ما أسهل التنظير!

03 يونيو 2023
03 يونيو 2023

1- يقولون إن الإنسان يتعلم حتى من «الكتاب السيئ» الذي يحمل أفكارا رديئة ومبتذلة، ربما لأنه يُحفِزُ على القراءة ويبث داخله شغف البحث عن الإجابة ومعرفة لماذا هو سيئ.. كذلك هي القرارات الخاطئة والصدمات المُوجعة التي قد تصدر عن أشخاص يعيشون حولنا.

كل هذا يجعل الشخص أكثر فهما لنفسه ولِم حصل ذلك وماذا يريد الآن وما حقيقة من يتعامل معهم؟ إن تجربة الحياة تجربة تستحق أن تُعاش بكل ما فيها، أفراحها وتعاساتها وتقلباتها لأنها لا تتكرر فلا بأس من التعثر وخُذلان من نحبهم ونحترمهم.. لا ضير مُطلقًا من الخيبات إذا كانت هي النافذة التي سيدخل من خلالها ضوء الحقيقة ليتكّشف الواقع بصورته الصحيحة.. لا بأس بكل ذلك.

2- خُصصت الندوة لقراءة الإصدار الجديد الخارج للنور منذ شهرين لنقده ولإظهار تصاعد مسار جودة السرد في أُسلوب كاتبه وتقنية الكتابة التي اتكأ عليها.. لم يتعد عدد الحضور أكثر من 12 شخصًا هم أصدقاء الكاتب وحديثو العهد بالكتابة و3 تورطوا بالوجود في المقهى مُكرهين لأنهم كانوا يشتغلون على بحث جامعي مستفيدين من خدمة «الواي فاي» التي يوفرها.

هبط الإطراء على العمل الذي تتكرر ثيمته لدى أكثر من كاتب «مجتمع القرية المأزوم بقضايا مسكوت عنها» فقفزت في ذهني بسرعة «البؤساء» لفيكتور هوجو وبطلها «جان فالجان» الذي قضى 20 عاما في السجن لأنه سرق رغيفا من الخبز وشتان بين العملين.

الجميع اعتبر العمل استثنائيا يستحق التكريم لكنهم أغفلوا أنه لم يأتِ بجديد ولم يلامس هموم الناس التي تنتظر من يُناقشها في أعمال أدبية وندوات كهذه مخصصة للنخبة، فلماذا الاشتغال والترويج والتسويق لأعمال «تحوم» حول نفسها وتبحث في قضايا مُزمنة يعلم الكُتّاب أنفسهم أنها بلا حلول على الأقل في القريب المنظور.

المجتمع اليوم بحاجة للكتابة عن تجدد حراكه الاجتماعي والاقتصادي والمعرفي ومُنغصات إنسانه البسيط لا قضايا «مُفتعلة» يستدعيها البعض ممن يعيش خارج الواقع ويطرحها لـ«دغدغة» عواطف القراء أو لـ«مغازلة» اللجان التي تُشرف على منح الجوائز الأدبية المحلية والعالمية.

3- بفطرتنا الإنسانية تشغلنا الدنيا ومظاهرها.. نتعلق بتلابيبها لذا نحن متشبثون دوما بكل ما ينتمي إلى الوجه الجميل منها.. نبحث عن الفرح.. عن السعادة أينما كانت رغم اختلاف مفهوم هذا المصطلح وتباينه لدى البشر.. نلهث خلف حياة مكتملة مثالية بكل ما أوتينا من قوة رغم إدراكنا أنه لا وجود لحياة مكتملة بلا حزن أو ألم أو فراق.. ربما لأنها مبلغ علمنا أو لأن ما سيأتي بعدها هو في حكم الغيب. نكره أي حديث عن مفارقتها.. عن الموت.

يشقُ علينا أي تذكير عابر بتقهقُرِ الشباب و«الفُتوة» وتراجع الملَكات وضمور الحضور وتلاشيه وخفوت التوهج المدعوم بالوظيفة والمكانة الاجتماعية. نخشى الزمن والعُزلة.. نخشى الانطفاء ذلك القدر الحتّمي القادم لا محالة لكننا لا نُفيق وإن أفقنا جاءت الإفاقة متأخرة.

آخر نقطة.

تسهلُ مطالبة شخص بإمكانات محدودة أن «يتعقل» ويقف عند إمكاناته وأن «يمد رجوله على قد لحافه» وأن.. وأن.. لكن من الصعوبة جدا التعرف عن كثير من المشاعر التي لا تخضع دائما للمنطق، إنما تكون مصدرها عواطف فطرية كالحب والأبوة والأمومة.. ما أسهل التنظير لمن يده في الماء بعيدة عن اللهب.

عمر العبري كاتب عماني