علبة كاتشب

25 يوليو 2021
25 يوليو 2021

حمده بنت سعيد الشامسية -

[email protected]

شاءت إرادة الله سبحانه وتعلى أن أبقى فترة الحجر في البيت وحيدة تماما على مدى أربعة أيام متتالية، كنت أتابع ردود أفعال الناس من حولي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إذ بدأ البعض يتحدث وكأنه في سجن أبدي لن يخرج منه، رغم أنهم في بيوت تضم عدة أسر، ومحاطون بالناس الذين يحبون، أعتقد أن الفكرة هي في فكرة المنع ذاتها، فكل ممنوع مرغوب فعلًا.

كشفت التجربة أيضًا إلى أي حد أصبحنا عبيدًا لعاداتنا، فقد كان بعض الناس يستغيث لأنه لم يجد (روبا) فكيف سيأكل بدونه، والبعض لم يتخيل حياته بدون الكاتشب...الخ هي نعمة من جهة بأن أصبح غياب الكاتشب اكبر همومنا، وأكثر ما نفتقد، لكنه مصيبة من جهة أن بتنا بهذه الدرجة من الرفاهية، ففي مناطق ليست ببعيدة، في الواقع هي في بلادنا فقد البعض كل ما يملك في السيول، وكان بوده لو بقي له بيت يأويه وأبناؤه حتى لو لم يأكل إلا (عيشا وروبا).

العزلة موحشة بلا شك، فطبيعة البشر أنهم اجتماعيون، لا يستطيعون العيش بمعزل عن الناس، فأن تستوحش الناس أمرًا طبيعيًا، لكن أن تكون أكبر مآسيك أنك نسيت علبة الكاتشب، فهذه المأساة الحقيقية، فكيف ستواجه مشكلات الحياة الأصعب، التي حتمًا لن تخلو الحياة منها، إن كنت عاجزا عن العيش أربعة أيام بدون علبة كاتشب.

العادة هي أكبر سجن ذاتي اخترنا وضع أنفسنا فيه، فهي تسلبنا الإرادة الحرة التي جبلنا عليها، وحق الاختيار، وتجعلنا عبيدًا لرغباتنا وشهواتنا، ولعل هذه التجربة منحة من رب العالمين لتضعنا أمام هذه الحقيقة لمن يعتبر بالطبع، ولنعلم بأننا إذا استطعنا العيش أربعة أيام بدون ما كنا نعتقد بأننا لن نستطيع العيش بدونه، ستمنحنا هذه الحقيقة دافعًا، لخوض تجارب جديدة ما كنا نتجرأ أن نخوضها، ونطرق أبوابا جديدة كانت ترعبنا.

العادة كما أنها ممكن أن تكون سجنا، يمكنها أن تكون أداة إدارة ذات فاعلة، عندما تكون هذه العادة إيجابية، عادة تزكى بها النفس، وهذه الفترة بالذات هي أفضل فترة يمكن لنا فيها بناء عادات مثل هذه، لأن الكذبة التي كذبناها على ذواتنا، كشفت لنا الجائحة هشاشتها، فما كنا لا نستطيع فعله فعلناه، وما كنا لا نستطيع العيش بدونه، بالكاد افتقدناه.