صخرة سدح والكتابة قبل النقاط

15 ديسمبر 2025
15 ديسمبر 2025

يُحتفى باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، منذ إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها عام 1973 بإدراج اللغة العربية كلغة رسمية ولغة عمل في الأمم المتحدة.

ومنذ ذلك الحين واللغة العربية تتصدر المنابر والفعاليات الثقافية ويتم الحديث عنها في المناشط ووسائل الإعلام، لكن هناك مواضيع تتعلق بكتابة اللغة العربية وبداية تدوينها ومراحل تطورها، لم يتم تناولها أو دراستها ثقافيا واركيولوجيا بمنهجية علمية منها على سبيل الذكر النقوش والكتابات العربية الصخرية في سلطنة عُمان، إذ تحولت بعض الجلاميد إلى صفحات خطّ عليها العربي ما عزّ عليه في الذات والذاكرة.

تعكس الآثار قدرة الإنسان في توظيف الصخر في الإبداع الفني، وأيضا تكشف الفنون الصخرية صبر المرء ورغبته في التعبير وترك بصمته الجمالية على محيطه المادي.

من الكتابات الصخرية الجديرة بالدراسة والتحليل صخرة سدح المنقوش عليها آية الكرسي بالخط العربي غير المنقط، وأسفل الآية الكريمة كُتِب صاحب النقش الحسن بن أنس، وقد حُملت الصخرة من إحدى القمم الجبلية المطلة على مدينة سدح، لتُعرض حاليا في صالة الآثار المكتشفة في موقع سمهرم الأثري.

يُرجح أن يكون كاتب الآية أحد المسافرين الذين نزلوا بمدينة سدح وأقام بها، نظرا لموقع المدينة التجاري ومرفئها الطبيعي، بالإضافة إلى تواجدها على خارطة اللبان كمخزن للمنتج الذي يصل إليها من حقول اللبان الواقعة خلف جبل سمحان.

أما الاحتمال الآخر، فربما يكون أحد البحارة الناجين من غرق إحدى السفن، وأقام في سدح وكتب الآية التي تطلبت أداة حفر خاصة ووقتا وجهدا عاليا وفنا فائقا عكسه الخط الجميل والمستقيم على الصخرة.

لا يُعرف تاريخ كتابة الآية الكريمة ولكن التكهنات تُشير إلى كتابتها قبل تنقيط الحروف، وهذا يفتح بابا للحديث عن تنقيط الحروف وضبط علامات التشكيل بعد إدخال عمليات التطوير على الحروف، بدأها أبو الأسود الدؤلي (ت 688)، ثم أكملها بعد تلميذه نصر بن عاصم الليثي ( ت 708) بعد أن وضع النقاط على الحروف ورتبها بحيث يتم تمييز المتشابه من الحروف، ثم اكتمل التطوير على يد العالم اللغوي العُماني المولد أحمد بن خليل الفراهيدي (ت 786م) الذي ساهم مساهمة عظيمة في خدمة اللغة العربية تمثلت في كتابة أول قاموس للغة وكتاب العين، واقتراحه أن تبدأ حروف الهجاء في اللغة العربية من الحلق: «ع، ح، هـ، خ، غ»، ثم الحروف اللسانية: «ق، ك، ج، ش، ض، ص، س، ز» وبعدها الحروف الأسنية: «ط، د، ت، ظ، ذ، ث»، ثم الحروف اللثوية: «ر، ل، ن، ف، ب، م، و، ا، ي». وقد اتفق معه علماء الصوتيات في العصر الحديث على هذا الترتيب المراعي لبداية الحروف من الحلق. كما وضع الفراهيدي السكون والهمزة والمد وشكّل الضمة والفتحة والكسرة.

لم يسلم الفراهيدي من معارضة مجايليه من المهتمين باللغة والفقه، إذ قوبلت طريقته بالرفض خشية من تغيير الرسم الكتابي للقرآن الكريم، ولم يُنفذ اقتراحه إلا بعد وفاته.

الجدير بالذكر أن صخرة سدح ليست الصخرة الوحيدة التي عُثر على كتابات عليها، بل توجد صخرة أخرى عثر عليها بين ولايتي سدح ومرباط، عليها بضع كلمات عربية، مما يعني أن الشواطئ الصخرية يُمكن أن تكون مصادر للكتابة والتدوين الصخري في سلطنة عُمان، مما يتطلب البحث والاستكشاف للمناطق الساحلية للبحث عن كتابات أخرى عربية وغير عربية، ويبقى الاحتفاء باللغة العربية احتفالا مهما يتوجب إضافة دراسات حديثة حول اللغة وليس تكرار الفعاليات والموضوعات ذاتها.