رسائل مهرّبة على أرجل الحمام

03 أبريل 2024
03 أبريل 2024

في ختام رسالته التي وجّهها في يوم المسرح العالمي الذي يوافق 27 مارس من كلّ عام، يصل الكاتب المسرحي النرويجي يون فوسيه إلى خلاصة من ثلاث كلمات هي (الفن هو السلام)، جعلها عنوانًا لرسالته، التي ترجمها المخرج التونسي أنوار الشعافي، فالفنّ ضدّ الكراهيات والصراعات، والنزاعات، والحروب؛ لأنه يقف في صفّ الحياة، لتبدو أجمل، والحرب، كما يقول فوسيه الحائز على جائزة نوبل للآداب 2023م: «صراع ضدّ ما يكمن في أعماقنا، ضدّ ما هو متفرّد وهو أيضا صراع ضدّ الفنّ، ضدّ جوهر كلّ فنّ»، هذا الانتصار لروح السلام، أعادني إلى أول رسالة كُتبت بمناسبة يوم المسرح العالمي الذي أقرّه المعهد الدولي للمسرح، بالتعاون مع منظّمة اليونسكو الدوليّة عام 1961م وجرى الاحتفال به لأوّل مرّة في 27 مارس عام 1962، تلك الرسالة التي وجّهت بتلك المناسبة، كتبها الفرنسي جان كوكتو، وقد لفت نظري المقطع الذي يوضّح فيه أهمّيّة المسرح في حياة الشعوب، فهو يقول: «مثّل اليوم العالمي للمسرح فرصة لالتقاء الغرائب: المفرد والجمع، الموضوعي والذاتي، الوعي واللاوعي، وفرصة ليظهر المسرح للعالم عجائبه كل الخلافات التي يعيشها العالم نتيجة لانفصال العقول بفعل الحواجز اللغوية، ستصبح الأمم والشعوب، بفضل أيام المسرح العالمي، على دراية بكنوز بعضها البعض، وستعمل معًا لتحقيق السلام العالمي»، مستشهدًا بمقولة نيتشه: «إن الأفكار التي تغيّر وجه العالم تأتي إلينا على أرجل الحمام»، وكما تلاحظون، ففي الرسالتين، الأولى التي كُتبت عام 1962م والأخيرة التي كُتبت هذا العام، ثمّة قاسم مشترك أعظم، رغم الفاصل الزمني بينهما الذي يبلغ أكثر من ستة عقود، هو الدعوة للسلام العالمي، والتآخي، وإذابة الخلافات، فالسلام يبقى هدفا للمشتغلين في الفنون جميعا، وفنّ المسرح تحديدا، فللمسرح دور كبير في إحداث التغييرات الاجتماعية، والسياسيّة، كونه على تماس مباشر مع الجمهور، وقد عرفت الحكومات والمؤسسات ذلك، فقامت بدعمه، فهو السبيل الوحيد لترسيخ قيم المحبّة والسلام، والقضاء على العنف، والدمار الذي عانى منه العالم بعد حربين عالميتين طاحنتين، فعقب الحرب العالمية الثانية أنشئ المعهد الدولي للمسرح، الذي يعدُّ أكبر منظمة للفنون المسرحية في العالم، وذلك عام 1948م.

وما أحوج عالمنا اليوم للسلام! فرغم كلّ تطوّر حضاري حصل، وتقدّم تكنولوجي جعل العالم قرية كونيّة صغيرة، بقيت الحروب مستمرة، وكيف لا تستمرُّ ومشعلو الحرائق يغذّونها بالكراهيات خدمة لمصالحهم !؟، وكيف لا تكثر الفتن وحسابات تجار الحروب في البنوك ترتفع يومًا بعد آخر إثر كلّ حرب؟ ولا يدفع فواتير الحروب التي تهدّد أمن المجتمعات غير الشعوب المقهورة من أعمارها، وقوت يومها، على حساب أمنها واستقرارها، ولكن إلى حدّ يمكن للمسرح أن ينجح في أداء رسالته السامية المتمثّلة في الإقلال من الضغائن، والدعوة إلى إحلال السلام؟

بلا شكّ، أن المسرح كونه يقف على مسافة قريبة من الجمهور الواسع، قادر على ذلك؛ نظرا لقاعدته الشعبية الواسعة، وقدرته العالية على التأثير، وانحيازه للضعفاء، والمعدمين، وقضايا الإنسان، تقول الفنانة المغربية الراحلة ثريا جبران في رسالتها التي وجّهتها بمناسبة اليوم العربي للمسرح سنة 2013م: «يَعتني المسرح بمَعطُوبي الحروب، والمهزومين والمظلومين والمَكْلُومين. ويُعطِي الصوتَ لِمَنْ لا صَوْتَ له، وينْتَصرُ للجنون الذي يَقُولُ الحِكْمةَ وينْطِقُ بالمَوْعظةِ الحَسنَة»، ومن هنا برزت أهميّة المسرح، وكثرت المهرجانات، والفرق، والملتقيات المسرحية، وفي سلطنة عُمان دعت وزارة الثقافة والرياضة والشباب، مؤخّرًا، الفرق المسرحية العمانية التي يبلغ عددها (54) فرقة للمشاركة في مهرجان المسرح العماني بنسخته الثامنة الذي سيقام في 22 من سبتمبر القادم، في مدينة العرفان، ومنذ يوم نشر الإعلان، والفرق المسرحية تكثّف الجهود من أجل المشاركة في هذه التظاهرة المسرحيّة التي تعدُّ الأكبر من نوعها في سلطنة عُمان، والجمعية العمانيّة للمسرح مستمرّة في برامجها، وقد أعلنت عن مسابقة في التأليف المسرحي، والعيون تتجه إلى مجمّع عُمان الثقافي الذي يضمّ مسرحا وطنيا، وهذا يوفّر قاعة كبيرة مجهّزة للعروض المسرحيّة، وقاعات للتدريبات، وكلّ هذا الدعم يأتي، لإدراك سلطنة عمان الدور الكبير للمسرح في الحياة، وأهميّته في نشر ثقافة المحبّة ورسائل السلام التي تحملها أرجل الحمام.