حين يتحوّل الشعر إلى «مناقصة»!!

03 نوفمبر 2025
03 نوفمبر 2025

تلقيتُ الأسبوع الماضي دعوة للمشاركة في كتابة (أوبريت) للطلبة، ضمن مجموعة من شعراء محافظة شمال الباطنة، احتفالا بمناسبة العيد الوطني المجيد، وهي مشاركة تُشرّف كل شاعر عماني، صيغت الدعوة بديباجة من العبارات المنمقة في البداية، فيها الاحترام، والتقدير، ولكن..كانت نهايتها غير متوقعة، وغير اعتيادية ـ بالنسبة لي ـ، طلب مني صاحب الدعوة أن أضع (سعر العمل)!!، على ألا يزيد عن (سعرٍ معين)، ذُكر في الرسالة، غير أن الأغرب من ذلك، والأدهى، هو ما جاء نصّه في نهاية الرسالة (بأن المديرية غير ملزمة، بقبول أقل العروض..)!!، هنا كانت الطامة التي لم أستوعبها حتى الآن..هل أصبح الشعر مناقصة تطرحها المديريات بهذا الشكل غير اللائق؟..وهل دخل الشاعر مرحلة المساومة المالية التي يعتقد بعض المسؤولين أنها الطريقة الأمثل لإخراج عمل وطني بطريقة مشرفة؟!، حتى وإن كانت الآلية المتبعة لا تمت للأدب، والثقافة بصلة.

خلال سنوات مشاركاتي في الأعمال الوطنية، لم أتلقَ مثل هذه الدعوة الصادمة، ولم تطرح أي جهة رسمية، أو غير رسمية هذه الآلية البائسة في الاختيار، ولم يكن الشعر مزادا، أو مناقصة، في سوق المناقصات، فالمناسبة الوطنية جديرة بأن يكون لها آلية واضحة لاختيار المشاركين فيها، وقبل ذلك انتقاء المسؤول المشرف، ممن يفهم، ويقدّر الشعر والشعراء، وليس موظفا لا علاقة له بالشعر، ولا بالأدب، فشرفٌ لكل شاعر أن يشارك في المناسبات الوطنية دون مقابل إذا وجد التقدير، أما أن يقوم موظف في المالية، أو المشتريات، بهذا العمل، وهو لا يعلم إلا لغة المال، والماديات، فذلك أمر يجب التوقف عنده بحزم، وحسم.

لقد شعرت بمدى الاستخفاف الذي يتمتع به بعض المسؤولين، المشرفين على مناسبات وطنية بها الحجم، وتعرّفتُ على عقلية جديدة غير اعتيادية لاختيار الشعراء في الأعمال ذات الطابع الوطني، وهي عقلية يجب أن تراجِع آلية العمل الذي تشتغل عليه، ومنهجية القرار الذي تتخذه، فالشعر ليس مناقصة ليقوّم بأقل الأسعار، أو أن يطرح بذلك الشكل البائس، فالشاعر -كان- ولا يزال- هو محور الأعمال الوطنية، وواسطة عقد الاحتفالات، ولذلك يجب أن يكون للمناسبة قدسيتها، وهيبتها، ويتم اختيار الشعراء، إما عن طريق الترشيح المباشر من الجهة المسؤولة، أو طرح إعلان في وسائل الإعلام، ليتقدم كل شاعر بما لديه، وتختار اللجنة المشرفة ما تراه مناسبا، أما أن يتم تقييم الأعمال المشاركة بصيغة إعلانات المناقصات الشرائية، فذلك أمر يجب أن يعاد النظر فيه، فالشعر، والشاعر، أكثر (قيمة) مما يعتقده البعض، والمناسبات الوطنية أكبر من حجم الريالات التي يتم دفعها، مهما بلغت.