كيف نتقدم معا وبعض الأبواب مغلقة؟!

26 مارس 2023
26 مارس 2023

حينما وقف الإمام الجلندى بن مسعود (تم انتخابه حاكما لعمان عام 132هـ) أمام الجيش العباسي في موقعة جلفار، وطلب منه والي العباسيين خازم بن خزيمة أن يسلمه عُمان لتصبح تحت الخلافة العباسية، اجتمع الجلندى مع أصحابه ليستشيرهم في هذا الطلب، فكان الجواب بتصويت الأكثرية الامتناع عن الدخول تحت وصاية الدولة العباسية انتصارا لمبدأ الشورى فوقعت المعركة بين الجيشين وانتهت بمأساة استشهاد الجلندى وأصحابه!

أنا هنا أخبركم بذلك لأنني أود أن أقول بأن مبدأ الشورى كان هو الفاصل الحقيقي لأهم الأحداث التاريخية من أجل عُمان، فكلما كانت الاستشارة حاضرة كلما قلت الأخطاء وتحملنا جميعا مسؤوليتها إن وقعت، وفي المقابل سنصبح شركاء جميعا في قصص النجاح المبهرة التي ترسخ الشراكة الوطنية بين القيادات والمسؤولين والمجتمع، فمبدأ الشورى لدينا راسخ منذ قديم الزمان كرسوخ هذه الجبال الشامخة حولنا لملايين السنين.

قبل أيام رعى صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد ملتقى "معا نتقدم" الذي كان يستهدف إيجاد منصة حوارية جادة ومثرية بين الحكومة وشريحة جيدة من الشباب الذين يمثلون مختلف شرائح المجتمع بعدما تم فرز طلبات المشاركة للحصول على العدد المطلوب في الملتقى والذي استعرض فيه أكثر من مسؤول خطط الحكومة لمعالجة بعض المشكلات التي نواجهها بالإضافة إلى إجاباتهم على بعض أسئلة الحضور التي تم انتقاؤها لتتماشى مع الأهداف كبداية لأرضية صلبة تخلق مبدأ الثقة والشراكة بين المواطن والمسؤول.

ولكن كيف نتقدم حقا وبعض أبواب المسؤولين للآن مغلقة؟!

هذا واقع نعايشه في مختلف المؤسسات، وحينما أقول المسؤول فأنا أعني كل مسؤول على مجموعة من الموظفين بداية من رئيس القسم إلى رئيس الوحدة، فلا يمكن أن نتقدم إن كان هذا المبدأ غير معمول به في المؤسسة الحكومية ذاتها والذي من خلاله يخدم كل موظف بمهماته العملية المصلحة الوطنية العليا المتمثلة في تقدمنا من أجل عُمان التي نريد.

فلا يمكن أن نرضى إن كنا حقا نريد أن نتقدم وفق النهج السامي بإصدار بعض القرارات المصيرية دون الرجوع إلى مجلس الشورى والجهات المعنية، كالذي حدث واحتج عليه مجلس الشورى لدى مجلس الوزراء اتجاه قرار وزارة العمل بعدم ربط المؤهلات بالأجور بسبب أن التعميم صدر من جهة واحدة فقط معارضا القرار الوزاري رقم (2010/99) الذي يقضي بتشكيل لجنة الحوار الاجتماعي التي تضم الأطراف المعنية ومنها الاتحاد العام لعمال سلطنة عمان!

ولا يمكن القبول بحال من الأحوال في استمرار عجز مجلس الشورى من استدعاء بعض الوزراء لجلسات النقاش التي يطالب بها الأعضاء في حال استشكل عليهم أمرا ما وأثار حفيظتهم وحفيظة المجتمع!

ولا يمكن القبول بتفرد قرار مسؤول بعدم الالتفات إلى مقترحات الشريحة المستهدفة من المواطنين أو عدم الالتفات للموظفين المعنيين بتنفيذ مسؤولياتهم وما يريدونه من أجل أن يتقدمون معا مكتفيا فقط بمجموعة بسيطة من المقربين يدورون حوله، بينما نجد أن المؤسسة التي يترأسونها فيها العديد من مديري العموم ومديري الدوائر الذين وجب الاجتماع معهم بشكل دوري على أقل تقدير لمناقشة سير العمل والمقترحات وغيرها من التحديات، وهذا الحديث بالطبع ينطبق عليهم جميعا.

ولا يمكن القبول بأن نناقض أنفسنا في هذا المبدأ الذي تسير عليه الحكومة بذلك الملتقى بإشراك الشباب في صنع القرار ونحن لا نزال نعاني من بعض الأبواب المغلقة والقرارات الفردية التي تتسبب في عدم اتضاح الصورة الحقيقية لآثار القرار ليمسي العمل ناقصا ويحتاج للكثير من التجويد كونه غير متكامل بسبب عدم إشراك أصحاب الاختصاص ذاتهم.

لا زالت بعض الإدارات تدير المسؤوليات وفق ما تراه فقط وكأنه حق مطلق، وهذه معضلة كبيرة لا تساعدنا في التقدم معا، ولا توجد مؤسسة تأخذ بالآراء في كل قطاع إلا ونجحت نجاحا مبهرا في إنجاز العمل بشكل جماعي متناغمة تماما مع المصلحة الوطنية والأهداف الموضوعة التي من خلالها نحاول بقدر الإمكان أن نجعله مرضيا لأكبر عدد من الشرائح المستهدفة.

ما أود أن أقوله بأننا نملك عبر التاريخ القديم تجارب رائعة جدا ومتوارثة في مبدأ الشورى وإشراك عقلاء المجتمع في صنع القرار، فما بالكم اليوم وفي العصر الحديث من النهضة المباركة ونحن نشهد منصات رسمية تعنى بذلك متمثلة بمجلس عُمان كمثال والذي يشكل جزءا منه مجلس الشورى من بدأ أعماله الفعلية عام 1991م بديلا عن المجلس الاستشاري للدولة الذي أنشأ عام 1981م.

كل هذه الجهود ليست إلا لنتقدم معا، ولكن ما يحدث من قبل بعض المسؤولين الذين يمارسون التفرد بالقرارات اتجاه مصير مجموعة من الناس دون الرجوع أقلها لمن يمثلهم لأمر مثير للحزن كونه عمل ناقص لا يتمتع بالشراكة.

وأقولها لكل مسؤول في المؤسسات المختلفة اجتمعوا بموظفيكم ناقشوهم افتحوا لهم عادة الحوار، انظروا إلى روعة مقترحاتهم وإلى شكواهم، خصصوا لكم وقتا للقاء المواطنين في مكاتبكم أو أي مكان آخر للحوار المباشر، فأنتم هنا لخدمتهم، لتفتحوا الأبواب من أجل عُمان.