها أيضا استخدام جزء من هذه الأرباح لتوزيع أرباح معقولة على المساهمين في حالة تراجع أرباحها وذلك للمحافظة على استقرار سعر السهم عند مستويات معينة، وفي حالة شركة أسمنت عمان فإن الأرباح الصافية التي حققتها الشركة تتيح لها توزيع نسبة تصل إلى نحو 20 بالمائة وهي نسبة أعلى من توزيعات الأعوام الثلاثة الماضية غير أن مجلس إدارة الشركة أوصى بتوزيعات أعلى بكثير، وهو ما قد يؤدي إلى «تجفيف» النقد إن استمرت هذه السياسة خلال العام المقبل وبالتالي سوف يؤدي ذلك إلى انهيار سعر السهم لاحقا وتراجع المركز المالي للشركة في النهاية.

إن دخول مستثمرين أجانب في الشركات التي تعمل في قطاعات رئيسية مثل شركات الأسمنت والطاقة والمواد الغذائية الرئيسية وغيرها ينبغي أن يكون بهدف تعزيز أداء الشركة وتقويتها وضخ استثمارات جديدة ولا يمكن أن يكون بالشكل الذي نجده في شركة أسمنت عمان حيث يركز الشريك الأجنبي على الأرباح المجمعة أكثر من تركيزه على تطوير الشركة وتقويتها وربما يقوم هذا الشريك في وقت لاحق ببيع حصته ويتخارج من هذا الاستثمار دون أن يقدم أي إضافة حقيقية للشركة أو القطاع الذي تعمل فيه، ونتطلع إلى دور أكبر للهيئة العامة لسوق المال وجهاز الاستثمار العماني للمحافظة على الشركات الرئيسية المدرجة في بورصة مسقط والقطاعات التي تعمل فيها خاصة إذا كانت قطاعات استراتيجية كقطاع الأسمنت؛ انطلاقا من الأهداف الرئيسية لتأسيس قطاع سوق المال ودوره الحيوي في التنويع الاقتصادي وتقوية الشركات وزيادة عوائد المستثمرين.

محمد بن أحمد الشيزاوي كاتب عماني